الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل )

قال أبو جعفر : وهذا القول إبانة من الله جل ثناؤه عن أن الذين وعد موسى نبيه عليه السلام أن يكتب لهم الرحمة التي وصفها جل ثناؤه بقوله : " ورحمتي وسعت كل شيء " ، هم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، لأنه لا يعلم لله رسول وصف بهذه الصفة أعني "الأمي" غير نبينا محمد صلى الله عليه وسلم . وبذلك جاءت الروايات عن أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

15214 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا عمران بن عيينة ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس : "فسأكتبها للذين يتقون" ، قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

15215 - . . . . قال ، حدثنا زيد بن حباب ، عن حماد بن سلمة ، عن عطاء ، عن ابن عباس قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

15216 - حدثنا أبو كريب وابن وكيع قالا : حدثنا يحيى بن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد في قوله : " فسأكتبها للذين يتقون " ، قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، فقال موسى عليه السلام : ليتني خلقت في أمة محمد ! .

15217 - حدثنا ابن حميد وابن وكيع قالا : حدثنا جرير ، عن عطاء ، عن سعيد بن جبير : " فسأكتبها للذين يتقون " ، قال : الذين يتبعون محمدا صلى الله عليه وسلم .

15218 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا جرير ، عن ليث ، عن شهر بن حوشب ، عن نوف الحميري قال : لما اختار موسى قومه سبعين رجلا لميقات ربه ، قال الله لموسى : أجعل لكم الأرض مسجدا وطهورا ، وأجعل السكينة معكم [ ص: 162 ] في بيوتكم ، وأجعلكم تقرأون التوراة عن ظهر قلوبكم ، يقرأها الرجل منكم والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير . فقال موسى لقومه : إن الله قد يجعل لكم الأرض طهورا ومسجدا . قالوا : لا نريد أن نصلي إلا في الكنائس! قال : ويجعل السكينة معكم في بيوتكم . قالوا : لا نريد إلا أن تكون كما كانت ، في التابوت! قال : ويجعلكم تقرأون التوراة عن ظهر قلوبكم ، ويقرأها الرجل منكم والمرأة ، والحر والعبد ، والصغير والكبير . قالوا : لا نريد أن نقرأها إلا نظرا! فقال الله : " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة " إلى قوله : " أولئك هم المفلحون " .

15219 - حدثنا محمد بن عبد الأعلى قال ، حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن نوف البكالي قال : لما انطلق موسى بوفد بني إسرائيل ، كلمه الله فقال : إني قد بسطت لهم الأرض طهورا ومساجد يصلون فيها حيث أدركتهم الصلاة ، إلا عند مرحاض أو قبر أو حمام ، وجعلت السكينة في قلوبهم ، وجعلتهم يقرأون التوراة عن ظهر ألسنتهم . قال : فذكر ذلك موسى لبني إسرائيل ، فقالوا : لا نستطيع حمل السكينة في قلوبنا ، فاجعلها لنا في تابوت ، ولا نقرأ التوراة إلا نظرا ، ولا نصلي إلا في الكنيسة! فقال الله : " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة " ، حتى بلغ " أولئك هم المفلحون " . قال : فقال موسى عليه السلام : يا رب ، اجعلني نبيهم! قال : نبيهم منهم! قال : رب اجعلني منهم! قال : لن تدركهم! قال : يا رب ، أتيتك بوفد بني إسرائيل ، فجعلت وفادتنا لغيرنا! فأنزل الله : ( ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون ) [ سورة الأعراف : 159 ] . [ ص: 163 ] قال نوف البكالي : فاحمدوا الله الذي حفظ غيبتكم ، وأخذ لكم بسهمكم ، وجعل وفادة بني إسرائيل لكم .

15220 - حدثنا محمد بن المثنى قال ، حدثنا معاذ بن هشام قال ، حدثني أبي ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن نوف البكالي بنحوه إلا أنه قال : فإني أنزل عليكم التوراة تقرأونها عن ظهر ألسنتكم ، رجالكم ونساؤكم وصبيانكم . قالوا : لا نصلي إلا في كنيسة ، ثم ذكر سائر الحديث نحوه .

15221 - حدثنا ابن وكيع قال ، حدثنا إسحاق بن إسماعيل ، عن يعقوب ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير : " فسأكتبها للذين يتقون " ، قال : أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

15222 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي : " فسأكتبها للذين يتقون " ، قال : هؤلاء أمة محمد صلى الله عليه وسلم .

15223 - حدثنا بشر بن معاذ قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال : لما قيل : " فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون " ، تمنتها اليهود والنصارى ، فأنزل الله شرطا بينا وثيقا فقال : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " ، وهو نبيكم صلى الله عليه وسلم ، كان أميا لا يكتب .

وقد بينا معنى "الأمي" فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته .

وأما قوله : " الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل " ، فإن "الهاء" [ ص: 164 ] في قوله : "يجدونه" ، عائدة على "الرسول" ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم ، كالذي : -

15224 - حدثني محمد بن الحسين قال ، حدثنا أحمد بن المفضل قال ، حدثنا أسباط ، عن السدي ، قوله : " الذين يتبعون الرسول النبي الأمي " ، هذا محمد صلى الله عليه وسلم .

15225 - حدثني ابن المثنى قال ، حدثنا عثمان بن عمر قال ، حدثنا فليح ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار قال : لقيت عبد الله بن عمرو ، فقلت : أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة . قال : أجل والله ، إنه لموصوف في التوراة كصفته في القرآن : يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا ، وحرزا للأميين ، أنت عبدي ورسولي ، سميتك المتوكل ، ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب في الأسواق ، ولا يجزي بالسيئة السيئة ، ولكن يعفو ويصفح ، ولن نقبضه حتى نقيم به الملة العوجاء ، بأن يقولوا : "لا إله إلا الله" ، فنفتح به قلوبا غلفا ، وآذانا صما ، وأعينا عميا . قال عطاء : ثم لقيت كعبا فسألته عن ذلك ، فما اختلفا حرفا ، إلا أن كعبا قال بلغته : قلوبا غلوفيا ، وآذانا صموميا ، وأعينا عموميا .

15226 - حدثني أبو كريب قال ، حدثنا موسى بن داود قال ، حدثنا فليح بن سليمان ، عن هلال بن علي قال ، حدثني عطاء قال : لقيت عبد الله [ ص: 165 ] بن عمرو بن العاص ، فذكر نحوه إلا أنه قال في كلام كعب : أعينا عموما ، وآذانا صموما ، وقلوبا غلوفا .

15227 - . . . قال ، حدثنا موسى قال ، حدثنا عبد العزيز بن سلمة ، عن هلال بن علي ، عن عطاء بن يسار ، عن عبد الله بنحوه وليس فيه كلام كعب .

15228 - حدثنا بشر قال ، حدثنا يزيد قال ، حدثنا سعيد ، عن قتادة قال الله : " الذي يجدونه مكتوبا عندهم " ، يقول : يجدون نعته وأمره ونبوته مكتوبا عندهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية