الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3495 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبو عوانة حدثنا عثمان هو ابن موهب قال جاء رجل من أهل مصر حج البيت فرأى قوما جلوسا فقال من هؤلاء القوم فقالوا هؤلاء قريش قال فمن الشيخ فيهم قالوا عبد الله بن عمر قال يا ابن عمر إني سائلك عن شيء فحدثني هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد قال نعم قال تعلم أنه تغيب عن بدر ولم يشهد قال نعم قال تعلم أنه تغيب عن بيعة الرضوان فلم يشهدها قال نعم قال الله أكبر قال ابن عمر تعال أبين لك أما فراره يوم أحد فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له وأما تغيبه عن بدر فإنه كانت تحته بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وكانت مريضة فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم إن لك أجر رجل ممن شهد بدرا وسهمه وأما تغيبه عن بيعة الرضوان فلو كان أحد أعز ببطن مكة من عثمان لبعثه مكانه فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عثمان وكانت بيعة الرضوان بعد ما ذهب عثمان إلى مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بيده اليمنى هذه يد عثمان فضرب بها على يده فقال هذه لعثمان فقال له ابن عمر اذهب بها الآن معك

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        الحديث الخامس قوله : ( حدثنا موسى ) هو ابن إسماعيل .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 73 ] قوله : ( عثمان هو ابن موهب ) نسبه إلى جده وهو عثمان بن عبد الله بن موهب بفتح الميم وسكون الواو وفتح الهاء بعدها موحدة مولى بني تيم ، بصري تابعي وسط من طبقة الحسن البصري وهو ثقة باتفاقهم ، وفي الرواة آخر يقال له : عثمان بن موهب بصري أيضا لكنه أصغر من هذا ، روى عن أنس ، روى عنه زيد بن الحباب وحده أخرج له النسائي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( جاء رجل من أهل مصر وحج البيت ) لم أقف على اسمه ولا على اسم من أجابه من القوم ولا على أسماء القوم ، وسيأتي في تفسير قوله تعالى : وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة من سورة البقرة ما قد يقرب أنه العلاء بن عيزار ، وهو بمهملات ، وكذا في مناقب علي بعد هذا ، ويأتي في سورة الأنفال أن الذي باشر السؤال اسمه حكيم ، وعليه اقتصر شيخنا ابن الملقن ، وهذا كله بناء على أن الحديثين في قصة واحدة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال : فمن الشيخ ) أي الكبير ( فيهم ) الذي يرجعون إلى قوله .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هل تعلم أن عثمان فر يوم أحد إلخ ) الذي يظهر من سياقه أن السائل كان ممن يتعصب على عثمان فأراد بالمسائل الثلاث أن يقرر معتقده فيه ، ولذلك كبر مستحسنا لما أجابه به ابن عمر .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال ابن عمر : تعال أبين لك ) كأن ابن عمر فهم منه مراده لما كبر ، وإلا لو فهم ذلك من أول سؤاله لقرن العذر بالجواب ، وحاصله أنه عابه بثلاثة أشياء ، فأظهر له ابن عمر العذر عن جميعها : أما الفرار فبالعفو ، وأما التخلف فبالأمر ، وقد حصل له مقصود من شهد من ترتب الأمرين الدنيوي وهو السهم والأخروي وهو الأجر ، وأما البيعة فكان مأذونا له في ذلك أيضا ، ويد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير لعثمان من يده . كما ثبت ذلك أيضا عن عثمان نفسه فيما رواه البزار بإسناد جيد أنه عاتب عبد الرحمن بن عوف فقال له : لم ترفع صوتك علي ؟ فذكر الأمور الثلاثة ، فأجابه بمثل ما أجاب به ابن عمر . قال في هذه : فشمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خير لي من يميني .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأشهد أن الله عفا عنه وغفر له ) يريد قوله تعالى : إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم إن الله غفور حليم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وأما تغيبه عن بدر فإنه كان تحته بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم ) هي رقية ، فروى الحاكم في " المستدرك " من طريق حماد بن سلمة عن هشام بن عروة عن أبيه قال : " خلف النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان وأسامة بن زيد على رقية في مرضها لما خرج إلى بدر فماتت رقية حين وصل زيد بن حارثة بالبشارة ، وكان عمر رقية لما ماتت عشرين سنة ، قال ابن إسحاق : ويقال : إن ابنها عبد الله بن عثمان مات بعدها سنة أربع من الهجرة وله ست سنين .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 74 ] قوله : ( فلو كان أحد ببطن مكة أعز من عثمان ) أي على من بها ( لبعثه ) أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ( مكانه ) أي بدل عثمان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - عثمان وكانت بيعة الرضوان ) أي بعد أن بعثه ، والسبب في ذلك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث عثمان ليعلم قريشا أنه إنما جاء معتمرا لا محاربا ، ففي غيبة عثمان شاع عندهم أن المشركين تعرضوا لحرب المسلمين ، فاستعد المسلمون للقتال وبايعهم النبي - صلى الله عليه وسلم - حينئذ تحت الشجرة على أن لا يفروا ، وذلك في غيبة عثمان . وقيل : بل جاء الخبر بأن عثمان قتل ، فكان ذلك سبب البيعة ، وسيأتي إيضاح ذلك في عمرة الحديبية من المغازي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيده اليمنى ) أي أشار بها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هذه يد عثمان ) أي بدلها ، فضرب بها على يده اليسرى فقال : هذه - أي البيعة - لعثمان أي عن عثمان .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال له ابن عمر : اذهب بها الآن معك ) أي اقرن هذا العذر بالجواب حتى لا يبقى لك فيما أجبتك به حجة على ما كنت تعتقده من غيبة عثمان . وقال الطيبي : قال له ابن عمر تهكما به ، أي توجه بما تمسكت به فإنه لا ينفعك بعدما بينت لك ، وسيأتي بقية لما دار بينهما في ذلك في مناقب علي إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : وقع هنا عند الأكثر حديث أنس المذكور قبل حديثين ، والذي أوردناه هو ترتيب ما وقع في رواية أبي ذر ، والخطب في ذلك سهل .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية