الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              1551 [ 804 ] وعن عائشة ، قالت : لما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قتل ابن حارثة وجعفر بن أبي طالب ، وعبد الله بن رواحة جلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعرف فيه الحزن . قالت : وأنا أنظر من صائر الباب (شق الباب) فأتاه رجل ، فقال : يا رسول الله ! إن نساء جعفر ، وذكر بكاءهن ، فأمره أن يذهب فينهاهن ، فذهب فأتاه ، فذكر أنهن لم يطعنه ، فأمره الثانية أن ينهاهن فذهب ، ثم أتاه فقال : والله ! لقد غلبننا يا رسول الله ، قالت : فزعمت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اذهب فاحث في أفواههن من التراب . قالت عائشة ، قلت : أرغم الله أنفك والله ما تفعل ما أمرك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وما تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العناء .

                                                                                              وفي رواية : من العي .

                                                                                              رواه البخاري (1299) ، ومسلم (935 ، وأبو داود (3122) ، والنسائي (4 \ 15) ، وابن ماجه (1581) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقولها : من صائر الباب ، قد فسره في الحديث بشق الباب ، وهكذا صحت روايته . قال الإمام : والصواب : صير الباب - بكسر الصاد - . وفي حديث آخر : من اطلع من صير باب فقد دمر ، وهو شق الباب ، ودمر : دخل بغير إذن . وكون نساء جعفر لم يطعن الناهي لهن عن البكاء ، إما لأنه لم يصرح لهن بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهاهن ، فظنن منه أنه كالمحتسب في ذلك ، وكالمرشد للمصلحة ، أو لأنهن غلبن في أنفسهن على سماع النهي ; لحرارة المصيبة ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقوله : احث في أفواههن التراب ; يدل على أنهن صرخن ; إذ لو كان [ ص: 589 ] بكاء بالعين فقط ، لما كان لملء أفواههن بالتراب معنى ، وليس أمره - صلى الله عليه وسلم - للرجل بذلك ليفعله بهن على كل حال ، ولكن على طريق أن هذا مما يسكتهن إن فعلنه ، فافعله إن أمكنك ، وهو لا يمكنك . وفيه دليل على أن المنهي عن المنكر ، إن لم ينته عوقب وأدب إن أمكن ذلك ، وإلا فالملاطفة فيه أولى إن وقعت .

                                                                                              وقول عائشة - رضي الله عنها - للرجل : أرغم الله أنفك ; أي : ألصقه الله بالرغام - وهو التراب - ، دعت عليه ; لأنها فهمت أنه أحرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بكثرة تكراره عليه وإخباره ببكائهن ، ولذلك قالت له : والله ما تفعل ما أمرك به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; أي : لا تقدر على فعله ، لتعذره : وما تركت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العناء . ولم ترد الاعتراض على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أمره .

                                                                                              ووقع في رواية العذري مكان : من العناء من الغي - بالغين المعجمة والياء المشددة ، الذي هو ضد الرشد ، وعند الطبري مثله ، إلا أنه بالمهملة . والأول أليق بالمعنى وأصح ، وكذلك رواه البخاري .




                                                                                              الخدمات العلمية