الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
صفحة جزء
98 - قوله: (ص): "وحديث مالك عن الزهري ، عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر تفرد به مالك عن الزهري ". انتهى.

[ ص: 655 ] تعقبه شيخنا بأنه قد روي من غير طريق مالك فرواه البزار من رواية ابن أخي الزهري وابن سعد في الطبقات وابن عدي في الكامل جميعا من رواية أبي أويس .

قال : وذكر ابن عدي في الكامل أن معمرا رواه وذكر المزي في الأطرف أن الأوزاعي رواه ثم حكى الشيخ قصة القاضي أبي بكر ابن العربي وأنه قال: "رويته من ثلاثة عشر طريقا غير طريق مالك " وأنه وعد أصحابه بتخريجها فما أخرج لهم شيئا.

وأن ابن مسدي تعقب هذه الحكاية بأن شيخه فيها كان متعصبا على ابن العربي (يعني فلا يقبل قوله فيه). [ ص: 656 ] .

قلت: وهو تعقب غير مرضي، بل هو دال على قلة اطلاع ابن مسدي ، وهو معذور؛ لأن أبا جعفر ابن المرجي راويها في الأصل كان مستبعدا لصحة قول ابن العربي ، بل هو وأهل البلد. حتى قال قائلهم:


يا أهل حمص ومن بها أوصيكم بالبر والتقوى وصية مشفق     فخذوا عن العربي أسمار الدجى
وخذوا الرواية عن إمام متقي     إن الفتى ذرب اللسان مهذب
إن لم يجد خبرا صحيحا يخلق

وعنى بأهل حمص أهل إشبيلية ، فلما حكاها أبو العباس البناني لابن مسدي على هذه الصورة ولم يكن عنده اطلاع على حقيقة ما قاله ابن العربي ، احتاج من أجل الذب عن ابن العربي أن يتهم البناني ، حاشا وكلا ما علمنا عليه من سوء، بل ذلك مبلغهم من العلم.

وقد تتبعت طرق هذا الحديث، فوجدته كما قال ابن العربي من ثلاثة عشر طريقا عن الزهري غير طريق مالك ، بل أزيد فرويناه من طريق الأربعة الذين ذكرهم شيخنا.

5 - ومن رواية عقيل بن خالد .

6 - ويونس بن يزيد .

7 - ومحمد بن أبي حفصة .

8 - وسفيان بن عيينة .

9 - وأسامة بن زيد الليثي .

10 - وابن أبي ذئب .

11 - 12 - وعبد الرحمن ومحمد ابني عبد العزيز الأنصاريين .

13 - ومحمد بن إسحاق .

[ ص: 657 ] 14 - وبحر بن كنيز السقا .

15 - وصالح بن أبي الأخضر .

16 - ومحمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي .

أما رواية ابن أخي الزهري التي عزاها شيخنا لتخريج البزار فقد أخرجها أبو عوانة في صحيحه، عن أبي إسماعيل محمد بن إسماعيل هو: الترمذي ، حدثنا إبراهيم بن يحيى الشجري ، حدثني أبي عن ابن إسحاق حدثني محمد بن عبد الله بن شهاب عن عمه، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر ورواه الخطيب في تاريخه من طريق أبي بكر النجاد عن الترمذي ، ورواه النسائي في "مسند مالك " عن محمد بن نصر ، والبزار في مسنده عن عبد الله بن شبيب كلاهما عن إبراهيم بن يحيى ، وإبراهيم مدني قد أخرج له البخاري في "الأدب المفرد" من روايته عن أبيه ولم يذكر في تاريخه فيهما جرحا.

[ ص: 658 ] وتكلم فيهما بعضهم من قبل حفظهما - والله أعلم - .

وأما رواية أبي أويس فقرأت على العماد أبي بكر الفرضي عن القاسم ابن المظفر أن محمد بن هبة الله الفارسي أنبأهم قال: أنبأ علي بن الحسين الحافظ . أنا أبو الفرج بن أبي الرجاء . أنا أبو طاهر بن محمود . أنا أبو بكر ابن المقري في معجمه ثنا السلم بن معاذ الدمشقي حدثنا أحمد بن يحيى الصوفي ثنا إسماعيل بن أبان ح ورواه ابن عدي في الكامل عن محمد بن أحمد بن هارون ، عن أحمد بن موسى البزار عن إسماعيل بن أبان عن أبي أويس عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة حين افتتحها وعلى رأسه مغفر من حديد .

قال ابن عدي : هذا يعرف بمالك ، عن الزهري ، وقد روي عن أبي أويس كما ذكرته وعن ابن أخي الزهري ومعمر .

قلت: وقد وقع من وجه آخر قرئ على عبد الله بن عمر بن علي وأنا شاهد أن محمد بن أحمد بن خالد أخبرهم قال: أنا عبد الولي البعلي ، أنا حماد بن أبي العميد ، أنا عبد الله بن أحمد بن محمد بن عبد القاهر ، أنا منصور بن بكر بن محمد بن علي بن حميد أنا جدي أبو بكر بن محمد بن علي ، ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا أبو جعفر بن [ ص: 659 ] المنادي ثنا يونس بن محمد . ثنا أبو أويس عن ابن شهاب عن أنس - رضي الله عنه - قال: إنه رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عام الفتح دخل مكة وعلى رأسه المغفر فلما نزعه - صلى الله عليه وسلم - أتاه رجل فقال يا رسول الله هذا ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اقتلوه .

قلت: ورجال هذا الإسناد ثقات أثبات، إلا أن في أبي أويس بعض كلام، وقد جزم جماعة من الحفاظ منهم: البزار أنه كان رفيق مالك في السماع، وعلى هذا فهذا اللفظ الثاني أشبه أن يكون محفوظا على أن بعض الرواة عن مالك قد رواه عنه باللفظ الأول، كما بينه الدارقطني في "غرائب مالك " - رحمة الله تعالى عليهما - والله الموفق.

وأما رواية معمر - التي لم يعزها شيخنا - فرواها أبو بكر بن المقرئ في معجمه قال: ثنا سعيد بن قاسم ، عن مرثد . ثنا مؤمل بن إهاب ثنا عبد الرزاق ح قال ابن المقرئ : وحدثنا محمد بن حاتم بن طيب . ثنا عبد الله بن حمدويه البغلاني ثنا أبو داود السنجي . ثنا عبد الرزاق ثنا معمر عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر" .

أخبرنيه أبو بكر (ابن إبراهيم) الفرضي بالإسناد الذي قدمته آنفا إلى ابن المقرئ .

ورواه داود بن الزبرقان ، عن معمر فأدخل بينه وبين الزهري فيه [ ص: 660 ] مالكا أخرجه الدارقطني في "غرائب مالك ". والخطيب في "الرواة عن مالك " والحاكم في "المستدرك" بأسانيد ضعيفة إليه.

ورواه الواقدي عن معمر ، فلم يذكر مالكا ، وسيأتي إسناده - إن شاء الله تعالى - .

وأما رواية الأوزاعي : فرواها تمام بن محمد الرازي في الجزء الرابع عشر من فوائده قال: أنا أبو القاسم ابن علي بن يعقوب من أصل كتابه قال: أنا أبو عمرو محمد بن خلف الأطرويشي الصرار .

وقال أبو عبد الله بن منده : "ثنا جمح بن أبان المؤذن . ثنا هشام بن خالد ثنا الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي عن الزهري عن أنس قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر .

لفظ تمام ورواته ثقات، لكني أظن أن الوليد بن مسلم دلس فيه تدليس التسوية، لأن الدارقطني ذكر في كتاب الموطآت أن جماعة من الأئمة الكبار رووه عن مالك فعد فيه الأوزاعي وابن جريج وابن عيينة وغيرهم. ثم وجدته في المديح للدارقطني أخرجه من طريق المؤمل بن الفضل ، عن الوليد بن مسلم قال ثنا الأوزاعي عن مالك ، عن الزهري .

وهكذا رواه أبو الشيخ في الأقران من طريق محمد بن كثير عن الأوزاعي ، عن مالك ، فترجح أن الوليد دلسه.

[ ص: 661 ] وقد وجدته من رواية محمد بن مصعب عن الأوزاعي - أيضا - قال الخطيب في تاريخه: "أنا الحسن بن محمد الخلال ". أنا علي بن عمرو بن سهل الحريري . ثنا محمد بن الحسن بن مقسم من أصل كتابه. ثنا موسى بن الحسن بن أبي عباد ثنا محمد بن مصعب القرقساني . ثنا الأوزاعي عن الزهري فذكره، قال الخطيب : هذا وهم على محمد بن مصعب ، فإنه إنما رواه عن مالك لا عن الأوزاعي .

قلت: فكأن الراوي عنه سلك الجادة، لأنه مشهور بالرواية عن الأوزاعي لا عن مالك - والله أعلم - .

وأما رواية عقيل بن خالد فرواها أبو الحسين بن جميع الحافظ في "معجمه" قال: ثنا محمد بن أحمد هو الخولاني . ثنا أحمد بن رشدين (هو أحمد بن محمد بن الحجاج بن رشدين) حدثني أبي عن أبيه عن ابن لهيعة ، عن عقيل عن ابن شهاب عن أنس - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - [ ص: 662 ] أنه دخل مكة عام الفتح وعلى رأسه المغفر فلما نزعه - صلى الله عليه وسلم - جاءه رجل فقال: ابن خطل متعلق بأستار الكعبة فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "اقتلوه" .

قال ابن شهاب ولم يكن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ محرما.

رواته معروفون إلا أن فيهم من تكلم فيه، وليسوا في حد الترك بل يخرج حديثهم في المتابعات - والله الموفق - .

وأما رواية يونس بن يزيد ، فقال أبو يعلى الخليلي في "كتاب الإرشاد" له حدثني جعفر بن محمد الأندلسي حدثني أبو بكر: أحمد بن محمد بن إسماعيل المهندس بمصر ، حدثني أبي حدثنا أبو عبيد الله أحمد بن عبد الرحمن بن وهب أنا عمي عبد الله بن وهب عن مالك ويونس بن يزيد ، عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه مغفر" .

قال الخليلي : رواه الحفاظ عن (عبد الله) بن وهب عن مالك وحده ليس فيه يونس .

قال لي جعفر : حدثنا به أحمد من أصل كتابه العتيق قال : وأبوه من الثقات.

[ ص: 663 ] قلت: كلامه يشعر بتفرد ابن أخي ابن وهب عن عمه به وهو كذلك لكن له طريق أخرى عن يونس كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقرأت بخط الحافظ أبي علي البكري ، قال: قرأت بخط الحافظ أبي الوليد بن الدباغ أنا أبو محمد بن عتاب أنا أبو عبد الله بن عائذ إجازة قال: أنا أبو بكر: أحمد بن محمد بن إسماعيل فذكره.

وأما رواية محمد بن أبي حفصة ، فقال الخطيب : "في الرواة عن مالك " أنا أبو بكر محمد بن الفرج بن علي البزار . أنا محمد بن إسحاق القطيعي الحافظ .

[ ص: 664 ] حدثني عبدان بن هشيم بن عبدان . ثنا النضر بن هارون السيرافي ثنا أحمد بن داود بن راشد البصري القرشي ، ثنا مهدي بن هلال الراسبي ثنا مالك بن أنس ويونس بن يزيد ومحمد بن أبي حفصة عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل يوم الفتح مكة وعلى رأسه - صلى الله عليه وسلم - مغفر فقيل له: إن ابن خطل متعلق بأستار الكعبة قال - صلى الله عليه وسلم - : اقتلوه .

لكن مهدي بن هلال ضعيف جدا.

وأشار إلى ذلك الحافظ أبو الوليد الدباغ فقال: "لم ينفرد به مالك بل وقع لي من رواية يونس وابن أبي حفصة ومعمر كلهم عن الزهري .

وأما رواية سفيان بن عيينة فقال أبو يعلى في مسنده ثنا محمد بن عباد المكي ثنا سفيان وهو ابن عيينة عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - قال: "إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعليه مغفر .

هكذا رويناه في مسند أبي يعلى - روايتي ابن المقرئ وابن حمدان .

وكذا رويناه في فوائد بشر بن أحمد الإسفرائيني ، عن أبي يعلى ورجاله رجال مسلم .

لكن رواه النسائي من طريق الحميدي عن ابن عيينة عن مالك عن [ ص: 665 ] الزهري ، فيحتمل أن يكون ابن عيينة دلسه حين حدث به محمد بن عباد أو سواه محمد بن عباد فقد قدمنا عن الدارقطني أنه عد ابن عيينة في الأكابر الذين رووه عن مالك .

وأما رواية أسامة بن زيد الليثي ، فرواه الحاكم في "تاريخ نيسابور " وابن حبان في "الضعفاء" من طريق عبد السلام بن أبي فروة النصيبي عن عبد الله بن موسى عن أسامة بن زيد عن الزهري عن أنس - رضي الله تعالى عنه - قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل مكة وعلى رأسه المغفر لكن عبد السلام ضعيف جدا.

وأما رواية ابن أبي ذئب ، فرواها ابن المقري في معجمه وأبو نعيم في الحلية عنه (عن عمرو بن أحمد بن جابر الرملي ) عن محمد بن يعقوب الفرجي عن أحمد بن عيسى ، عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب عن الزهري مثله - والله تعالى أعلم - .

لكن أحمد بن عيسى أبو الطاهر ضعيف.

[ ص: 666 ] وأما رواية عبد الرحمن ومحمد ابني عبد العزيز فرويناه في فوائد أبي محمد عبد الله بن إسحاق الخراساني ، قال:

ثنا أحمد بن الخليل بن ثابت ثنا محمد بن عمر الواقدي ثنا معمر ومالك ومحمد بن عبد العزيز وعبد الرحمن بن عبد العزيز سمعوا الزهري يخبر عن أنس - رضي الله تعالى عنه- به .

والواقدي ضعيف وعبد الرحمن ضعفه أبو حاتم .

وأما رواية محمد بن إسحاق وبحر بن كنيز السقا ، فذكر الحافظ أبو محمد جعفر الأندلسي نزيل مصر فيما خرجه من حديث أحمد بن محمد بن عمر الجيزي من روايته عن شيوخه المصريين قال - بعد أن أخرج هذا الحديث من رواية ابن أخي الزهري - : "اشتهر أن مالكا تفرد به وقد وقع لنا من رواية بضعة عشر نفسا رووه غير مالك ، منهم أبو أويس ومحمد بن إسحاق وبحر بن كنيز السقا وذكر بعض من ذكرنا".

قلت: ولم يقع لي روايتها إلى الآن وأخبرني بعض الحفاظ أنه وقف على رواية ابن إسحاق له عن الزهري في "مسند مالك " لأبي أحمد بن عدي .

[ ص: 667 ] قلت: وقد تقدم في ذكر رواية ابن أخي الزهري أن ابن إسحاق رواه عنه عن عمه - فالله أعلم - .

ثم وقع لي من طريق ابن وهب عن ابن إسحاق عن الزهري لكنه قال عن عروة عن عائشة - رضي الله تعالى عنها - .

رويناه في فوائد أبي إسماعيل الهروي الحافظ بإسناد ضعيف.

وأما رواية صالح بن أبي الأخضر ، فذكرها الحافظ أبو ذر الهروي عقب رواية البخاري له عن يحيى بن قزعة عن مالك .

قال أبو ذر : "لم يرو حديث المغفر أحد عن الزهري إلا مالك وقد وقع لنا عن صالح بن أبي الأخضر عن الزهري وليس صالح بذاك .

قلت: ولم تقع لي هذه الرواية إلى الآن.

وأما رواية محمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي ، فرواها الدارقطني "في الأفراد" وموسى بن عيسى السراج في "فوائده" كلاهما عن عبد الله بن [ ص: 668 ] أبي داود ثنا إسحاق بن الأخيل العنسي ثنا عثمان بن عبد الرحمن ثنا ابن أبي الموالي ، عن الزهري ، عن أنس - رضي الله تعالى عنه - .

قال الدارقطني : تفرد به عثمان بن عبد الرحمن عن ابن أبي موالي واسمه: محمد بن عبد الرحمن بن أبي الموالي .

قلت: وعثمان هو الوقاصي - ضعيف جدا.

ورويناه - أيضا - من طريق يزيد الرقاشي ، عن أنس - رضي الله عنه - متابعا للزهري .

رويناه في فوائد أبي الحسن الفراء الموصلي ، نزيل مصر ويزيد ضعيف.

وروينا هذه القصة - أيضا - من حديث عائشة - رضي الله تعالى عنها - كما تقدم قريبا.

ومن حديث سعد بن أبي وقاص وأبي برزة الأسلمي - رضي الله تعالى عنه - وحديثهما في "السنن" للدارقطني .

ومن حديث علي بن أبي طالب - رضي الله تعالى عنه – وهو في المشيخة الكبرى" لأبي محمد الجوهري .

ومن طريق سعيد بن يربوع ، والسايب بن يزيد - رحمه الله تعالى [ ص: 669 ] عليهما - وهما في مستدرك الحاكم وألفاظهم مختلفة.

فهذه طرق كثيرة غير طريق مالك ، عن الزهري عن أنس - رضي الله عنه - فكيف يجمل ممن له ورع أن يتهم إماما من أئمة المسلمين بغير علم ولا اطلاع.

ولقد أطلت في الكلام على هذا الحديث، وكان الغرض منه الذب عن أعراض هؤلاء الحفاظ، والإرشاد إلى عدم الطعن والرد بغير اطلاع.

وآفة هذا كله الإطلاق في موضع التقييد.

فقول من قال من الأئمة: إن هذا الحديث تفرد به مالك عن الزهري ليس على إطلاقه، إنما المراد به بشرط الصحة.

وقول ابن العربي : إنه رواه من طرق غير طريق مالك إنما المراد به في الجملة سواء صح أو لم يصح، فلا اعتراض ولا تعارض.

وما أجود عبارة الترمذي في هذا فإنه قال - بعد تخريجه - : "لا يعرف (كبير أحد) رواه عن الزهري غير مالك .

وكذا عبارة ابن حبان : "لا يصح إلا من رواية مالك ، عن الزهري " .

فهذا التقييد أولى من ذلك الإطلاق.

[ ص: 670 ] وهذا بعينه حاصل في الكلام على حديث "الأعمال بالنيات" والله الموفق.

تنبيه:

مثل الحاكم للشاذ بمثال يتجه عليه من الاعتراض أشد مما اعترض به على المصنف، فإنه أخرج من طريق محمد بن عبد الله الأنصاري قال: حدثني أبي ، عن ثمامة بن عبد الله بن أنس ، عن أنس بن مالك - رضي الله تعالى عنه - قال: "كان منزلة قيس بن سعد - رضي الله عنه - من النبي - صلى الله عليه وسلم - بمنزلة صاحب الشرطة من الأمير .

قال الحاكم : "هذا الحديث شاذ، فإن رواته ثقات وليس له أصل عن أنس - رضي الله تعالى عنه - ولا عن غيره من الصحابة - رضي الله تعالى عنهم - بإسناد آخر" .

قلت: وهذا الحديث أخرجه البخاري في صحيحه من هذا الوجه، والحاكم موافق على صحته إلا أنه يسميه شاذا [ ص: 671 ] ولا مشاحة في التسمية.

وفي الجملة فالأليق في حد "الشاذ" ما عرف به الشافعي - والله أعلم - .

التالي السابق


الخدمات العلمية