كتاب الوقف [ ص: 27 ] عن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } رواه الجماعة إلا إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة أشياء : صدقة جارية ، أو علم ينتفع به ، أو ولد صالح يدعو له البخاري ) . وابن ماجه
2505 - ( وعن : { ابن عمر أصاب أرضا من أرض عمر خيبر ، فقال : يا رسول الله أصبت أرضا بخيبر لم أصب مالا قط أنفس عندي منه فما تأمرني ؟ فقال صلى الله عليه وسلم : إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها ، فتصدق بها على أن لا تباع ولا توهب ولا تورث ، في الفقراء وذوي القربى والرقاب والضيف وابن السبيل ، لا جناح على من وليها أن يأكل منها بالمعروف ، ويطعم غير متمول وفي لفظ : غير متأثل مالا عمر } . رواه الجماعة وفي حديث أن عمرو بن دينار قال في صدقة : ليس على الولي جناح أن يأكل ويؤكل صديقا له غير متأثل ، قال : وكان عمر هو يلي صدقة ابن عمر ، ويهدي لناس من أهل عمر مكة كان ينزل عليهم أخرجه ، وفيه من الفقه : أن من وقف شيئا على صنف من الناس وولده منهم دخل فيه ) [ ص: 28 ] البخاري
2506 - ( وعن عثمان : { المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومة ، فقال : من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة ؟ فاشتريتها من صلب مالي } رواه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم النسائي والترمذي وقال : حديث حسن وفيه جواز انتفاع الواقف بوقفه العام ) .
كتاب الوقف
التالي
السابق
حديث عثمان أخرجه أيضا تعليقا قوله : ( إلا من ثلاثة أشياء ) فيه دليل على أن ثواب هذه الثلاثة لا ينقطع بالموت قال العلماء : معنى الحديث أن البخاري ينقطع بموته وينقطع تجدد الثواب له إلا في هذه الأشياء الثلاثة لكونه كاسبها ، فإن الولد من كسبه ، وكذا ما يخلفه من العلم كالتصنيف والتعليم ، وكذا الصدقة الجارية وهي الوقف . عمل الميت
وفيه الإرشاد إلى وهذا الحديث قد قدمنا الكلام عليه وعلى ما ورد مورده في باب وصول ثواب القراءة المهداة إلى الموتى من كتاب الجنائز ، قوله : ( أرضا فضيلة الصدقة الجارية والعلم الذي يبقى بعد موت صاحبه ، والتزوج الذي هو سبب حدوث الأولاد بخيبر ) هي المسماة بثمغ كما في رواية للبخاري ، وأحمد وثمغ بفتح المثلثة والميم ، وقيل : بسكون الميم وبعدها غين معجمة قوله : ( أنفس منه ) النفيس : الجيد . قال الداودي : سمي نفيسا لأنه يأخذ بالنفس قوله : ( وتصدقت بها ) أي بمنفعتها ، وفي رواية : " حبس أصلها وسبل ثمرتها " وفي أخرى له " تصدق بثمره وحبس أصله " . للبخاري
( قوله ولا يورث ) زاد : " حبيس ما دامت السموات والأرض " وفي رواية الدارقطني : " تصدق بثمره وحبس أصله لا يباع ولا يورث " قال الحافظ : وهذا ظاهر أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، بخلاف بقية الروايات فإن الشرط فيها ظاهر أنه من كلام للبيهقي وفي عمر بلفظ : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { البخاري } وفي تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره أيضا في المزارعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم البخاري لعمر : { } فهذا صريح أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا منافاة لأنه يمكن الجمع بأن تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق ثمره فتتصدق به شرط ذلك الشرط بعد أن أمره النبي صلى الله عليه وسلم به ، فمن الرواة من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من وقفه على عمر لوقوعه منه امتثالا للأمر الواقع منه صلى الله عليه وسلم به قوله : ( وذوي القربى ) قال في الفتح : يحتمل أن يكون المراد من ذكر في الخمس ويحتمل أن المراد بهم قربى الواقف ، وبهذا جزم عمر قوله : ( والضيف ) هو من نزل بقوم يريد القربى . القرطبي
قوله : ( أن يأكل منها بالمعروف ) قيل : المعروف هنا هو ما ذكر في ولي اليتيم ، وقد تقدم الكلام على ذلك [ ص: 29 ] في باب ما يحل لولي اليتيم من كتاب التفليس قال : جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الواقف حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل لاستقبح ذلك منه والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة . وقيل : القدر الذي يدفع الشهوة . وقيل : المراد أن يأخذ منه بقدر عمله والأول أولى كذا في الفتح قوله : ( غير متمول ) أي غير متخذ منها مالا : أي ملكا القرطبي
قال الحافظ : والمراد أنه لا يتملك شيئا من رقابها قوله : ( غير متأثل ) بمثناة ثم مثلثة بينهما همزة ، وهو اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم ، وأثلة كل شيء : أصله قوله : ( قال في صدقة ) أي : في روايته لها عن عمر كما جزم بذلك ابن عمر المزي في الأطراف ورواه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن قوله : ( وكان ابن عمر ) هو موصول الإسناد كما في رواية ابن عمر الإسماعيلي قوله : ( لناس ) بين الإسماعيلي أنهم آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص ، وإنما كان يهدي منه أخذا بالشرط المذكور وهو : ويؤكل صديقا له ويحتمل أن يكون إنما أطعمهم من نصيبه الذي جعل له أن يأكل منه بالمعروف ، فكان يؤخره ليهدي لأصحابه منه قال في الفتح : وحديث ابن عمر هذا أصل في عمر مشروعية الوقف
وقد روى عن أحمد قال : أول صدقة - أي موقوفة - كانت في الإسلام صدقة ابن عمر وروى عمر { عمر بن شبة عن عمرو بن سعد بن معاذ قال : سألنا عن أول حبس في الإسلام ، فقال المهاجرون : صدقة ، وقال عمر الأنصار : صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، } وفي إسناده وفي مغازي الواقدي أن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي الواقدي مخيريق بالمعجمة مصغرا التي أوصي بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوقفها وقد ذهب إلى جواز الوقف ولزومه جمهور العلماء قال الترمذي : لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأرضين وجاء عن أنه أنكر الحبس وقال شريح : لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا أبو حنيفة زفر
وقد حكى عن الطحاوي أنه قال : لو بلغ أبي يوسف لقال به واحتج أبا حنيفة الطحاوي بأن قوله صلى الله عليه وسلم " حبس أصلها " لا يستلزم التأبيد ، بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره قال في الفتح : ولا يخفى ضعف هذا التأويل ، ولا يفهم من قوله : " وقفت وحبست " إلا التأبيد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه ، وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها : " حبس ما دامت السموات والأرض " قال لأبي حنيفة : راد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه انتهى القرطبي
ومما يؤيد هنا ما ذهب إليه الجمهور حديث : { فقد حبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله خالد } وهو متفق عليه وقد تقدم في الزكاة ومن ذلك حديث أما المذكور في أول الباب ، فإن قوله : " صدقة جارية " يشعر بأن الوقف يلزم ولا يجوز نقضه ، [ ص: 30 ] ولو جاز النقض لكان الوقف صدقة منقطعة ، وقد وصفه في الحديث بعدم الانقطاع ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يباع ولا يوهب ولا يورث " كما تقدم ، فإن هذا منه صلى الله عليه وسلم بيان لماهية التحبيس التي أمر بها أبي هريرة ، وذلك يستلزم لزوم الوقف وعدم جواز نقضه ، وإلا لما كان تحبيسا ، والمفروض أنه تحبيس ، ومن ذلك حديث عمر عند أبي قتادة النسائي وابن ماجه مرفوعا : { وابن حبان } والجري يستلزم عدم جواز النقض من الغير ، ومن ذلك وقف خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاث : ولد صالح يدعو له ، وصدقة تجري يبلغه أجرها ، وعلم يعمل به من بعده الآتي وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له : { أبي طلحة } وما روي من حديث أرى أن تجعلها في الأقربين عند الجماعة : " أن أنس باع نصيبه منه " فمع كون فعله ليس بحجة قد روي أنه أنكر عليه ومن ذلك وقف جماعة من الصحابة منهم حسان علي وأبو بكر والزبير وسعيد وعمرو بن العاص وحكيم بن حزام وأنس ، روى ذلك كله وزيد بن ثابت ومنه أيضا وقف البيهقي لبئر رومة عثمان
كما في حديث الباب واحتج ومن معه بما أخرجه لأبي حنيفة في الشعب من حديث البيهقي { ابن عباس } ويجاب عنه بأن في إسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت آية الفرائض : لا حبس بعد سورة النساء ولا يحتج بمثله ابن لهيعة
ويجاب أيضا بأن المراد بالحبس المذكور : توقيف المال عن وارثه وعدم إطلاقه إلى يده وقد أشار إلى مثل ذلك في النهاية وقال في البحر : أراد حبس الجاهلية للسائبة والوصيلة والحام سلمنا فليس في آية الميراث منع الوقف لافتراقهما انتهى وأيضا لو فرض أن المراد بحديث الحبس الشامل للوقف لكونه نكرة في سياق النفي لكان مخصصا بالأحاديث المذكورة في الباب ابن عباس
واحتج لهم أيضا على عدم لزوم حكم الوقف بما رواه الطحاوي عن وابن عبد البر الزهري : ( أن قال : لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها ) وهو يشعر بأن الوقف لا يمتنع الرجوع عنه ، وأن الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم ، فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره ، ويجاب عنه بأنه لا حجة في أقوال الصحابة وأفعالهم إلا إذا وقع الإجماع منهم ولم يقع ههنا وأيضا الأثر منقطع ، لأن عمر الزهري لم يدرك فالحق أن الوقف من القربات التي لا يجوز نقضها بعد فعلها لا للواقف ولا لغيره وقد حكي في البحر عن عمر محمد أن وابن أبي ليلى ، وإلا فللواقف الرجوع لأنه صدقة ومن شرطها القبض ، ويجاب بأنه بعد التحبيس قد تعذر الرجوع ، وإلحاقه بالصدقة إلحاق مع الفارق قوله : ( من يشتري بئر رومة ) بضم الراء وسكون الواو الوقف لا ينفذ إلا بعد القبض
وفي رواية للبغوي في الصحابة من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه : { بني غفار عين يقال لها : رومة ، وكان يبيع منها القربة بمد ، فقال له النبي [ ص: 31 ] صلى الله عليه وسلم : تبيعنيها بعين في الجنة ؟ فقال : يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها ، فبلغ ذلك عثمان ، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتجعل لي ما جعلت له ؟ قال : نعم ، قد جعلتها للمسلمين } أنها كانت لرجل من من طريق وللنسائي الأحنف عن قال : " اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك " وزاد أيضا في رواية من هذه الطريق أن عثمان قال ذلك وهو محصور وصدقه جماعة منهم عثمان عليه السلام علي بن أبي طالب وطلحة والزبير قوله : ( فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين ) فيه دليل على أنه يجوز للواقف أن يجعل لنفسه نصيبا من الوقف وسعد بن أبي وقاص
ويؤيده جعل لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف ، وظاهره عدم الفرق بين أن يكون هو الناظر أو غيره قال في الفتح : ويستنبط منه صحة عمر ، وهو قول الوقف على النفس ابن أبي ليلى وأبي يوسف في الأرجح عنه ، وقال به وأحمد من المالكية ، وجمهورهم على المنع إلا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته ومن الشافعية ابن شعبان ابن سريج وطائفة وصنف فيه شيخ محمد بن عبد الله الأنصاري جزءا ضخما واستدل له بقصة البخاري هذه ، وبقصة راكب البدنة ، وبحديث عمر في { أنس صفية وجعل عتقها صداقها } أنه صلى الله عليه وسلم أعتق
