الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              الآية الرابعة والخمسون :

                                                                                                                                                                                                              قوله تعالى : { ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة وإن تصلحوا وتتقوا فإن الله كان غفورا رحيما } . فيها ثلاث مسائل :

                                                                                                                                                                                                              المسألة الأولى : قال الأستاذ أبو بكر : في هذه الآية دليل على جواز تكليف ما لا يطاق ، فإن الله سبحانه كلف الرجال العدل بين النساء ، وأخبر أنهم لا يستطيعونه ، وهذا وهم عظيم ، فإن الذي كلفهم من ذلك هو العدل في الظاهر الذي دل عليه بقوله : { ذلك أدنى ألا تعولوا } . وهذا أمر مستطاع ، والذي أخبر عنهم أنهم لا يستطيعونه لم يكلفهم قط إياه ; وهو النسبة في ميل النفس ; ولهذا { كان النبي صلى الله عليه وسلم يعدل بين نسائه في القسم ، ويجد نفسه أميل إلى عائشة في الحب ، فيقول : اللهم هذه قدرتي فيما أملك ، فلا تسألني في الذي تملك ولا أملك } يعني قلبه ، والقاطع لذلك ، الحاسم لهذا الإشكال أن الله سبحانه قد أخبر بأنه رفع الحرج عنا في تكليف ما لا نستطيع فضلا ، وإن كان له أن يلزمنا إياه حقا وخلقا .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثانية : قال محمد بن سيرين : سألت عبيدة عن هذه الآية فقال : هو الحب والجماع . وصدق ; فإن ذلك لا يملكه أحد ; إذ قلبه بين إصبعين من أصابع الرحمن ، يصرفه [ ص: 635 ] كيف يشاء . وكذلك الجماع قد ينشط للواحدة ما لا ينشط للأخرى ، فإذا لم يكن ذلك بقصد منه فلا حرج عليه فيه ، فإنه مما لا يستطيعه فلم يتعلق به تكليف .

                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة : قوله تعالى : { فلا تميلوا كل الميل } : قال العلماء : أراد تعمد الإتيان ، وذلك فيما يملكه وجعل إليه ، من حسن العشرة والقسم والنفقة ونحوه من أحكام النكاح .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية