الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6695 حدثنا أحمد بن يونس حدثنا أبو شهاب عن عوف عن أبي المنهال قال لما كان ابن زياد ومروان بالشأم ووثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي حتى دخلنا عليه في داره وهو جالس في ظل علية له من قصب فجلسنا إليه فأنشأ أبي يستطعمه الحديث فقال يا أبا برزة ألا ترى ما وقع فيه الناس فأول شيء سمعته تكلم به إني احتسبت عند الله أني أصبحت ساخطا على أحياء قريش إنكم يا معشر العرب كنتم على الحال الذي علمتم من الذلة والقلة والضلالة وإن الله أنقذكم بالإسلام وبمحمد صلى الله عليه وسلم حتى بلغ بكم ما ترون وهذه الدنيا التي أفسدت بينكم إن ذاك الذي بالشأم والله إن يقاتل إلا على الدنيا وإن هؤلاء الذين بين أظهركم والله إن يقاتلون إلا على الدنيا وإن ذاك الذي بمكة والله إن يقاتل إلا على الدنيا

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الثاني قوله : أبو شهاب ) هو عبد ربه بن نافع وعوف هو الأعرابي ، والسند كله بصريون إلا ابن يونس ، وأبو المنهال هو سيار بن سلامة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لما كان ابن زياد ومروان بالشام وثب ابن الزبير بمكة ووثب القراء بالبصرة ) ظاهره أن وثوب ابن الزبير وقع بعد قيام ابن زياد ومروان بالشام ، وليس كذلك ، وإنما وقع في الكلام حذف ، وتحريره ما وقع عند الإسماعيلي من طريق يزيد بن زريع عن عوف قال " حدثنا أبو المنهال قال : لما كان زمن أخرج ابن زياد يعني من البصرة وثب مروان بالشام ووثب ابن الزبير بمكة ووثب الذين يدعون القراء بالبصرة غم أبي غما شديدا " وكذا أخرجه يعقوب بن سفيان في تاريخه من طريق عبد الله بن المبارك عن عوف ولفظه : وثب مروان بالشام حيث وثب " والباقي مثله ، ويصحح ما وقع في رواية أبي شهاب بأن تزاد واو قبل قوله " وثب ابن الزبير " فإن ابن زياد لما أخرج من البصرة توجه إلى الشام فقام مع مروان .

                                                                                                                                                                                                        وقد ذكر الطبري بأسانيده ما ملخصه : أن عبيد الله بن زياد كان أميرا بالبصرة ليزيد بن معاوية ، وأنه لما بلغته وفاته خطب لأهل البصرة وذكر ما وقع من الاختلاف بالشام ، فرضي أهل البصرة أن يستمر أميرا عليهم حتى يجتمع الناس على خليفة فمكث على ذلك قليلا ، ثم قام سلمة بن ذؤيب بن عبد الله اليربوعي يدعو إلى ابن الزبير فبايعه جماعة ، فبلغ ذلك ابن زياد وأراد منهم كف سلمة عن ذلك فلم يجيبوه ، فلما خشي على نفسه القتل استجار بالحارث بن قيس بن سفيان فأردفه ليلا إلى أن أتى به مسعود بن عمرو بن عدي الأزدي فأجاره ، ثم وقع بين أهل البصرة اختلاف فأمروا عليهم عبد الله بن الحارث بن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب الملقب ببه بموحدتين الثانية ثقيلة وأمه هند بنت أبي سفيان ، ووقعت الحرب وقام مسعود بأمر عبيد الله بن زياد فقتل مسعود وهو على المنبر في شوال سنة أربع وستين ، فبلغ ذلك عبيد الله بن زياد فهرب ، فتبعوه وانتبهوا ما وجدوا له ، وكان مسعود رتب معه مائة نفس يحرسونه فقدموا به الشام قبل أن يبرموا أمرهم فوجدوا مروان قد هم أن يرحل إلى [ ص: 78 ] ابن الزبير ليبايعه ويستأمن لبني أمية ، فثنى رأيه عن ذلك ، وجمع من كان يهوى بني أمية وتوجهوا إلى دمشق وقد بايع الضحاك بن قيس بها لابن الزبير ، وكذا النعمان بن بشير بحمص ، وكذا ناتل بنون ومثناة ابن قيس بفلسطين ، ولم يبق على رأي الأمويين إلا حسان بن بحدل بموحدة ومهملة وزن جعفر وهو خال يزيد بن معاوية وهو بالأردن فيمن أطاعه ، فكانت الوقعة بين مروان ومن معه وبين الضحاك بن قيس بمرج راهط ، فقتل الضحاك وتفرق جمعه وبايعوا حينئذ مروان بالخلافة في ذي القعدة منها . وقال أبو زرعة الدمشقي في تاريخه : حدثنا أبو مسهر عبد الأعلى قال : بويع لمروان بن الحكم ، بايع له أهل الأردن وطائفة من أهل دمشق ، وسائر الناس زبيريون ، ثم اقتتل مروان وشعبة بن الزبير بمرج راهط فغلب مروان وصارت له الشام ومصر ، وكانت مدته تسعة أشهر فهلك بدمشق وعهد لعبد الملك . وقال خليفة بن خياط في تاريخه : حدثنا الوليد بن هشام عن أبيه عن جده وأبو اليقظان وغيرهما قالوا : قدم ابن الزياد الشام وقد بايعوا ابن الزبير ما خلا أهل الجابية ، ثم ساروا إلى مرج راهط فذكر نحوه ، وهذا يدفع ما تقدم عن ابن بطال أن ابن الزبير بايع مروان ثم نكث .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ووثب القراء بالبصرة ) يريد الخوارج ، وكانوا قد ثاروا بالبصرة بعد خروج ابن زياد ورئيسهم نافع بن الأزرق ، ثم خرجوا إلى الأهواز ، وقد استوفى خبرهم الطبري وغيره ، ويقال إنه أراد الذين بايعوا على قتال من قتل الحسين وساروا مع سليمان بن صرد وغيره من البصرة إلى جهة الشام فلقيهم عبيد الله بن زياد في جيش الشام من قبل مروان فقتلوا بعين الوردة ، وقد قص قصتهم الطبري وغيره .

                                                                                                                                                                                                        قوله : فانطلقت مع أبي إلى أبي برزة الأسلمي ) في رواية يزيد بن زريع " فقال لي أبي وكان يثني عليه خيرا انطلق بنا إلى هذا الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي برزة الأسلمي ، فانطلقت معه حتى دخلنا عليه " وفي رواية عبد الله بن المبارك عن عوف " فقال أبي انطلق بنا لا أبا لك إلى هذا الرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي برزة " وعند يعقوب بن سفيان عن سكين بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي المنهال قال : دخلت مع أبي على أبي برزة الأسلمي ، وإن في أذني يومئذ لقرطين وإني لغلام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : في ظل علية له من قصب ) زاد في رواية يزيد بن زريع " في يوم حار شديد الحر " والعلية بضم المهملة وبكسرها وكسر اللام وتشديد التحتانية هي الغرفة وجمعها علالي ، والأصل عليوة فأبدلت الواو ياء وأدغمت ، وفي رواية ابن المبارك " في ظل علولة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : يستطعمه الحديث ) في رواية الكشميهني " بالحديث " أي يستفتح الحديث ويطلب منه التحديث .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إني احتسبت عند الله ) في رواية الكشميهني " أحتسب " وكذا في رواية يزيد بن زريع ومعناه أنه يطلب بسخطه على الطوائف المذكورين من الله الأجر على ذلك لأن الحب في الله والبغض في الله من الإيمان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ساخطا ) في رواية سكين " لائما " .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إنكم يا معشر العرب ) في رواية ابن المبارك " العريب " .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 79 ] قوله : كنتم على الحال الذي علمتم ) في رواية يزيد بن زريع " على الحال التي كنتم عليها في جاهليتكم " قوله ( وإن الله قد أنقذكم بالإسلام وبمحمد عليه الصلاة والسلام ) في رواية يزيد بن زريع " وإن الله نعشكم " بفتح النون والمهملة ثم معجمة ، وسيأتي في أوائل الاعتصام من رواية معتمر بن سليمان عن عوف أن أبا المنهال حدثه أنه سمع أبا برزة قال : إن الله يغنيكم " قال أبو عبد الله هو البخاري : وقع هنا " يغنيكم " يعني بضم أوله وسكون المعجمة بعدها نون مكسورة ثم تحتانية ساكنة ، قال وإنما هو " نعشكم " ينظر في أصل الاعتصام ، كذا وقع عند المستملي ، ووقع عند ابن السكن " نعشكم " على الصواب ، ومعنى نعشكم رفعكم وزنه ومعناه ، وقيل عضدكم وقواكم .

                                                                                                                                                                                                        قوله ( إن ذاك الذي بالشام ) زاد يزيد بن زريع : يعني مروان " وفي رواية سكين " عبد الملك بن مروان " والأول أولى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : وإن هؤلاء الذين بين أظهركم ) في رواية يزيد بن زريع وابن المبارك نحوه " إن الذين حولكم الذين تزعمون أنهم قراؤكم " وفي رواية سكين وذكر نافع بن الأزرق وزاد في آخره " فقال أبي : فما تأمرني إذا ؟ فإني لا أراك تركت أحدا ، قال لا أرى خير الناس اليوم إلا عصابة خماص البطون من أموال الناس خفاف الظهور من دمائهم " وفي رواية سكين " إن أحب الناس إلي لهذه العصابة الخمصة بطونهم من أموال الناس الخفيفة ظهورهم من دمائهم " وهذا يدل على أن أبا برزة كان يرى الانعزال في الفتنة وترك الدخول في كل شيء من قتال المسلمين ولا سيما إذا كان ذلك في طلب الملك . وفيه استشارة أهل العلم والدين عند نزول الفتن وبذل العالم النصيحة لمن يستشيره ، وفيه الاكتفاء في إنكار المنكر بالقول ولو في غيبة من ينكر عليه ليتعظ من يسمعه فيحذر من الوقوع فيه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : وإن ذاك الذي بمكة ) زاد يزيد بن زريع " يعني ابن الزبير " .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية