الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                                            2814 - ( وعن أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أيما امرأة ماتت وزوجها راض عنها دخلت الجنة } رواه ابن ماجه والترمذي وقال : حديث حسن غريب ) .

                                                                                                                                            2815 - ( وعن أبي هريرة قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها ، لعنتها الملائكة حتى تصبح } متفق عليه ) .

                                                                                                                                            2816 - ( وعن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها } رواه الترمذي وقال : حديث حسن ) .

                                                                                                                                            2817 - ( وعن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لا يصلح لبشر أن يسجد لبشر ، ولو صلح لبشر أن يسجد لبشر لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها من عظم حقه عليها ، والذي نفسي بيده لو كان من قدمه إلى مفرق رأسه قرحة تنبجس بالقيح والصديد ثم استقبلته تلحسه ما أدت حقه } رواه أحمد ) .

                                                                                                                                            2818 - ( وعن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { لو أمرت أحدا أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ; ولو أن رجلا أمر امرأته أن تنقل من جبل أحمر إلى جبل أسود ، ومن جبل أسود إلى جبل أحمر ، لكان نولها أن تفعل } رواه أحمد وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            [ ص: 247 ] وعن عبد الله بن أبي أوفى قال : { لما قدم معاذ من الشام سجد للنبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : ما هذا يا معاذ ؟ قال : أتيت الشام فوافيتهم يسجدون لأساقفتهم وبطارقتهم فوددت في نفسي أن أفعل ذلك لك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : فلا تفعلوا ، فإني لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لغير الله لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها ، والذي نفس محمد بيده لا تؤدي المرأة حق ربها حتى تؤدي حق زوجها ، ولو سألها نفسها وهي على قتب لم تمنعه } رواه أحمد وابن ماجه ) .

                                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                                            حديث أم سلمة ذكر المصنف أن الترمذي قال فيه : حديث حسن غريب ، والذي وقفنا عليه في نسخة صحيحة : هذا حديث غريب ، وقد صححه الحاكم وأقره الذهبي ، واللفظ الذي ذكره المصنف هو في الترمذي بعد الحديث الذي قبل هذا ، وهو حديث طلق بن علي قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إذا الرجل دعا زوجته لحاجته فلتأته وإن كانت على التنور } قال الترمذي : هذا حديث حسن غريب .

                                                                                                                                            وحديث أبي هريرة الثاني ذكر المصنف أن الترمذي حسنه ، والذي وجدناه في نسخة صحيحة ما لفظه : قال أبو عيسى : حديث أبي هريرة حديث غريب من هذا الوجه من حديث محمد بن عمرو عن أبي سلمة عن أبي هريرة ، انتهى .

                                                                                                                                            وحديث أنس وعائشة وعبد الله بن أبي أوفى أشار إليها الترمذي لأنه قال في جامعه بعد إخراج حديث أبي هريرة المذكور ما لفظه وفي الباب عن معاذ بن جبل وسراقة بن مالك بن جعشم وعائشة وابن عباس وعبد الله بن أبي أوفى وطلق بن علي وأسامة بن زيد وأنس وابن عمر ، انتهى .

                                                                                                                                            وقد روى حديث أبي هريرة المذكور البزار بإسناد فيه سليمان بن داود اليمامي وهو ضعيف . وروى البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح عن أبي سعيد مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال : { حق الزوج على زوجته لو كانت به قرحة فلحستها أو أنتن منخراه صديدا أو دما ثم ابتلعته ما أدت حقه } وأخرج مثل هذا اللفظ البزار من حديث أبي هريرة . وأخرج قصة معاذ المذكورة في الباب البزار بإسناد رجاله رجال الصحيح . وأخرجها أيضا البزار والطبراني بإسناد آخر ، وفيه النهاس بن قهم وهو ضعيف . وأخرجها أيضا البزار والطبراني بإسناد آخر رجاله ثقات ، وقصة السجود ثابتة من حديث ابن عباس عند البزار ومن حديث سراقة عند الطبراني ، ومن حديث عائشة عند أحمد وابن ماجه ، ومن حديث عصمة عند الطبراني وعن غير هؤلاء ، وحديث عائشة الذي ذكره المصنف ساقه ابن ماجه بإسناد فيه علي بن زيد بن جدعان وفيه مقال ، وبقية إسناده من رجال الصحيح . وحديث عبد الله بن أبي أوفى [ ص: 248 ] ساقه ابن ماجه بإسناد صالح ، فإن أزهر بن مروان والقاسم الشيباني صدوقان

                                                                                                                                            ، فهذه أحاديث في أنه لو صلح السجود لبشر لأمرت به الزوجة لزوجها يشهد بعضها لبعض ويقوي بعضها بعضا .

                                                                                                                                            ويؤيد أحاديث الباب ما أخرجه أبو داود عن قيس بن سعد قال : { أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم ، فقلت : رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن يسجد له ، قال : فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : إني أتيت الحيرة فرأيتهم يسجدون لمرزبان لهم فأنت يا رسول الله أحق أن يسجد لك ، قال : أرأيت لو مررت بقبري أكنت تسجد له ؟ قال : قلت : لا ، قال : فلا تفعلوا لو كنت آمرا أحدا أن يسجد لأحد لأمرت النساء أن يسجدن لأزواجهن لما جعل الله لهم عليهن من الحق } وفي إسناده شريك بن عبد الله القاضي ، وقد تكلم فيه غير واحد ، وأخرج له مسلم في المتابعات .

                                                                                                                                            قوله : ( دخلت الجنة ) فيه الترغيب العظيم إلى طاعة الزوج وطلب مرضاته وأنها موجبة للجنة . قوله : ( إذا دعا الرجل امرأته إلى فراشه ) قال ابن أبي حمزة : الظاهر أن الفراش كناية عن الجماع ويقويه قوله : { الولد للفراش } أي لمن يطأ في الفراش ، والكناية عن الأشياء التي يستحيا منها كثيرة في القرآن والسنة .

                                                                                                                                            قال : وظاهر الحديث اختصاص اللعن بما إذا وقع منها ذلك ليلا لقوله : " حتى تصبح " وكأن السر فيه تأكيد ذلك لا أنه يجوز لها الامتناع في النهار ، وإنما خص الليل بالذكر لأنه المظنة لذلك . قال في الفتح : وقد وقع في رواية يزيد بن كيسان عن أبي حازم عند مسلم بلفظ : { والذي نفسي بيده ما من رجل يدعو امرأته إلى فراشه فتأبى عليه إلا كان الذي في السماء ساخطا عليها حتى يرضى عنها } ولابن خزيمة وابن حبان من حديث جابر رفعه : { ثلاثة لا تقبل لهم صلاة ولا تصعد لهم إلى السماء حسنة : العبد الآبق حتى يرجع ، والسكران حتى يصحو ، والمرأة الساخط عليها زوجها حتى يرضى } فهذه الإطلاقات تتناول الليل والنهار .

                                                                                                                                            قوله : ( فأبت أن تجيء فبات غضبان عليها ) المعصية منها تتحقق بسبب الغضب منه ، بخلاف ما إذا لم يغضب من ذلك فلا تكون المعصية متحققة إما لأنه عذرها ، وإما لأنه ترك حقه من ذلك ، وقد وقع في رواية للبخاري " إذا باتت المرأة مهاجرة فراش زوجها " وليس لفظ المفاعلة على ظاهره ، بل المراد أنها هي التي هجرت ، وقد يأتي لفظ المفاعلة ويراد بها نفس الفعل ، ولا يتجه عليها اللوم إلا إذا بدأت هي بالهجر فغضب هو لذلك أو هجرها وهي ظالمة فلم تتنصل من ذنبها وهجرته . أما لو بدأ هو بهجرها ظالما لها فلا . ووقع في رواية مسلم " إذا باتت المرأة هاجرة " . قوله : ( لعنتها الملائكة حتى تصبح ) في رواية للبخاري " حتى ترجع "

                                                                                                                                            وهو كما قال الحافظ أكثر فائدة ، قال : والأولى محمولة على الغالب كما تقدم . وأخرج الطبراني والحاكم وصححه من حديث ابن عمر مرفوعا : { اثنان لا تجاوز صلاتهما [ ص: 249 ] رءوسهما عبد آبق ، وامرأة عصت زوجها حتى ترجع } قال في الفتح حاكيا عن المهلب : وفي الحديث جواز لعن العاصي المسلم إذا كان على وجه الإرهاب لئلا يواقع الفعل ، فإذا واقعه فإنما يدعى له بالتوبة والهداية . قال الحافظ : ليس هذا التقييد مستفادا من هذا الحديث بل من أدلة أخرى . قال : وقد ارتضى بعض مشايخنا ما ذكره المهلب من الاستدلال بهذا الحديث على جواز لعن العاصي المعين ، وفيه نظر .

                                                                                                                                            والحق أن الذي منع اللعن أراد به المعنى اللغوي : وهو الإبعاد من الرحمة ، وهذا لا يليق أن يدعى به على المسلم بل يطلب له الهداية والتوبة والرجوع عن المعصية " والذي أجازه أراد به معناه العرفي وهو مطلق السب . قال : ولا يخفى أن محله إذا كان بحيث يرتدع العاصي به وينزجر . وأما حديث الباب فليس فيه إلا أن الملائكة تفعل ذلك ولا يلزم منه جوازه على الإطلاق .

                                                                                                                                            وفي الحديث دليل على أن الملائكة تدعو على المغاضبة لزوجها الممتنعة من إجابته إلى فراشه . وأما كونها تدعو على أهل المعاصي على الإطلاق كما قال في الفتح ، فإن كان من هذا الحديث فليس فيه إلا الدعاء على فاعل هذه المعصية الخاصة ، وإن كان من دليل آخر فذاك . وأما الاستدلال بهذا الحديث على أنهم يدعون لأهل الطاعة كما فعل أيضا في الفتح ففاسد ، فإنه لا يدل على ذلك بوجه من وجوه الدلالة ، وغايته أنه يدل بالمفهوم على أن غير العاصية لا تلعنها الملائكة ، فمن أين أن المطيعة تدعو لها الملائكة ، بل من أين أن كل صاحب طاعة يدعون له ، نعم قول الله تعالى : { ويستغفرون للذين آمنوا } يدل على أنهم يدعون للمؤمنين بهذا الدعاء الخاص .

                                                                                                                                            وحكي في الفتح عن ابن أبي جمرة أنه قال : وهل الملائكة التي تلعنها هم الحفظة أو غيرهم ؟ يحتمل الأمرين . قال الحافظ : يحتمل أن يكون بعض الملائكة موكلا بذلك . ويرشد إلى التعميم ما في رواية لمسلم بلفظ : { لعنتها الملائكة في السماء } فإن المراد به سكانها وإخبار الشارع بأن هذه المعصية يستحق فاعلها لعن ملائكة السماء يدل أعظم دلالة على تأكد وجوب طاعة الزوج وتحريم عصيانه ومغاضبته .

                                                                                                                                            قوله : ( قرحة ) أي جرح . قوله : ( تنبجس ) بالجيم والسين المهملة . قال في القاموس : بجس الماء والجرح يبجسه : شقه ، قال : وبجسه تبجيسا : فجره فانبجس وتبجس قوله : ( بالقيح ) قال في القاموس : القيح : المدة لا يخالطها دم ، قاح الجرح يقيح كقاح يقوح . والصديد : ماء الجرح الرقيق ، على ما في القاموس . قوله : ( نولها ) بفتح النون وسكون الواو : أي حظها وما يجب عليها أن تفعل . والنول : العطاء في الأصل . قوله : ( لأساقفتهم ) الأسقف من النصارى : العالم الرئيس . والبطريق : الرجل العظيم وفي هذا الحديث دليل على أن من سجد جاهلا لغير الله لم يكفر .




                                                                                                                                            الخدمات العلمية