ووجه الاستدلال به أنه أخرجها عن ملكه بالعتق وردها إليه بالشرط ا هـ وقد حكي في البحر جواز الوقف على النفس عن العترة وابن شبرمة والزبيري وابن الصباغ وعن الشافعي ومحمد والناصر أنه لا يصح الوقف على النفس ، قالوا : لأنه تمليك فلا يصح أن يتملكه لنفسه من نفسه كالبيع والهبة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " سبل الثمرة " وتسبيل الثمرة : تمليكها للغير قال في الفتح : وتعقب بأن امتناع ذلك غير مستحيل ، ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم الفائدة ، والفائدة في الوقف حاصلة لأن استحقاقه إياه ملكا غير استحقاقه إياه وقفا ا هـ
ويؤيد صحة الوقف على النفس حديث { } أخرجه الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : عندي دينار ، فقال : تصدق به على نفسك أبو داود ، وأيضا المقصود من الوقف تحصيل القربة وهي حاصلة بالصرف إلى النفس والنسائي
وفيه الإرشاد إلى وهذا الحديث قد قدمنا الكلام عليه وعلى ما ورد مورده في باب وصول ثواب القراءة المهداة إلى الموتى من كتاب الجنائز ، قوله : ( أرضا فضيلة الصدقة الجارية والعلم الذي يبقى بعد موت صاحبه ، والتزوج الذي هو سبب حدوث الأولاد بخيبر ) هي المسماة بثمغ كما في رواية للبخاري ، وأحمد وثمغ بفتح المثلثة والميم ، وقيل : بسكون الميم وبعدها غين معجمة قوله : ( أنفس منه ) النفيس : الجيد . قال الداودي : سمي نفيسا لأنه يأخذ بالنفس قوله : ( وتصدقت بها ) أي بمنفعتها ، وفي رواية : " حبس أصلها وسبل ثمرتها " وفي أخرى له " تصدق بثمره وحبس أصله " . للبخاري
( قوله ولا يورث ) زاد : " حبيس ما دامت السموات والأرض " وفي رواية الدارقطني : " تصدق بثمره وحبس أصله لا يباع ولا يورث " قال الحافظ : وهذا ظاهر أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، بخلاف بقية الروايات فإن الشرط فيها ظاهر أنه من كلام للبيهقي وفي عمر بلفظ : فقال النبي صلى الله عليه وسلم : { البخاري } وفي تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولا يورث ولكن ينفق ثمره أيضا في المزارعة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم البخاري لعمر : { } فهذا صريح أن الشرط من كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، ولا منافاة لأنه يمكن الجمع بأن تصدق بأصله لا يباع ولا يوهب ولكن ينفق ثمره فتتصدق به شرط ذلك الشرط بعد أن أمره النبي صلى الله عليه وسلم به ، فمن الرواة من رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، ومنهم من وقفه على عمر لوقوعه منه امتثالا للأمر الواقع منه صلى الله عليه وسلم به قوله : ( وذوي القربى ) قال في الفتح : يحتمل أن يكون المراد من ذكر في الخمس ويحتمل أن المراد بهم قربى الواقف ، وبهذا جزم عمر قوله : ( والضيف ) هو من نزل بقوم يريد القربى . القرطبي
قوله : ( أن يأكل منها بالمعروف ) قيل : المعروف هنا هو ما ذكر في ولي اليتيم ، وقد تقدم الكلام على ذلك [ ص: 29 ] في باب ما يحل لولي اليتيم من كتاب التفليس قال : جرت العادة بأن العامل يأكل من ثمرة الواقف حتى لو اشترط الواقف أن العامل لا يأكل لاستقبح ذلك منه والمراد بالمعروف القدر الذي جرت به العادة . وقيل : القدر الذي يدفع الشهوة . وقيل : المراد أن يأخذ منه بقدر عمله والأول أولى كذا في الفتح قوله : ( غير متمول ) أي غير متخذ منها مالا : أي ملكا القرطبي
قال الحافظ : والمراد أنه لا يتملك شيئا من رقابها قوله : ( غير متأثل ) بمثناة ثم مثلثة بينهما همزة ، وهو اتخاذ أصل المال حتى كأنه عنده قديم ، وأثلة كل شيء : أصله قوله : ( قال في صدقة ) أي : في روايته لها عن عمر كما جزم بذلك ابن عمر المزي في الأطراف ورواه الإسماعيلي من طريق ابن أبي عمر عن سفيان عن عمرو بن دينار عن قوله : ( وكان ابن عمر ) هو موصول الإسناد كما في رواية ابن عمر الإسماعيلي قوله : ( لناس ) بين الإسماعيلي أنهم آل عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العاص ، وإنما كان يهدي منه أخذا بالشرط المذكور وهو : ويؤكل صديقا له ويحتمل أن يكون إنما أطعمهم من نصيبه الذي جعل له أن يأكل منه بالمعروف ، فكان يؤخره ليهدي لأصحابه منه قال في الفتح : وحديث ابن عمر هذا أصل في عمر مشروعية الوقف
وقد روى عن أحمد قال : أول صدقة - أي موقوفة - كانت في الإسلام صدقة ابن عمر وروى عمر { عمر بن شبة عن عمرو بن سعد بن معاذ قال : سألنا عن أول حبس في الإسلام ، فقال المهاجرون : صدقة ، وقال عمر الأنصار : صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، } وفي إسناده وفي مغازي الواقدي أن أول صدقة موقوفة كانت في الإسلام أراضي الواقدي مخيريق بالمعجمة مصغرا التي أوصي بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوقفها وقد ذهب إلى جواز الوقف ولزومه جمهور العلماء قال الترمذي : لا نعلم بين الصحابة والمتقدمين من أهل العلم خلافا في جواز وقف الأرضين وجاء عن أنه أنكر الحبس وقال شريح : لا يلزم وخالفه جميع أصحابه إلا أبو حنيفة زفر
وقد حكى عن الطحاوي أنه قال : لو بلغ أبي يوسف لقال به واحتج أبا حنيفة الطحاوي بأن قوله صلى الله عليه وسلم " حبس أصلها " لا يستلزم التأبيد ، بل يحتمل أن يكون أراد مدة اختياره قال في الفتح : ولا يخفى ضعف هذا التأويل ، ولا يفهم من قوله : " وقفت وحبست " إلا التأبيد حتى يصرح بالشرط عند من يذهب إليه ، وكأنه لم يقف على الرواية التي فيها : " حبس ما دامت السموات والأرض " قال لأبي حنيفة : راد الوقف مخالف للإجماع فلا يلتفت إليه انتهى القرطبي
ومما يؤيد هنا ما ذهب إليه الجمهور حديث : { فقد حبس أدراعه وأعتاده في سبيل الله خالد } وهو متفق عليه وقد تقدم في الزكاة ومن ذلك حديث أما المذكور في أول الباب ، فإن قوله : " صدقة جارية " يشعر بأن الوقف يلزم ولا يجوز نقضه ، [ ص: 30 ] ولو جاز النقض لكان الوقف صدقة منقطعة ، وقد وصفه في الحديث بعدم الانقطاع ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " لا يباع ولا يوهب ولا يورث " كما تقدم ، فإن هذا منه صلى الله عليه وسلم بيان لماهية التحبيس التي أمر بها أبي هريرة ، وذلك يستلزم لزوم الوقف وعدم جواز نقضه ، وإلا لما كان تحبيسا ، والمفروض أنه تحبيس ، ومن ذلك حديث عمر عند أبي قتادة النسائي وابن ماجه مرفوعا : { وابن حبان } والجري يستلزم عدم جواز النقض من الغير ، ومن ذلك وقف خير ما يخلفه الرجل بعده ثلاث : ولد صالح يدعو له ، وصدقة تجري يبلغه أجرها ، وعلم يعمل به من بعده الآتي وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم له : { أبي طلحة } وما روي من حديث أرى أن تجعلها في الأقربين عند الجماعة : " أن أنس باع نصيبه منه " فمع كون فعله ليس بحجة قد روي أنه أنكر عليه ومن ذلك وقف جماعة من الصحابة منهم حسان علي وأبو بكر والزبير وسعيد وعمرو بن العاص وحكيم بن حزام وأنس ، روى ذلك كله وزيد بن ثابت ومنه أيضا وقف البيهقي لبئر رومة عثمان
كما في حديث الباب واحتج ومن معه بما أخرجه لأبي حنيفة في الشعب من حديث البيهقي { ابن عباس } ويجاب عنه بأن في إسناده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لما نزلت آية الفرائض : لا حبس بعد سورة النساء ولا يحتج بمثله ابن لهيعة
ويجاب أيضا بأن المراد بالحبس المذكور : توقيف المال عن وارثه وعدم إطلاقه إلى يده وقد أشار إلى مثل ذلك في النهاية وقال في البحر : أراد حبس الجاهلية للسائبة والوصيلة والحام سلمنا فليس في آية الميراث منع الوقف لافتراقهما انتهى وأيضا لو فرض أن المراد بحديث الحبس الشامل للوقف لكونه نكرة في سياق النفي لكان مخصصا بالأحاديث المذكورة في الباب ابن عباس
واحتج لهم أيضا على عدم لزوم حكم الوقف بما رواه الطحاوي عن وابن عبد البر الزهري : ( أن قال : لولا أني ذكرت صدقتي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لرددتها ) وهو يشعر بأن الوقف لا يمتنع الرجوع عنه ، وأن الذي منع عمر من الرجوع كونه ذكره للنبي صلى الله عليه وسلم ، فكره أن يفارقه على أمر ثم يخالفه إلى غيره ، ويجاب عنه بأنه لا حجة في أقوال الصحابة وأفعالهم إلا إذا وقع الإجماع منهم ولم يقع ههنا وأيضا الأثر منقطع ، لأن عمر الزهري لم يدرك فالحق أن الوقف من القربات التي لا يجوز نقضها بعد فعلها لا للواقف ولا لغيره وقد حكي في البحر عن عمر محمد أن وابن أبي ليلى ، وإلا فللواقف الرجوع لأنه صدقة ومن شرطها القبض ، ويجاب بأنه بعد التحبيس قد تعذر الرجوع ، وإلحاقه بالصدقة إلحاق مع الفارق قوله : ( من يشتري بئر رومة ) بضم الراء وسكون الواو الوقف لا ينفذ إلا بعد القبض
وفي رواية للبغوي في الصحابة من طريق بشر بن بشير الأسلمي عن أبيه : { بني غفار عين يقال لها : رومة ، وكان يبيع منها القربة بمد ، فقال له النبي [ ص: 31 ] صلى الله عليه وسلم : تبيعنيها بعين في الجنة ؟ فقال : يا رسول الله ليس لي ولا لعيالي غيرها ، فبلغ ذلك عثمان ، فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم ، ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : أتجعل لي ما جعلت له ؟ قال : نعم ، قد جعلتها للمسلمين } أنها كانت لرجل من من طريق وللنسائي الأحنف عن قال : " اجعلها سقاية للمسلمين وأجرها لك " وزاد أيضا في رواية من هذه الطريق أن عثمان قال ذلك وهو محصور وصدقه جماعة منهم عثمان عليه السلام علي بن أبي طالب وطلحة والزبير قوله : ( فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين ) فيه دليل على أنه يجوز للواقف أن يجعل لنفسه نصيبا من الوقف وسعد بن أبي وقاص
ويؤيده جعل لمن ولي وقفه أن يأكل منه بالمعروف ، وظاهره عدم الفرق بين أن يكون هو الناظر أو غيره قال في الفتح : ويستنبط منه صحة عمر ، وهو قول الوقف على النفس ابن أبي ليلى وأبي يوسف في الأرجح عنه ، وقال به وأحمد من المالكية ، وجمهورهم على المنع إلا إذا استثنى لنفسه شيئا يسيرا بحيث لا يتهم أنه قصد حرمان ورثته ومن الشافعية ابن شعبان ابن سريج وطائفة وصنف فيه شيخ محمد بن عبد الله الأنصاري جزءا ضخما واستدل له بقصة البخاري هذه ، وبقصة راكب البدنة ، وبحديث عمر في { أنس صفية وجعل عتقها صداقها } أنه صلى الله عليه وسلم أعتق
ووجه الاستدلال به أنه أخرجها عن ملكه بالعتق وردها إليه بالشرط ا هـ وقد حكي في البحر جواز الوقف على النفس عن العترة وابن شبرمة والزبيري وابن الصباغ وعن الشافعي ومحمد والناصر أنه لا يصح الوقف على النفس ، قالوا : لأنه تمليك فلا يصح أن يتملكه لنفسه من نفسه كالبيع والهبة ، ولقوله صلى الله عليه وسلم : " سبل الثمرة " وتسبيل الثمرة : تمليكها للغير قال في الفتح : وتعقب بأن امتناع ذلك غير مستحيل ، ومنعه تمليكه لنفسه إنما هو لعدم الفائدة ، والفائدة في الوقف حاصلة لأن استحقاقه إياه ملكا غير استحقاقه إياه وقفا ا هـ
ويؤيد صحة الوقف على النفس حديث { } أخرجه الرجل الذي قال للنبي صلى الله عليه وسلم : عندي دينار ، فقال : تصدق به على نفسك أبو داود ، وأيضا المقصود من الوقف تحصيل القربة وهي حاصلة بالصرف إلى النفس والنسائي