الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية عشرة قوله تعالى : { حتى تغتسلوا } : وهو لفظ معلوم عند العرب يعبرون به عن إمرار الماء على المغسول باليد حتى يزول عنه ما كان منع منه ; عبادة أو عادة . وظن أصحاب الشافعي أن الغسل عبارة عن صب الماء خاصة لا سيما وقد فرقت العرب بين الغسل بالماء والغمس فيه . وفي الحديث الصحيح أن { النبي صلى الله عليه وسلم أتي بصبي لم يأكل الطعام فبال على ثوبه فأتبعه بماء ولم يغسله } . وهذا نص .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة عشرة : لما قال : { حتى تغتسلوا } اقتضى هذا عموم إمرار الماء على البدن كله باتفاق ; وهذا لا يتأتى إلا بالدلك ، وأعجب لأبي الفرج الذي رأى وحكى عن صاحب المذهب أن الغسل دون ذلك يجزي ; وما قال مالك قط نصا ولا تخريجا ، و إنما هي من أوهامه ; فإن اللفظ إذا كان غريبا لم يخرج عند مالك أو كان احتياطا لم يعدل عنه ، ولو صببت على نفسك الماء كثيرا ما عم حتى تمشي يدك ; لأن البدن بما فيه من دهنية يدفع الماء عن نفسه .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الرابعة عشرة : إذا عم المرء نفسه بالماء أجزأه إجماعا ، إلا أن الأفضل له أن يمتثل فعل النبي صلى الله عليه وسلم . وقد ثبت عنه من طرق في دواوين صحاح على السنة عدول قالوا : روت عائشة : [ ص: 559 ] { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه ، ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه ، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ، ثم يأخذ الماء فيدخل فيه أصابعه وفي أصول الشعر ، حتى إذا رأى أن قد أروى بشرته حفن على رأسه ثلاث حفنات ، ثم أفاض على سائر جسده ، ثم غسل رجليه } . وفي رواية ميمونة { ثم غسل جسده } . وروى أبو داود والترمذي عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { تحت كل شعرة جنابة ، فاغسلوا الشعر ، وأنقوا البشرة } . قال أبو داود : لم أدخل في كتابي إلا الحديث الصحيح ، أو ما يقرب من الصحيح .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الخامسة عشرة : لما قال الله سبحانه : { حتى تغتسلوا } وفهم الكل منه عموم البدن بالماء والغسل بالغ قوم منهم أبو حنيفة فقال : إن المضمضة والاستنشاق واجبان في غسل الجنابة ; لأنهما من جملة الوجه ، وحكمهما حكم ظاهر الوجه بدليل غسلهما من النجاسة ، كما يغسل الخد والجبين ; وهي مسألة خلاف كبيرة ، وقد بينا ما فيها . واللباب منها أن الفم والأنف باطنان حقيقة وحكما ; أما الحقيقة فإنك تشاهد بطونهما في أصل الخلقة ; وأما الحكم فمن وجهين : أحدهما : أن الصائم إذا بلع ما اجتمع من الريق في فمه فلا يفطر ، ولو ابتلعه من يده لأفطر . [ ص: 560 ]

                                                                                                                                                                                                              الثاني : أنهما لا يجبان في غسل الميت مع أنه يعم جميع البدن ، والمسألة هناك مستوفاة ، فمن أرادها وجدها .

                                                                                                                                                                                                              المسألة السادسة عشرة : إن اسم الجنابة باق عليه حتى يغتسل ; لأنه حكم مدة إلى غاية هي الاغتسال ، والحكم المعلق بالغاية يمتد إلى غايته ، وقد تكلمنا عليه في كتب المسائل .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية