الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              810 [ 414 ] وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي : كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى كل أحمر وأسود ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي ، وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ومسجدا ، فأيما رجل أدركته الصلاة صلى حيث كان ، ونصرت بالرعب بين يدي مسيرة شهر ، وأعطيت الشفاعة .

                                                                                              رواه أحمد (3 \ 304)، والبخاري (335)، ومسلم (521)، والنسائي (1 \ 210 - 211) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              وقوله في حديث جابر : أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي ، وفي حديث أبي هريرة : ستا ، وفي حديث حذيفة : ثلاثا ، لا يظن القاصد أن هذا تعارض ، وإنما يظن هذا من توهم أن ذكر الأعداد يدل على الحصر ، وأنها لها [ ص: 116 ] دليل خطاب ، وكل ذلك باطل ; فإن القائل : عندي خمسة دنانير - مثلا - لا يدل هذا اللفظ على أنه ليس عنده غيرها ، ويجوز له أن يقول تارة أخرى : عندي عشرون ، وتارة أخرى : عندي ثلاثون ; فإن من عنده ثلاثون صدق عليه أن عنده عشرين ، وعشرة ، فلا تناقض ، ولا تعارض . ويجوز أن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - أعلم في وقت بالثلاث ، وفي وقت بالخمس ، وفي وقت بالست ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              وقوله : وبعثت إلى الأحمر والأسود ; يعني : كافة الخلق ; كما قال تعالى : وما أرسلناك إلا كافة للناس [ سبأ : 28 ] والحمران : عنى بهم البيض ، وهم العجم ، والسودان : العرب ; لغلبة الأدمة عليهم ، وغيرهم لسوادهم .

                                                                                              وقوله : وجعلت لي الأرض طيبة طهورا ; يعني : في التيمم ، كما قد بينه في الحديث الآخر ، وهو حجة لمالك في التيمم بجميع أنواع الأرض ; فإن اسم الأرض يشملها . وكما أباح الصلاة على جميع أجزاء الأرض ، كذلك يجوز التيمم على جميع أجزائها ; لأن الأرض في هذا الحديث بالنسبة إلى الصلاة والتيمم واحدة . فكما تجوز الصلاة على جميع أجزائها ، كذلك يجوز التيمم على جميع أجزائها . ولا يظن أن قوله في حديث حذيفة : وجعلت تربتها لنا طهورا ; أن ذلك مخصص له ، فإن ذلك ذهول من قائله ; فإن التخصيص إخراج ما تناوله العموم على الحكم ، ولم يخرج هذا الخبر شيئا ، وإنما عين هذا الحديث واحدا مما تناوله الاسم الأول ، مع موافقته في الحكم ، وصار بمثابة قوله تعالى : فيهما فاكهة ونخل ورمان [ الرحمن :68 ] [ ص: 117 ] وقوله : من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال [ البقرة : 98 ] فعين بعض ما تناوله اللفظ الأول ، مع الموافقة في المعنى على جهة التشريف . وكذلك ذكر التراب في حديث حذيفة ، وإنما عينه لكونه أمكن وأغلب . فإن قيل : بل عينه ليبين أنه لا يجوز التيمم بغيره ، قلنا : لا نسلم ذلك ، بل هو أول المسألة ، ولئن سلمنا أنه يحتمل ذلك ، فيحتمل أيضا ما ذكرناه ، وليس أحد الاحتمالين أولى من الآخر ، فليلحق اللفظ بالمجملات ، فلا يكون لكم فيه حجة ، ويبقى مالك متمسكا باسم الصعيد ، واسم الأرض . وأيضا فإنا نقول بموجبه ; فإن تراب كل شيء بحسبه ، فيقال : تراب الزرنيخ ، وتراب السباخ .

                                                                                              وقوله : طهورا ; هذه البنية من أبنية المبالغة ; كقتول وضروب ، وكذلك قال في الماء . فقد سوى بين الأرض والماء في ذلك ، ويلزم منه أن التيمم يرفع الحدث ، وهو أحد القولين عن مالك ، وليس بالمشهور .

                                                                                              وطيبة : طاهرة . وكذلك قوله : فتيمموا صعيدا طيبا [ النساء :43 ] ; أي : طاهرا . وعلى هذا فلا يفهم من قوله : طهورا عين التطهير لغيرها ; إذ قد وصفها الله بالطهارة في نفسها ، ثم جعلها مطهرة لغيرها ، وهذا كما قال - عليه الصلاة والسلام - . وقد قيل له : أنتوضأ بماء البحر ؟ فقال - : هو الطهور ماؤه ; أي : الذي يطهركم من الحدث .

                                                                                              وقوله : ومسجدا ; أي : للصلاة . وهذا مما خص الله به نبيه - عليه الصلاة والسلام - ، وكانت الأنبياء قبله إنما أبيح لهم الصلاة في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس .

                                                                                              [ ص: 118 ] وقوله : وأحلت لي الغنائم : هذا من خصائصه عليه الصلاة والسلام ، وإنما كانت الغنائم قبله تجمع ثم تأتي نار من السماء فتأكلها . والرعب : الفزع . والشفاعة : الخاصة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - : هي الشفاعة لأهل الموقف ; كما تقدم .




                                                                                              الخدمات العلمية