الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4477 [ 2354 ] وعنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائه، فطارت القرعة على عائشة وحفصة، فخرجنا معه جميعا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة يتحدث معها، فقالت حفصة لعائشة : ألا تركبين الليلة بعيري وأركب بعيرك فتنظرين وأنظر؟ قالت: بلى، فركبت عائشة على بعير حفصة، وركبت حفصة على بعير عائشة، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جمل عائشة وعليه حفصة فسلم، ثم سار معها حتى نزلوا، فافتقدته عائشة فغارت، فلما نزلوا جعلت تجعل رجلها بين الإذخر وتقول: يا رب سلط علي عقربا أو حية تلدغني ! رسولك ولا أستطيع أن أقول له شيئا.

                                                                                              رواه أحمد ( 6 \ 114 )، والبخاري (5211)، ومسلم (2445)، وابن ماجه (1940) مختصرا.

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قولها: " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج أقرع بين نسائه ") تعني: إذا خرج إلى سفر، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مبالغة في تطييب قلوبهن إذ لم يكن القسم عليه واجبا على الخلاف المتقدم، وليست القرعة في هذا واجبة عند مالك ؛ لأنه قد يكون لبعض النساء من الغناء في السفر والمنفعة، والصلاحية ما لا يكون لغيرها. فتتعين الصالحة لذلك، ولأن من وقعت القرعة عليها لا تجبر على السفر مع الزوج إلى الغزو والتجارة، وما أشبه ذلك، وإنما القرعة بينهن من باب تحسين العشرة إذا أردن ذلك، وكن صالحات له، وقال أبو حنيفة بإيجاب القرعة في هذا، وهو أحد قولي الشافعي ومالك أخذا بظاهر هذا الحديث.

                                                                                              و (قولها: " وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان بالليل سار مع عائشة رضي الله عنها ") ظاهره: أنه لم يكن يقسم بين عائشة وحفصة في المسير والحديث، وأن ذلك كان مع عائشة دائما دون حفصة ، ولذلك تحيلت حفصة حتى سار وتحدث [ ص: 330 ] معها، فيحتمل أن هذا القدر [لا يجب القسم فيه، إذ الطريق ليس محل خلوة، ولا يحصل لها به اختصاص، ويحتمل أن يقال: إن القدر] الذي يقع به التسامح من السير والحديث مع إحداهما هو الشيء اليسير، كما يفعل في الحضر، فإنه يتحدث ويسأل وينظر في مصلحة بيت التي لا يكون في يومها، ولكن لا يكثر من ذلك، ولا يطيله، وعلى هذا فيكون النبي صلى الله عليه وسلم إنما أدام ذلك؛ لأن أصل القسم لم يكن عليه واجبا، والله أعلم.

                                                                                              ولم يختلف الفقهاء في أن الحاضرة لا تحاسب المسافرة فيما مضى لها مع زوجها في السفر، وكذلك لا يختلفون في: أنه يقسم بين الزوجات في السفر كما يقسم بينهن في الحضر. وقد ذكرنا الاحتمال الذي في السير والحديث، وقول حفصة لعائشة رضي الله عنهما: ألا تركبين بعيري، وأركب بعيرك فتنظرين وأنظر. حيلة منها تمت لها على عائشة لصغر سن عائشة ، وسلامة صدرها عن المكر والحيل، إذ لم تجرب الأمور بعد، ولا درك على حفصة فيما فعلت من جهة أنها أخذت حقا هو لعائشة ؛ لأن السير والحديث، إن لم يدخل في القسم فهي وعائشة فيه سواء، فأرادت حفصة أن يكون لها حظ من الحديث والسير معه، وإن كان ذلك واجبا فقد توصلت إلى ما كان لها، وإنما يكون عليها الدرك من حيث إنها خالفت مراد النبي صلى الله عليه وسلم في حديثه، فقد يريد أن يحدث عائشة حديثا يسر به إليها، أو يختص بها فتسمعه حفصة ، وهذا لا يجوز بالاتفاق، لكن حملها على اقتحام ذلك الغيرة التي تورث صاحبها الدهش والحيرة.

                                                                                              [ ص: 331 ] و (قول عائشة : " يا رب ! سلط علي عقربا يلدغني ") دعاء منها على نفسها بعقوبة لما لحقها من الندم على ما فعلت، ولما تم عليها من الحيلة، ولما حصل لها من الغيرة، وهو دعاء باللسان غير مراد بالقلب.

                                                                                              وقولها: " رسولك، ولا أستطيع أن أقول له شيئا ") ظاهره أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يعرف القصة، وإنما تمت لحفصة حيلتها عليها، والله أعلم، مع أنه يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم ذلك بالوحي أو بالقرائن، وتغافل عما جرى من ذلك، إذ لم يجر منهما شيء يترتب عليه حكم، ولا يتعلق به إثم، والله تعالى أعلم.

                                                                                              ورسولك: منصوب بإضمار فعل تقديره: انظر رسولك، ويجوز الرفع على الابتداء، وإضمار الخبر.




                                                                                              الخدمات العلمية