الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        باب فيمن غاب عنه الساعي أعواما ، وقد زادت غنمه فيما بين ذلك أو نقصت

                                                                                                                                                                                        وإذا لم يأت السعاة لأخذ زكاة الماشية ، وعلم أنهم لا يأتون لفتنة عرضت أو لغير ذلك ، جاز عند مالك لأصحاب الماشية تأخيرها ، وإن أقامت أعواما حتى يأتوا لقبضها ، وقد تقدم ذلك وأن القياس أن تنفذ تلك الزكاة لمن سمى الله تعالى ، وجعل له فيها حقا ، قياسا على زكاة الحبوب والعين أنها تنفذ ولا يؤخر إخراجها لعدم المصدق ؛ ولأن الساعي وكيل عليها ليوصلها إلى الفقراء والمساكين ، وليس ذلك لحق له فيها وإنما هو واسطة لغيره ، فإذا عدم كان لمن له فيها حق أن يقوم بحقه ، ولا يمنع من حقه لعدم وكيله ، وعدم من يأخذها ليوصلها إليه .

                                                                                                                                                                                        وقد قال عبد الملك في كتاب محمد : إنه إذا أنفذها ، ثم أتى السعاة : إنها لا تجزئه ، وهذا ضعيف ، وقد اختلف إذا أخرجها قبل مجيء الساعي ولم يتخلف عنه ، ثم أتى وعلم أنه أخرجها ، هل تجزئه ؟ فهو إذا تخلف عنه أحرى أن تجزئه ، ولا خلاف فيمن لا سعاة لهم أنهم يقومون مقامهم فيها ، وينفذونها لأصحابها .

                                                                                                                                                                                        وإذا كانت لرجل أربعون شاة ، وتخلف عنه الساعي خمس سنين ثم أتاه وهي بحالها ، زكاها للعام الأول شاة ، ولا شيء عليه فيما بعد ذلك ، ولا خلاف [ ص: 1061 ] فيمن غاب عنه الساعي أنه يبتدئ بالعام الأول ، بخلاف من هرب بماشيته فارا من الزكاة ، فإنه قد اختلف فيه ، هل يبتدئ بأول عام فيزكيها شاة ، أو بآخر عام فيزكيها خمس شياه ؟ وإن كانت خمسا من الإبل كان فيها خمس شياه للأعوام الخمسة ؛ لأن زكاتها من غيرها ، فلم يتغير الفرض .

                                                                                                                                                                                        وإن كان فقيرا ولا يجد ما يزكي عنها إلا أن يبيع بعيرا منها ، فإنه يزكيها بخمس شياه . واختلف إذا كانت خمسا وعشرين من الإبل ، فقال ابن القاسم : فيها بنت مخاض عن العام الأول ، وست عشرة شاة عن الأربعة أعوام . وقال عبد الملك في المبسوط : إن لم يكن فيها بنت مخاض زكى عن خمسة أعوام خمس بنات مخاض ، وروي أنه إن كان فيها في العام الأول بنت مخاض وعزلها للمساكين ألا يكون عليه في الأعوام الأربعة إلا غنم ، ويكون فيها بنت مخاض إذا أتى الساعي وهي جذعة للمساكين وإن هلكت على المساكين ، فإن أبقى بنت المخاض لنفسه زكى عن خمس سنين خمس بنات مخاض ، فإن صار فيها بنت مخاض في الرابعة زكى أربع بنات مخاض ، وعن الخامسة أربع شياه ؛ إلا أن يكون أبقى بنت مخاض لنفسه . وكذلك إن كانت [ ص: 1062 ] خمس من الإبل ، وغاب عنه خمس سنين ، فالقياس أن يضمن الغنم وإن ضاعت الإبل ؛ لأن كل عام مضت زكاته في الذمة .

                                                                                                                                                                                        واختلف إذا باع غنمه قبل أن يأتيه الساعي ، فقال محمد : إذا تخلف الساعي خمس سنين وهي أربعون ، ثم باعها وهي أربعة وأربعون ، فإنه يزكي من الثمن إذا باع بأكثر من عشرين دينارا عن خمس سنين ، عن كل سنة ربع عشر الثمن . وإن كانت ثلاثا وأربعين زكى الثمن ربع عشره لأربع سنين ، وإن كانت اثنين وأربعين زكى عن ثلاث سنين ؛ إلا أن ينقص في ذلك كله من العشرين دينارا نصف دينار ، وقيل : يزكي الثمن لعام واحد .

                                                                                                                                                                                        وقال ابن القاسم في كتاب محمد : ولو أكلها لم تكن عليه زكاة . وقياس القول : أنه إذا أخرج زكاتها ولم يكن يتخلف الساعي أنها تجزئه ، أن تقول : عليه الزكاة لبعض السنين وإن أكلها .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية