الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              238 [ 130 \ م ] ومن حديث مالك بن صعصعة : قال : فلما جاوزته - يعني : موسى - بكى ، فنودي : ما يبكيك ؟ قال : رب ! هذا غلام بعثته بعدي ، يدخل من أمته الجنة أكثر مما يدخل من أمتي . وفيه : وحدث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رأى أربعة أنهار يخرج من أصلها نهران ظاهران ، ونهران باطنان ، فقلت : يا جبريل ! ما هذه الأنهار ؟ ، فقال : أما النهران الباطنان : فنهران في الجنة ، وأما الظاهران : فالنيل والفرات .

                                                                                              سبق تخريجه برقم ( 130 ) .

                                                                                              [ ص: 392 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 392 ] و ( قوله : " حتى ظهرت لمستوى أسمع فيه صريف الأقلام " ) ظهرت : علوت ، والمستوى : موضع مشرف يستوى عليه ، وقد يكون المستوى يراد به هنا حيث يظهر عدل الله وحكمه لعباده هناك ، والسواء والاستواء العدل . وصريف الأقلام : تصويتها فيما يكتب بها فيه ، ومن ذلك صريف الفحل بأنيابه ، وهو صوت حك بعضها ببعض ، وهذا المكتوب فيه هو اللوح المحفوظ ، والله أعلم .

                                                                                              ولعل الأقلام المصوتة هنا هي المعبر عنها بالقلم المقسم به في قوله تعالى : ن والقلم [ القلم : 1 ] ويكون القلم هنا للجنس . وكيفية الأقلام واللوح لا يعلمها إلا الله تعالى أو من أعلمه بذلك . وأما تخصيص موسى بأمره للنبي - صلى الله عليه وسلم - بمراجعة الله تعالى في الحط من الصلوات ، فلعله إنما كان لأن أمة موسى كانت [ ص: 393 ] قد كلفت من الصلوات ما لم يكلف غيرها من الأمم ، فثقلت عليهم ، فخاف موسى - عليه السلام - على أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - مثل ذلك . وعلى هذا يدل قوله : " فإني قد بلوت بني إسرائيل قبلك " ، والله أعلم . وقيل : لأن موسى كان في السماء السابعة ، فكان أول من لقي من الأنبياء ، وليس بصحيح ، فإن هذا الحديث نص في أن موسى - عليه السلام - كان في السادسة وإبراهيم في السابعة ، فكان يكون إبراهيم أولى بذلك . والأشبه الأول ، والله أعلم .

                                                                                              وهذا الحديث نص في وقوع النسخ قبل التمكن من الامتثال ، وهو رد على من خالف في ذلك ، وهم المعتزلة .

                                                                                              و ( قوله : ما يبدل القول لدي [ ق : 29 ] ) دليل على استقرار هذا العدد ، فلا يزاد فيه ولا ينقص منه ، وهو رد على أبي حنيفة في حكمه بوجوب صلاة سادسة وهي الوتر ، سيما وقد جعلت هذه الخمس بمنزلة الخمسين ، فلو استقرت في علم الله ستا ، لبدئ فرضها ستين ، ثم نقص على ست ; إذ كل صلاة بعشر .

                                                                                              و ( قوله : " ثم أدخلت الجنة فإذا فيها جنابذ اللؤلؤ ") قال ابن الأعرابي : الجنبذة : القبة ، وجمعها جنابذ . وقال ثابت عن يعقوب : هو ما ارتفع من البناء . ووقع في كتاب البخاري في كتاب الصلاة حبائل اللؤلؤ ، وهو تصحيف ، والصحيح الأول على ما قاله جماعة من العلماء .

                                                                                              [ ص: 394 ] وأبو حبة الأنصاري صحح اسمه بالباء بواحدة من أسفل ، وقد رواه الفارسي عن المروزي باثنتين ، وليس بشيء . واسمه مالك بن عمرو البدري ، وقال الغساني : اسمه عامر ، وقيل : زيد ، وهو يشتبه بحية بالياء ، وهو حيي بن حية الثقفي .

                                                                                              وبكاء موسى - عليه السلام - إشفاق وحزن على أمته ; لما تقدم من ضلالهم ولأجل ما فاته من كثرة ثواب من عساه أن يؤمن من أمته به لو آمن .

                                                                                              وفي حديث أنس ما يقتضي أن السدرة في السماء السابعة أو فوقها ; لقوله : " ثم ذهب بي إلى السدرة " بعد أن استفتح السماء السابعة ، ففتح له فدخل ، وفي حديث عبد الله أنها في السماء السادسة . وهذا تعارض لا شك فيه ، وما في حديث أنس أصح ، وهو قول الأكثر ، والذي يقتضيه وصفها بأنها التي ينتهي إليها علم كل ملك مقرب وكل نبي مرسل على ما قاله كعب ، وقال : وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله ، وكذلك قال الخليل بن أحمد .

                                                                                              وقيل : إليها تنتهي أرواح الشهداء . وقال ابن عباس : هي عن يمين العرش ، وأيضا فإن حديث أنس مرفوع وحديث عبد الله موقوف عليه من قوله ، والمسند المرفوع أولى .




                                                                                              الخدمات العلمية