الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              261 [ 141 ] وعن أبي ذر ; قال : سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : هل رأيت ربك ؟ قال : نور أنى أراه . وفي رواية : رأيت نورا .

                                                                                              رواه مسلم ( 178 ) ، والترمذي ( 3278 ) .

                                                                                              [ ص: 407 ]

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              [ ص: 407 ] و (قوله - عليه الصلاة والسلام - : " نور أنى أراه ") هكذا رويناه وقيدناه برفع " نور " وتنوينه ، وفتح " أنى " التي بمعنى " كيف " الاستفهامية ، ورواية من زعم أنه رواه : " نور إني " ليست بصحيحة النقل ولا موافقة للعقل ، ولعلها تصحيف . وقد أزال هذا الوهم الرواية الأخرى ، حيث قال : " رأيت نورا " ، ورفع " نور " على فعل مضمر تقديره : غلبني نور ، أو حجبني نور .

                                                                                              و " أنى أراه " استفهام على جهة الاستبعاد ; لغلبة النور على بصره كما هي عادة الأنوار الساطعة كنور الشمس ، فإنه يعشي البصر ، ويحيره إذا حدق نحوه ، ولا يعارض هذا : " رأيت نورا " ، فإنه عند وقوع بصره على النور رآه ، ثم غلب عليه بعد ، فضعف عنه بصره . ولا يصح أن يعتقد أن الله نور كما اعتقده هشام الجواليقي وطائفة المجسمة ممن قال : هو نور لا كالأنوار ; لأن النور لون قائم بالهواء ، وذلك على الله تعالى محال عقلا ونقلا .

                                                                                              [ ص: 408 ] فأما العقل فلو كان عرضا أو جسما ، لجاز عليه ما يجوز عليهما ، ويلزم تغيره وحدثه . وأما النقل فقوله تعالى : ليس كمثله شيء [ الشورى : 11 ] ولو كان جسما أو عرضا لكان كل شيء منهما مماثلا له .

                                                                                              وقول هذا القائل : " جسم لا كالأجسام " ، أو " نور لا كالأنوار " متناقض ، فإن قوله : " جسم " أو " نور " ، حاكم عليه بحقيقة ذلك ، و قوله : " لا كالأجسام " يعني لما أثبته من الجسمية والنورية ، وذلك متناقض ، فإن أراد أنه يساوي الأجسام من حيث الجسمية ومفارق لها من حيث وصف آخر ينفرد به ، لزمت تلك المحالات من حيث الجسمية ، ولم يتخلص منها بذكر ذلك الوصف الخاص ; إذ الأعم من الأوصاف تلزمه أحكام من حيث هو لا تلزم الأخص كالحيوانية والنطقية ، وتتميم هذا في علم الكلام .

                                                                                              و (قول ابن عباس : " أنه - عليه الصلاة والسلام - رآه بفؤاده مرتين ") الفؤاد : القلب . ولا يريد بالرؤية هنا : العلم ، فإنه - عليه الصلاة والسلام - كان عالما بالله على الدوام ، وإنما أراد أن الرؤية التي تخلق في العين خلقت للنبي - صلى الله عليه وسلم - في القلب . وهذا على ما يقوله أئمتنا : إن الرؤية لا يشترط لها محل مخصوص عقلا ، بل يجوز أن يخلق في أي محل كان ، وإنما العادة جارية بخلقها في العين . وقول ابن عباس هذا خلاف ما حكيناه عنه من أنه رآه بعينه .

                                                                                              ولا يبعد الجمع بينهما في مذهبه ، فيقول : إنه رآه بقلبه وعينه . فأما اسم الله تعالى : النور ، فمعناه أنه هاد من ظلمات الجهالات ، كما أن النور المحسوس هاد في محسوس الظلمات . وقيل : معناه أنه منور السماوات والأرض وخالق الأنوار فيهما .




                                                                                              الخدمات العلمية