الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
6970 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16665عمر بن حفص حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=15730أبي حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش سمعت nindex.php?page=showalam&ids=12045أبا صالح عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه قال nindex.php?page=hadith&LINKID=656856قال النبي صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى nindex.php?page=treesubj&link=32830_24582_20002_29701أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه إذا ذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملإ ذكرته في ملإ خير منهم وإن تقرب إلي بشبر تقربت إليه ذراعا وإن تقرب إلي ذراعا تقربت إليه باعا وإن أتاني يمشي أتيته هرولة
الحديث الثالث : قوله : يقول الله تعالى أنا عند ظن عبدي بي ) أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به ، وقال الكرماني : وفي السياق إشارة إلى ترجيح جانب الرجاء على الخوف وكأنه أخذه من جهة التسوية فإن العاقل إذا سمع ذلك لا يعدل إلى ظن إيقاع الوعيد وهو جانب الخوف ؛ لأنه لا يختاره لنفسه بل يعدل إلى ظن وقوع الوعد وهو جانب الرجاء وهو كما قال أهل التحقيق مقيد بالمحتضر ويؤيد ذلك حديث nindex.php?page=hadith&LINKID=848110لا يموتن أحدكم إلا وهو يحسن الظن بالله وهو عند مسلم من حديث جابر . وأما قبل ذلك ففي الأول أقوال ثالثها الاعتدال وقال ابن أبي جمرة : المراد بالظن هنا العلم وهو كقوله nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118وظنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه وقال القرطبي في المفهم قيل nindex.php?page=treesubj&link=20002معنى ظن عبدي بي ظن الإجابة عند الدعاء وظن القبول عند التوبة وظن المغفرة عند الاستغفار وظن المجازاة عند فعل العبادة بشروطها تمسكا بصادق وعده ، وقال : ويؤيده قوله في الحديث الآخر : nindex.php?page=hadith&LINKID=848716ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة . قال : ولذلك ينبغي للمرء أن يجتهد في القيام بما عليه موقنا بأن الله يقبله ويغفر له ؛ لأنه وعد بذلك وهو لا يخلف الميعاد فإن اعتقد أو ظن أن الله لا يقبلها وأنها لا تنفعه فهذا هو nindex.php?page=treesubj&link=20003_27530اليأس من رحمة الله وهو من الكبائر ، ومن مات على ذلك وكل إلى ما ظن كما في بعض طرق الحديث المذكور nindex.php?page=hadith&LINKID=848717فليظن بي عبدي ما شاء قال : وأما ظن المغفرة مع الإصرار فذلك محض الجهل والغرة وهو يجر إلى مذهب المرجئة .
قوله ( وإن ذكرني في ملإ ) بفتح الميم واللام مهموز أي جماعة ذكرته في ملإ خير منهم ، قال بعض أهل العلم : يستفاد منه أن nindex.php?page=treesubj&link=33074_24424_30517الذكر الخفي أفضل من الذكر الجهري والتقدير : إن ذكرني في نفسه ذكرته بثواب لا أطلع عليه أحدا وإن ذكرني جهرا ذكرته بثواب أطلع عليه الملأ الأعلى وقال ابن بطال : هذا نص في أن nindex.php?page=treesubj&link=28809الملائكة أفضل من بني آدم وهو مذهب جمهور أهل العلم وعلى ذلك شواهد من القرآن مثل nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=20إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخالدين والخالد أفضل من الفاني فالملائكة أفضل من بني آدم وتعقب بأن المعروف عن جمهور أهل السنة أن صالحي بني آدم أفضل من سائر الأجناس والذين ذهبوا إلى تفضيل الملائكة الفلاسفة ثم المعتزلة وقليل من أهل السنة من أهل التصوف وبعض أهل الظاهر فمنهم من فاضل بين الجنسين فقالوا حقيقة الملك أفضل من حقيقة الإنسان ؛ لأنها نورانية وخيرة ولطيفة مع سعة العلم والقوة وصفاء الجوهر وهذا لا يستلزم تفضيل كل فرد على كل فرد لجواز أن يكون في بعض الأناسي ما في ذلك وزيادة ومنهم من خص الخلاف بصالحي البشر والملائكة ومنهم من خصه بالأنبياء ثم منهم من فضل الملائكة على