الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب في الإجارة على رعاية الغنم، والحكم في ألبانها وأولادها وما ضاع منها أو ذبح

                                                                                                                                                                                        الإجارة على الرعاية جائزة، وهي على أربعة أوجه:

                                                                                                                                                                                        أحدها:
                                                                                                                                                                                        أن يقول له: أستأجرك على أن ترعى لي غنما ولا يسمي عدة.

                                                                                                                                                                                        والثاني: أن يسمي عدة ويعينها فيقول: ترعى لي هذه الغنم وهي مائة.

                                                                                                                                                                                        والثالث: أن يشترط عدة ولا يعينها.

                                                                                                                                                                                        والرابع: أن يسمي عدة معينة أو غير معينة ويشترط ألا يرعى معها غيرها، فإن قال: أستأجرك ترعى لي غنما ولم يسم عدة جاز، وحملا في ذلك على جميع منافعه، ولرب الغنم أن يأتيه من ذلك بما يقدر على رعايته، وهذا إذا كان المستأجر يعلم قدر رعاية مثله، ثم لا يكون للراعي أن يرعى معها غيرها، فإن فعل كان ما آجر به نفسه في الثانية للأول.

                                                                                                                                                                                        فإن قال: ترعى مائة معينة أو غير معينة كان للراعي أن يؤاجر نفسه في غيرها إذا كان لا يضر بالأول، وإن شرط عليه الأول أن لا يرعى معها غيرها كان شرطا جائزا وعليه أن يفي بذلك الشرط، فإن رعى معها غيرها كان في الإجارة الثانية قولان، فقال ابن [ ص: 4983 ] القاسم: هي للأول. ورأى أن الأول قد استحق جميع منافعه. وقال غيره: الإجارة للراعي إذا لم يدخل على الغنم مضرة.

                                                                                                                                                                                        وفي كلا القولين نظر فلا يصح أن يقال: هي للراعي; لأن الأول قد زاد في الأجرة احتياطا لغنمه فلا يبطل مقاله في تلك الزيادة. ولا يصح أن يقال: جميعها لصاحب الغنم; لأن الأجير يحط من الأجرة لمكان راحته ورعيه القليل، فلكل واحد منهما مقال.

                                                                                                                                                                                        وأرى أن يكون صاحب الغنم بالخيار بين ثلاثة أوجه: فإن أحب فسخ عن نفسه ما زاد لمكان الشرط، وإن أحب أخذ قيمة تلك الزيادة، وإن أحب أخذ ما باعها به.

                                                                                                                                                                                        فإن قيل: إجارته على الأولى بانفرادها عشرة وعلى أن يرعى الثانية معها ثمانية وكان المسمى اثني عشر، فسخ عن نفسه خمس المسمى لأنه أكثر، وإن كان المسمى أقل من عشرة أخذه بدينارين لأنه أكثر من خمس المسمى، وإن أحب أن يأخذ ما باعها به قيل: كم إجارة مثله في الثانية؟ فإن قيل: أربعة دنانير، كانت أجرة الثانية بينهما نصفين; لأن للأولى فيها ما قيمته ديناران. فإن آجر نفسه في الثانية بأكثر من أربعة أخذ نصفه وإن نقصت الأولى لمكان رعي الثانية معها، وإن أحب أن يأخذ نصف ما آجر به نفسه في الثانية لم يكن له أن يأخذ مع ذلك ما نقصها; [ ص: 4984 ] لأنه إذا أخذ ما آجر به نفسه كان قد أجاز فعله وسقط حكم التعدي، وإن أحب فسخ عن نفسه ما ينوب ذلك الشرط، أو يأخذ قيمة تلك الزيادة كان ذلك مع قيمة النقص.

                                                                                                                                                                                        وهذا ظاهر المذهب وليس بالقياس; لأنه إذا أخذ معها قيمة النقص صار كأنه أخذها سالمة وهو لم يكن يقدر أن يأخذها بعد شهر أو سنة سالمة إذا كان ذلك أمد الإجارة إلا بأن يرعى فلا يصح أن يأخذها سالمة من العيب بغير أجر.

                                                                                                                                                                                        وإن كان النقص كثيرا ضمن قيمتها يوم أخذ الأخرى معها، ويصح ها هنا أن يسترجع الأجرة أو يأخذ قيمتها بخلاف أن يكون النقص يسيرا فلا يغرم قيمتها.

                                                                                                                                                                                        وكذلك إن ترك الأجير الأولى فلم يرعها ورعى غيرها كان ربها بالخيار بين ثلاثة أوجه: بين أن يفسخ الإجارة عن نفسه، أو يأخذ قيمتها، أو ما آجر به نفسه، فإن أخذ ما آجر به نفسه وقد نقصت الأولى لم يضمنه النقص لأنه إذا أخذ ما آجر به نفسه صار مجيزا لفعله فسقط حكم التعدي.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية