الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4418 (38) باب فضائل علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -

                                                                                              [ 2314 ] عن سعد بن أبي وقاص، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي: أنت مني بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي.

                                                                                              رواه أحمد ( 1 \ 185 )، والبخاري (3706)، ومسلم (2404) (30)، والترمذي (3724).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              (38) ومن باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

                                                                                              هو علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم ، ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويكنى: أبا الحسن، واسم أبي طالب: عبد مناف ، وقيل: اسمه كنيته، واسم [ ص: 269 ] هاشم عمرو ، وسمي هاشما؛ لأنه أول من هشم الثريد، وأم علي فاطمة بنت أسد بن هاشم ، وهي أول هاشمية ولدت لهاشمي، توفيت مسلمة قبل الهجرة، وقيل: إنها هاجرت، وكان علي أصغر ولد أبي طالب ، كان أصغر من جعفر بعشر سنين، وكان جعفر أصغر من عقيل بعشر سنين. وكان عقيل أصغر من طالب بعشر سنين. وروي عن سلمان وأبي ذر والمقداد وخباب وجابر وأبي سعيد الخدري وزيد بن أرقم : أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أول من أسلم - يعنون من الرجال - وإلا فقد اتفق الجمهور على أن أول من أسلم وأطاع النبي صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد ، وقد تقدم من قال: إن أول من أسلم أبو بكر رضي الله عنهم.

                                                                                              وقد روى أبو عمر بن عبد البر عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: " أولكم واردا على الحوض أولكم إسلاما: علي بن أبي طالب ". قيل: أسلم وهو ابن سبع سنين، وقيل: ابن ثمان. وقيل: ابن عشر. وقيل: ابن ثلاث عشرة. وقيل: ابن خمس عشرة. وقيل: ابن ثمان عشرة.

                                                                                              وروى سلمة بن كهيل عن حبة بن جوين العرني قال: سمعت عليا رضي الله عنه يقول: أنا أول من صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة خمس سنين.

                                                                                              وروي عن علي رضي الله عنه، أنه قال: مكثت مع رسول الله كذا وكذا، لا يصلي معه أحد غيري إلا خديجة .

                                                                                              وأجمعوا: على أنه رضي الله عنه صلى إلى القبلتين، وأنه شهد بدرا وأحدا، ومشاهد رسول الله صلى الله عليه وسلم كلها، إلا غزوة تبوك، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يتخلف في أهله، وقال له: " أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى؟ ". وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم سيدة نساء أهل الجنة، [ ص: 270 ] فاطمة ، وآخى بينه وبينه، وقال صلى الله عليه وسلم: " لا يحبه إلا مؤمن، ولا يبغضه إلا منافق ". وقال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: " إنه يحبه الله ورسوله، وإنه يحب الله ورسوله ".

                                                                                              وكان رضي الله عنه قد خص من العلم، والشجاعة، والحلم، والزهد، والورع، ومكارم الأخلاق ما لا يسعه كتاب، ولا يحويه حصر حساب. بويع له بالخلافة يوم مقتل عثمان ، واجتمع على بيعته أهل الحل والعقد من المهاجرين والأنصار ، إلا نفرا منهم، فلم يكرههم، وسئل عنهم فقال: أولئك قوم خذلوا الحق، ولم يعضدوا الباطل. وتخلف عن بيعته معاوية ومن معه من أهل الشام ، وجرت عند ذلك خطوب لا يمكن حصرها، والتحمت حروب لم يسمع في المسلمين بمثلها، ولم تزل ألويته منصورة عالية على الفئة الباغية إلى أن جرت قضية التحكيم، وخدع فيها ذو القلب السليم، وحينئذ خرجت الخوارج ، فكفروه وكل من معه، وقالوا: حكمت الرجال في دين الله، والله تعالى يقول: إن الحكم إلا لله [الأنعام: 57] ثم اجتمعوا وشقوا عصا المسلمين، ونصبوا راية الخلاف، وسفكوا الدماء، وقطعوا السبيل، فخرج إليهم علي بمن معه، ورام رجوعهم فأبوا إلا القتال، فقاتلهم بالنهروان ، فقتلهم واستأصل جميعهم، ولم ينج منهم إلا اليسير، وقد تقدم قوله صلى الله عليه وسلم: " يقتلهم أولى الطائفتين بالحق " ثم انتدب إليه رجل من بقايا الخوارج يقال له: عبد الرحمن بن ملجم . قال الزبير : كان من حمير فأصاب دماء فيهم، فلجأ إلى مراد ، فنسب إليهم، فدخل (على علي ) في [ ص: 271 ] مسجده بالكوفة . فقتله ليلة الجمعة، [وقيل: في صلاة صبحها]، وقيل: لإحدى عشرة ليلة خلت من رمضان. [وقيل: لثلاث عشرة. وقيل: لثمان عشرة. وقيل: في أول ليلة من العشر الآخر من رمضان] سنة أربعين. واختلف في موضع قبره اختلافا كثيرا يدل على عدم العلم به، وأنه مجهول. وكذلك اختلف في سنه يوم قتل. فقيل: ابن سبع وخمسين إلى خمس وستين سنة. وكانت مدة خلافته أربع سنين وستة أشهر، وستة أيام. وقيل: ثلاثة. وقيل: أربعة عشر يوما. فأخذ عبد الرحمن بن ملجم ، فقتل أشقى هذه الأمة. وكان علي رضي الله عنه إذا رآه يقول:


                                                                                              أريد حياته ويريد قتلي عذيرك من خليلك من مراد

                                                                                              وكان يقول: ما يمنع أشقاها، أو: ما ينتظر أشقاها أن يخضب هذه من هذا، والله ليخضبن هذه من دم هذا - ويشير إلى لحيته ورأسه - خضاب دم، لا خضاب حناء ولا عبير.

                                                                                              وقد روى النسائي وغيره من حديث عمار بن ياسر - رضي الله عنهما - عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه قال لعلي رضي الله عنه: " أشقى الناس الذي عقر الناقة، والذي يضربك على هذا - ووضع يده على رأسه - حتى يخضب هذه " يعني: لحيته.

                                                                                              وتأخر موته رضي الله عنه ولا رضي عن قاتله - عن ضربه نحو الثلاثة الأيام. جملة ما حفظ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسمائة حديث وسبعة وثلاثون حديثا، [ ص: 272 ] مثل أحاديث عمر - رضي الله عنهما - أخرج له منها في الصحيحين أربعة وأربعون حديثا.




                                                                                              الخدمات العلمية