غير الأنبياء ومنهم من فضلهم على الأنبياء أيضا إلا على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن أدلة nindex.php?page=treesubj&link=28809تفضيل النبي على الملك أن الله أمر الملائكة بالسجود لآدم على سبيل التكريم له حتى قال إبليس nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=62أرأيتك هذا الذي كرمت علي ومنها قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75لما خلقت بيدي لما فيه من الإشارة إلى العناية به ولم يثبت ذلك للملائكة ، ومنها قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=33إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين ومنها قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=45&ayano=13وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض فدخل في عمومه الملائكة ، والمسخر له أفضل من المسخر ؛ ولأن طاعة الملائكة بأصل الخلقة وطاعة البشر غالبا مع المجاهدة للنفس لما طبعت عليه من الشهوة والحرص والهوى والغضب ، فكانت عبادتهم أشق ، وأيضا فطاعة الملائكة بالأمر الوارد عليهم وطاعة البشر بالنص تارة وبالاجتهاد تارة والاستنباط تارة فكانت أشق ؛ ولأن الملائكة سلمت من وسوسة الشياطين وإلقاء الشبه والإغواء الجائزة على البشر ، ولأن nindex.php?page=treesubj&link=29728الملائكة تشاهد حقائق الملكوت والبشر لا يعرفون ذلك إلا بالإعلام فلا يسلم منهم من إدخال الشبهة من جهة تدبير الكواكب وحركة الأفلاك إلا الثابت على دينه ولا يتم ذلك إلا بمشقة شديدة ومجاهدات كثيرة ، وأما أدلة الآخرين فقد قيل إن حديث الباب أقوى ما استدل به لذلك للتصريح بقوله فيه في ملإ خير منهم والمراد بهم الملائكة ، حتى قال بعض الغلاة في ذلك وكم من ذاكر لله في ملإ فيهم محمد صلى الله عليه وسلم ذكرهم الله في ملإ خير منهم ، وأجاب بعض أهل السنة بأن الخبر المذكور ليس نصا ولا صريحا في المراد بل يطرقه احتمال أن يكون المراد بالملأ الذين هم خير من الملأ الذاكر الأنبياء [ ص: 399 ] والشهداء فإنهم أحياء عند ربهم فلم ينحصر ذلك في الملائكة ، وأجاب آخر وهو أقوى من الأول بأن الخيرية إنما حصلت بالذاكر والملأ معا فالجانب الذي فيه رب العزة خير من الجانب الذي ليس هو فيه بلا ارتياب فالخيرية حصلت بالنسبة للمجموع على المجموع وهذا الجواب ظهر لي وظننت أنه مبتكر . ثم رأيته في كلام القاضي كمال الدين بن الزملكاني في الجزء الذي جمعه في الرفيق الأعلى فقال : إن الله قابل ذكر العبد في نفسه بذكره له في نفسه ، وقابل ذكر العبد في الملأ بذكره له في الملأ فإنما صار الذكر في الملأ الثاني خيرا من الذكر في الأول ؛ لأن الله هو الذاكر فيهم والملأ الذين يذكرون والله فيهم أفضل من الملأ الذين يذكرون وليس الله فيهم ، ومن أدلة المعتزلة تقديم الملائكة في الذكر في قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=98من كان عدوا لله وملائكته ورسله nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=18شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=75الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس ) وتعقب بأن مجرد التقديم في الذكر لا يستلزم التفضيل ؛ لأنه لم ينحصر فيه بل له أسباب أخرى كالتقديم بالزمان في مثل قوله nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=7ومنك ومن نوح وإبراهيم فقدم نوحا على إبراهيم لتقدم زمان نوح مع أن إبراهيم أفضل ومنها قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون وبالغ nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فادعى أن دلالتها لهذا المطلوب قطعية بالنسبة لعلم المعاني فقال في قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=172ولا الملائكة المقربون أي ولا من هو أعلى قدرا من المسيح ، وهم nindex.php?page=treesubj&link=29657_29654الملائكة الكروبيون الذين حول العرش ، كجبريل وميكائيل وإسرافيل ، قال : ولا يقتضي علم المعاني غير هذا من حيث إن الكلام إنما سيق للرد على النصارى لغلوهم في المسيح ، فقيل لهم : لن يترفع فيه المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع درجة منه انتهى . ملخصا ، وأجيب بأن الترقي لا يستلزم التفضيل المتنازع فيه وإنما هو بحسب المقام ، وذلك أن كلا من الملائكة والمسيح عبد من دون الله ، فرد عليهم بأن المسيح الذي تشاهدونه لم يتكبر عن عبادة الله ، وكذلك من غاب عنكم من الملائكة لا يتكبر ، والنفوس لما غاب عنها أهيب ممن تشاهده ؛ ولأن الصفات التي عبدوا المسيح لأجلها من الزهد في الدنيا والاطلاع على المغيبات وإحياء الموتى بإذن الله موجودة في الملائكة ، فإن كانت توجب عبادته فهي موجبة لعبادتهم بطريق الأولى ، وهم مع ذلك لا يستنكفون عن عبادة الله تعالى ، ولا يلزم من هذا الترقي ثبوت الأفضلية المتنازع فيها ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي احتج بهذا العطف من زعم أن الملائكة أفضل من الأنبياء ، وقال هي مساقة للرد على النصارى في رفع المسيح عن مقام العبودية ، وذلك يقتضي أن يكون المعطوف عليه أعلى درجة منه حتى يكون عدم استنكافهم كالدليل على عدم استنكافه ، وجوابه أن الآية سيقت للرد على عبدة المسيح والملائكة ، فأريد بالعطف المبالغة باعتبار الكثرة دون التفضيل ، كقول القائل أصبح الأمير لا يخالفه رئيس ولا مرءوس ، وعلى تقدير إرادة التفضيل فغايته تفضيل المقربين ممن حول العرش ، بل من هو أعلى رتبة منهم على المسيح ، وذلك لا يستلزم فضل أحد الجنسين على الآخر مطلقا . وقال الطيبي : لا تتم لهم الدلالة إلا إن سلم أن الآية سيقت للرد على النصارى فقط فيصح : لن يترفع المسيح عن العبودية ولا من هو أرفع منه ، والذي يدعي ذلك يحتاج إلى إثبات أن النصارى تعتقد تفضيل الملائكة على المسيح ، وهم لا يعتقدون ذلك بل يعتقدون فيه الإلهية فلا يتم استدلال من استدل به ، قال وسياقه الآية من أسلوب التتميم والمبالغة لا للترقي ، وذلك أنه قدم قوله nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إنما الله إله واحد إلى قوله nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171وكيلا ) فقرر الوحدانية والمالكية والقدرة التامة ، ثم أتبعه بعدم الاستنكاف ، فالتقدير لا يستحق من اتصف بذلك أن يستكبر عليه الذي تتخذونه أيها النصارى إلها لاعتقادكم فيه الكمال ولا الملائكة الذين اتخذها غيركم آلهة لاعتقادهم فيهم الكمال . قلت : وقد ذكر ذلك البغوي ملخصا ، ولفظه لم يقل ذلك رفعا لمقامهم على مقام عيسى بل ردا على الذين يدعون أن الملائكة آلهة فرد عليهم كما رد على النصارى الذين يدعون التثليث ، ومنها قوله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=50قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول لكم إني ملك [ ص: 400 ] فنفى أن يكون ملكا ، فدل على أنهم أفضل ، وتعقب بأنه إنما نفى ذلك لكونهم طلبوا منه الخزائن وعلم الغيب ، وأن يكون بصفة الملك من ترك الأكل والشرب والجماع ، وهو من نمط إنكارهم أن يرسل الله بشرا مثلهم فنفى عنه أنه ملك ، ولا يستلزم ذلك التفضيل ، ومنها أنه سبحانه لما وصف جبريل ومحمدا ، قال في جبريل nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=40إنه لقول رسول كريم وقال في حق النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وما صاحبكم بمجنون وبين الوصفين بون بعيد ، وتعقب بأن ذلك إنما سيق للرد على من زعم أن الذي يأتيه - شيطان فكان وصف جبريل بذلك تعظيما للنبي صلى الله عليه وسلم فقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم في غير هذا الموضع بمثل ما وصف به جبريل هنا وأعظم منه ، وقد أفرط nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في سوء الأدب هنا ، وقال كلاما يستلزم تنقيص المقام المحمدي ، وبالغ الأئمة في الرد عليه في ذلك وهو من زلاته الشنيعة .
قوله : وإن تقرب إلي شبرا ) في رواية المستملي والسرخسي " بشبر " بزيادة موحدة في أوله ، وسيأتي شرحه في أواخر " كتاب التوحيد " في باب ذكر النبي صلى الله عليه وسلم وروايته عن ربه .