الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ( 108 ) )

يقول تعالى ذكره : يومئذ يتبع الناس صوت داعي الله الذي يدعوهم إلى موقف القيامة ، فيحشرهم إليه ( لا عوج له ) يقول : لا عوج [ ص: 374 ] لهم عنه ولا انحراف ، ولكنهم سراعا إليه ينحشرون ، وقيل : لا عوج له ، والمعنى : لا عوج لهم عنه ، لأن معنى الكلام ما ذكرنا من أنه لا يعوجون له ولا عنه ، ولكنهم يؤمونه ويأتونه ، كما يقال في الكلام : دعاني فلان دعوة لا عوج لي عنها : أي لا أعوج عنها ، وقوله ( وخشعت الأصوات للرحمن ) يقول تعالى ذكره : وسكنت أصوات الخلائق للرحمن فوصف الأصوات بالخشوع ، والمعنى لأهلها إنهم خضع جميعهم لربهم ، فلا تسمع لناطق منهم منطقا إلا من أذن له الرحمن .

كما حدثني علي قال : ثنا أبو صالح قال : ثني معاوية عن علي عن ابن عباس قوله ( وخشعت الأصوات للرحمن ) يقول : سكنت .

وقوله ( فلا تسمع إلا همسا ) يقول :

إنه وطء الأقدام إلى المحشر ، وأصله : الصوت الخفي ، يقال همس فلان إلى فلان بحديثه إذا أسره إليه وأخفاه ، ومنه قول الراجز :


وهن يمشين بنا هميسا إن يصدق الطير ننك لميسا



يعني بالهمس صوت أخفاف الإبل في سيرها .

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا أبو كريب قال : ثنا علي بن عابس عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس ( فلا تسمع إلا همسا ) قال : وطء الأقدام .

حدثني محمد بن سعد قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس قوله ( وخشعت الأصوات للرحمن فلا تسمع إلا همسا ) يعني همس الأقدام ، وهو الوطء .

حدثني علي قال : ثنا عبد الله قال : ثني معاوية عن علي عن [ ص: 375 ] ابن عباس ( فلا تسمع إلا همسا ) يقول : الصوت الخفي .

حدثنا إسماعيل بن موسى السدي قال : أخبرنا شريك عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عكرمة ( فلا تسمع إلا همسا ) قال : وطء الأقدام .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا سليمان قال : ثنا حماد عن حميد عن الحسن ( فلا تسمع إلا همسا ) قال : همس الأقدام .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد عن قتادة ( فلا تسمع إلا همسا ) قال قتادة : كان الحسن يقول : وقع أقدام القوم .

حدثني يعقوب بن إبراهيم قال : ثنا ابن علية قال : ثنا ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله ( فلا تسمع إلا همسا ) قال : تهافتا ، وقال : تخافت الكلام .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء جميعا عن ابن أبي نجيح عن مجاهد قوله ( همسا ) قال : خفض الصوت .

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج عن مجاهد قال : خفض الصوت ، قال : وأخبرني عبد الله بن كثير عن مجاهد قال : كلام الإنسان لا تسمع تحرك شفتيه ولسانه .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد قوله ( فلا تسمع إلا همسا ) يقول : لا تسمع إلا مشيا ، قال : المشي الهمس وطء الأقدام .

التالي السابق


الخدمات العلمية