الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              751 [ 381 ] وعنها ، قالت : فقدت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليلة من الفراش ، فالتمسته ، فوقعت يدي على بطن قدميه وهو في المسجد وهما منصوبتان ، وهو يقول : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ، وأعوذ بك منك ، لا أحصي ثناء عليك ، أنت كما أثنيت على نفسك .

                                                                                              رواه أحمد (6 \ 201)، ومسلم (486)، وأبو داود (879)، وابن ماجه (3841) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله : اللهم إني أعوذ برضاك من سخطك ، وبمعافاتك من عقوبتك ... الحديث . اللهم هي : الله ، زيدت عليها الميم عوضا من حرف النداء ، ولذلك لا يجمع بينهما إلا في الشاذ ; في قوله :


                                                                                              وما عليك أن تقولي كلما سبحت أو هللت : يا اللهما



                                                                                              هذا قول جمهور النحويين . وقد قيل : معنى اللهم : يا الله ! آمنا بخير ، فأبدل من همزة آمنا ميما ، وأدغمت في ميم آمنا ، وهذا الحكم لا يشهد له دليل ولا صحيح تعليل .

                                                                                              قال القاضي - رحمه الله - : وسخطه ، ومعافاته ، وعقوبته من صفات أفعاله ، فاستعاذ من المكروه منهما إلى المحبوب ، ومن الشر إلى الخير .

                                                                                              قال الشيخ - رحمه الله - : ثم ترقى عن الأفعال إلى منشئ الأفعال ، فقال : وبك منك [ ص: 90 ] مشاهدة للحق ، وغيبة عن الخلق . وهذا محض المعرفة الذي لا يعبر عنه قول ، ولا تضبطه صفة .

                                                                                              وقوله : لا أحصي ثناء عليك ; أي : لا أطيقه ; أي : لا أنتهي إلى غايته ، ولا أحيط بمعرفته ; كما قال - صلى الله عليه وسلم - مخبرا عن حاله في المقام المحمود حين يخر تحت العرش للسجود ، قال : فأحمده بمحامد لا أقدر عليها ، إلا أن يلهمنيها الله . وروي عن مالك : لا أحصي نعمتك وإحسانك والثناء عليك ، وإن اجتهدت في ذلك . والأول أولى لما ذكرناه ; ولما جاء في نص الحديث نفسه : أنت كما أثنيت على نفسك . ومعنى ذلك : اعتراف بالعجز عن أداء وفهم ما يريده الله من الثناء على نفسه وبيان صمديته ، وقدوسيته ، وعظمته ، وكبريائه ، وجبروته ما لا ينتهى إلى عده ، ولا يوصل إلى حده ، ولا يحصله عقل ، ولا يحيط به فكر . وعند الانتهاء إلى هذا المقام انتهت معرفة الأنام ; ولذلك قال الصديق الأكبر : العجز عن درك الإدراك إدراك . وقال بعض العارفين في تسبيحه : سبحان من رضي في معرفته بالعجز عن معرفته .




                                                                                              الخدمات العلمية