الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6647 حدثنا إسماعيل حدثني ابن وهب عن عمرو عن بكير عن بسر بن سعيد عن جنادة بن أبي أمية قال دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض قلنا أصلحك الله حدث بحديث ينفعك الله به سمعته من النبي صلى الله عليه وسلم قال دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه فقال فيما أخذ علينا أن بايعنا على السمع والطاعة في منشطنا ومكرهنا وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا وأن لا ننازع الأمر أهله إلا أن تروا كفرا بواحا عندكم من الله فيه برهان

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الخامس قوله : حدثنا إسماعيل ) هو ابن أبي أويس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : عن عمرو ) هو ابن الحارث وعند مسلم " حدثنا عمرو بن الحارث " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : عن بكير ) هو ابن عبد الله بن الأشج ، وعند مسلم : حدثني بكير " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( عن بسر ) بضم الموحدة وسكون المهملة ، ووقع في بعض النسخ بكسر أوله وسكون المعجمة وهو تصحيف ، وجنادة بضم الجيم وتخفيف النون ، ووقع عند الإسماعيلي من طريق عثمان بن صالح : حدثنا ابن وهب أخبرني عمرو أن بكيرا حدثه أن بسر بن سعيد حدثه أن جنادة حدثه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( دخلنا على عبادة بن الصامت وهو مريض فقلنا : أصلحك الله حدث بحديث ) في رواية مسلم : حدثنا " ، وقولهم " أصلحك الله " يحتمل أنه أراد الدعاء له بالصلاح في جسمه ليعافى من مرضه أو أعم من ذلك ، وهي كلمة اعتادوها عند افتتاح الطلب .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 10 ] قوله : دعانا النبي صلى الله عليه وسلم فبايعناه ) ليلة العقبة كما تقدم إيضاحه في أوائل كتاب الإيمان أول الصحيح .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فقال فيما أخذ علينا ) أي اشترط علينا .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( أن بايعنا ) بفتح العين ( على السمع والطاعة ) أي له ( في منشطنا ) بفتح الميم والمعجمة وسكون النون بينهما ( ومكرهنا ) أي في حالة نشاطنا ، وفي الحالة التي نكون فيها عاجزين عن العمل بما نؤمر به . ونقل ابن التين عن الداودي أن المراد الأشياء التي يكرهونها ، قال ابن التين : والظاهر أنه أراد في وقت الكسل والمشقة في الخروج ليطابق قوله منشطنا . قلت : ويؤيده ما وقع في رواية إسماعيل بن عبيد بن رفاعة عن عبادة عند أحمد " في النشاط والكسل " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( وعسرنا ويسرنا ) في رواية إسماعيل بن عبيد : وعلى النفقة في العسر واليسر " ، وزاد " وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : وأثرة علينا ) بفتح الهمزة والمثلثة وقد تقدم موضع ضبطها في أول الباب ، والمراد أن طواعيتهم لمن يتولى عليهم لا تتوقف على إيصالهم حقوقهم حقوقهم بل عليهم الطاعة ولو منعهم حقهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : وأن لا ننازع الأمر أهله ) أي الملك والإمارة ، زاد أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة : وإن رأيت أن لك - أي وإن اعتقدت أن لك - في الأمر حقا فلا تعمل بذلك الظن بل اسمع وأطع إلى أن يصل إليك بغير خروج عن الطاعة ، زاد في رواية حبان أبي النضر عن جنادة عند ابن حبان وأحمد : وإن أكلوا مالك وضربوا ظهرك . وزاد في رواية الوليد بن عبادة عن أبيه : وأن نقوم بالحق حيثما كنا لا نخاف في الله لومة لائم " وسيأتي في كتاب الأحكام .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إلا أن تروا كفرا بواحا ) بموحدة ومهملة : قال الخطابي : معنى قوله بواحا يريد ظاهرا باديا من قولهم باح بالشيء يبوح به بوحا وبواحا إذا أذاعه وأظهره . وأنكر ثابت في الدلائل بواحا ، وقال : إنما يجوز بوحا بسكون الواو وبؤاحا بضم أوله ثم همزة ممدودة ، وقال الخطابي : من رواه بالراء فهو قريب من هذا المعنى ، وأصل البراح الأرض القفراء التي لا أنيس فيها ولا بناء . وقيل البراح البيان ، يقال برح الخفاء إذا ظهر ، وقال النووي : هو في معظم النسخ من مسلم بالواو وفي بعضها بالراء . قلت : ووقع عند الطبراني من رواية أحمد بن صالح عن ابن وهب في هذا الحديث كفرا صراحا ، بصاد مهملة مضمومة ثم راء ، ووقع في رواية حبان أبي النضر المذكورة : إلا أن يكون معصية لله بواحا . وعند أحمد من طريق عمير بن هانئ عن جنادة : ما لم يأمروك بإثم بواحا . وفي رواية إسماعيل بن عبيد عند أحمد والطبراني والحاكم من روايته عن أبيه عن عبادة سيلي أموركم من بعدي رجال يعرفونكم ما تنكرون وينكرون عليكم ما تعرفون ، فلا طاعة لمن عصى الله وعند أبي بكر بن أبي شيبة من طريق أزهر بن عبد الله عن عبادة رفعه سيكون عليكم أمراء يأمرونكم بما لا تعرفون ويفعلون ما تنكرون فليس لأولئك عليكم طاعة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : عندكم من الله فيه برهان ) أي نص آية أو خبر صحيح لا يحتمل التأويل ، ومقتضاه أنه لا يجوز الخروج عليهم ما دام فعلهم يحتمل التأويل ، قال النووي : المراد بالكفر هنا المعصية ، ومعنى الحديث لا تنازعوا ولاة [ ص: 11 ] الأمور في ولايتهم ولا تعترضوا عليهم إلا أن تروا منهم منكرا محققا تعلمونه من قواعد الإسلام ; فإذا رأيتم ذلك فأنكروا عليهم وقولوا بالحق حيثما كنتم . انتهى . وقال غيره : المراد بالإثم هنا المعصية والكفر ، فلا يعترض على السلطان إلا إذا وقع في الكفر الظاهر ، والذي يظهر حمل رواية الكفر على ما إذا كانت المنازعة في الولاية فلا ينازعه بما يقدح في الولاية إلا إذا ارتكب الكفر ، وحمل رواية المعصية على ما إذا كانت المنازعة فيما عدا الولاية ؛ فإذا لم يقدح في الولاية نازعه في المعصية بأن ينكر عليه برفق ويتوصل إلى تثبيت الحق له بغير عنف ، ومحل ذلك إذا كان قادرا والله أعلم . ونقل ابن التين عن الداودي قال : الذي عليه العلماء في أمراء الجور أنه إن قدر على خلعه بغير فتنة ولا ظلم وجب ، وإلا فالواجب الصبر . وعن بعضهم لا يجوز عقد الولاية لفاسق ابتداء ، فإن أحدث جورا بعد أن كان عدلا فاختلفوا في جواز الخروج عليه ، والصحيح المنع إلا أن يكفر فيجب الخروج عليه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية