الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1525 [ 787 ] وعن أم سلمة ، قالت : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ما من مسلم تصيبه مصيبة ، فيقول ما أمره الله : إنا لله وإنا إليه راجعون ، اللهم أجرني في مصيبتي ، وأخلف لي خيرا منها ، إلا أخلف الله له خيرا منها .

                                                                                              قالت : فلما مات أبو سلمة قلت : أي المسلمين خير من أبي سلمة ؟ أول بيت هاجر إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - . ثم إني قلتها فأخلف الله لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                              قالت : فأرسل إلي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حاطب بن أبي بلتعة ، يخطبني له ، فقلت له : إن لي بنتا ، وأنا غيور . فقال : أما بنتها فندعو الله أن يغنيها عنها ، وأدعو الله أن يذهب بالغيرة .


                                                                                              وفي رواية : ثم عزم الله لي فقلتها .

                                                                                              رواه مسلم (918) (3 و 5) ، وأبو داود (3119) ، والترمذي (3506) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ما من مسلم تصيبه مصيبة فيقول ما أمره الله : إنا لله وإنا إليه راجعون . هذا تنبيه على قوله - تعالى - : وبشر الصابرين [ البقرة : 155] الآية ، مع أنه ليس فيها أمر بذلك القول ، وإنما تضمنت مدح من قاله ; فيكون ذلك القول مندوبا ، والمندوب مأمور به ; أي : مطلوب ومقتضى ، وإن سوغ تركه . وقال أبو المعالي : لم يختلف الأصوليون أن المندوب مقتضى ومطلوب ، وإنما اختلفوا هل يسمى : مأمورا به ؟ قلت : وهذا الحديث يدل على أنه يسمى بذلك .

                                                                                              وقوله : إنا لله وإنا إليه راجعون : كلمة اعتراف بالملك لمستحقه ، وتسليم له فيما يجريه في ملكه ، وتهوين للمصيبات بتوقع ما هو أعظم منها ، وبالثواب المرتب عليها ، وتذكير المرجع والمآل الذي حكم به ذو العزة والجلال .

                                                                                              وقوله : اللهم أجرني في مصيبتي ، هو من الأجر ، وهو الثواب ، قال صاحب الأفعال : يقال : آجره الله ، بالمد وبغير المد . وقال الأصمعي : هو [ ص: 571 ] مقصور لا يمد ، وهو الذي حكاه أكثر أهل اللغة .

                                                                                              وقول أم سلمة - رضي الله عنها - : عزم الله لي ; أي : خلق في قصدا مؤكدا ، وهو العزم ، لا أن إرادة الله تسمى عزما ، لعدم الإذن في ذلك . والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقولها : وأنا غيور ; أي : كثيرة الغيرة ، وقد جاءت فعول في صفة المؤنث كثيرا ، وإن كان أصلها للمذكر . قالوا : امرأة ضحوك وعروب وعروس ، وعقبة كؤود ، وأرض صعود وحدور وهبوط . ويقال : امرأة غيرى ، ورجل غيران ، كسكرى وسكران ، وغضبى وغضبان ، وهو القياس .




                                                                                              الخدمات العلمية