الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        3767 حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا إبراهيم أخبرنا ابن شهاب قال أخبرني عمر بن أسيد بن جارية الثقفي حليف بني زهرة وكان من أصحاب أبي هريرة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة عينا وأمر عليهم عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب حتى إذا كانوا بالهدة بين عسفان ومكة ذكروا لحي من هذيل يقال لهم بنو لحيان فنفروا لهم بقريب من مائة رجل رام فاقتصوا آثارهم حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا تمر يثرب فاتبعوا آثارهم فلما حس بهم عاصم وأصحابه لجئوا إلى موضع فأحاط بهم القوم فقالوا لهم انزلوا فأعطوا بأيديكم ولكم العهد والميثاق أن لا نقتل منكم أحدا فقال عاصم بن ثابت أيها القوم أما أنا فلا أنزل في ذمة كافر ثم قال اللهم أخبر عنا نبيك صلى الله عليه وسلم فرموهم بالنبل فقتلوا عاصما ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق منهم خبيب وزيد بن الدثنة ورجل آخر فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها قال الرجل الثالث هذا أول الغدر والله لا أصحبكم إن لي بهؤلاء أسوة يريد القتلى فجرروه وعالجوه فأبى أن يصحبهم فانطلق بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما بعد وقعة بدر فابتاع بنو الحارث بن عامر بن نوفل خبيبا وكان خبيب هو قتل الحارث بن عامر يوم بدر فلبث خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا قتله فاستعار من بعض بنات الحارث موسى يستحد بها فأعارته فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه فوجدته مجلسه على فخذه والموسى بيده قالت ففزعت فزعة عرفها خبيب فقال أتخشين أن أقتله ما كنت لأفعل ذلك قالت والله ما رأيت أسيرا قط خيرا من خبيب والله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده وإنه لموثق بالحديد وما بمكة من ثمرة وكانت تقول إنه لرزق رزقه الله خبيبا فلما خرجوا به من الحرم ليقتلوه في الحل قال لهم خبيب دعوني أصلي ركعتين فتركوه فركع ركعتين فقال والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت ثم قال اللهم أحصهم عددا واقتلهم بددا ولا تبق منهم أحدا ثم أنشأ يقول

                                                                                                                                                                                                        فلست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان لله مصرعي     وذلك في ذات الإله وإن يشأ
                                                                                                                                                                                                        يبارك على أوصال شلو ممزع

                                                                                                                                                                                                        ثم قام إليه أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله وكان خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة وأخبر أصحابه يوم أصيبوا خبرهم وبعث ناس من قريش إلى عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قتل أن يؤتوا بشيء منه يعرف وكان قتل رجلا عظيما من عظمائهم فبعث الله لعاصم مثل الظلة من الدبر فحمته من رسلهم فلم يقدروا أن يقطعوا منه شيئا
                                                                                                                                                                                                        وقال كعب بن مالك ذكروا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي رجلين صالحين قد شهدا بدرا [ ص: 360 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 360 ] الحديث الخامس حديث أبي هريرة في قصة أصحاب بئر معونة وسيأتي شرحه بتمامه في غزوة الرجيع ، والغرض [ ص: 361 ] منه هنا قوله فيه : " وكان قد قتل عظيما من عظمائهم " فإنه سيأتي في الطريق الأخرى التصريح بأن ذلك كان يوم بدر ، والذي قتله عاصم المذكور يوم بدر من المشركين في قول ابن إسحاق ومن تبعه عقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية قتله صبرا بأمر النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أخبرني عمرو بن جارية ) بالجيم ، وفي رواية الكشميهني " عمرو بن أبي أسيد بن جارية " وكذا للأصيلي ، وهو نسب إلى جده ، بل هو جد أبيه لأنه ابن أسيد بن العلاء بن جارية ، ووقع في غزوة الرجيع كما سيأتي " عمرو بن أبي سفيان " وهي كنية أبيه أسيد والله أعلم . وأسيد بفتح الهمزة للجميع ، وأكثر أصحاب الزهري قالوا فيه " عمرو " بفتح العين وقال بعضهم : عمر بضم العين ، ورجح البخاري أنه عمرو ، وكذا وقع في الجهاد في " باب هل يستأسر الرجل " للأكثر عمرو ، أما النسفي وأبو زيد المروزي فلم يسمياه قالا : " أخبرنا ابن أسيد " وقال ابن السكن في روايته : " عمير " بالتصغير ، والراجح عمرو بفتح العين ، وسيأتي مزيد لذلك في غزوة الرجيع .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عشرة عينا ) سيأتي بيانهم في غزوة الرجيع ، وأمر عليهم عاصم بن ثابت جد عاصم بن عمر بن الخطاب يعني لأمه ، قال : وهو وهم من بعض رواته فإن عاصم بن ثابت خال عاصم بن عمر لا جده ؛ لأن والدة عاصم هي جميلة بنت ثابت أخت عاصم ، وكان اسمها عاصية فغيرها النبي - صلى الله عليه وسلم - قال عياض : إذا قرئ جد بالكسر على أنه صفة لثابت استقام الكلام وارتفع الوهم . الحديث السادس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال كعب بن مالك : ذكروا مرارة بن الربيع العمري وهلال بن أمية الواقفي رجلين صالحين قد شهدا بدرا ) هذا طرف من حديث كعب الطويل في قصة توبته ، وسيأتي موصولا في غزوة تبوك مطولا ، وكأن المصنف عرف أن بعض الناس ينكر أن يكون مرارة وهلال شهدا بدرا وينسب الوهم في ذلك إلى الزهري فرد ذلك بنسبة ذلك إلى كعب بن مالك ، وهو الظاهر من السياق فإن الحديث عنه قد أخذ وهو أعرف بمن شهد بدرا ممن لم يشهدها ممن جاء بعده ، والأصل عدم الإدراج فلا يثبت إلا بدليل صريح ، ويؤيد كون وصفهما بذلك من كلام كعب أن كعبا ساقه في مقام التأسي بهما فوصفهما بالصلاح وبشهود بدر التي هي أعظم المشاهد . فلما وقع لهما نظير ما وقع له من القعود عن غزوة تبوك ومن الأمر بهجرهما كما وقع له تأسى بهما . وأما قول بعض المتأخرين كالدمياطي : لم يذكر أحد مرارة وهلالا فيمن شهد بدرا فمردود عليه ، فقد جزم به البخاري هنا وتبعه جماعة ، وأما قوله : وإنما ذكروهما في الطبقة الثانية ممن شهد أحدا ، فحصر مردود ، فإن الذي ذكرهما كذلك هو محمد بن سعد وليس ما يقتضيه صنيعه بحجة على مثل هذا الحديث الصحيح المثبت لشهودهما وقد ذكر هشام بن الكلبي وهو من شيوخ محمد بن سعد أن مرارة شهد بدرا فإنه ساق نسبه إلى الأوس ثم قال : شهد بدرا ، وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم . وقد استقريت أول من أنكر شهودهما بدرا فوجدته الأثرم صاحب الإمام أحمد واسمه أحمد بن محمد بن هانئ ، قال ابن الجوزي : لم أزل متعجبا من هذا الحديث وحريصا على كشف هذا الموضع وتحقيقه حتى رأيت الأثرم ذكر الزهري وفضله وقال : لا يكاد يحفظ عنه غلط إلا في هذا الموضع ، فإنه ذكر أن مرارة وهلالا شهدا بدرا ، وهذا لم يقله أحد ، والغلط لا يخلو منه إنسان . قلت : وهذا ينبني على أن قوله : شهدا بدرا مدرج في الخبر من كلام الزهري ، وفي ثبوت ذلك نظر لا يخفى كما قدمته ، واحتج ابن القيم في الهدي [ ص: 362 ] بأنهما لو شهدا بدرا ما عوقبا بالهجر الذي وقع لهما بل كانا يسامحان بذلك كما سومح حاطب بن أبي بلتعة كما وقع في قصته المشهورة ، قلت : وهو قياس مع وجود النص ، ويمكن الفرق ، وبالله التوفيق والله أعلم . الحديث السابع .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية