الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4064 حدثنا سعيد بن عفير قال حدثني الليث حدثني عقيل عن ابن شهاب ح وحدثني إسحاق حدثنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن أخي ابن شهاب قال محمد بن شهاب وزعم عروة بن الزبير أن مروان والمسور بن مخرمة أخبراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين فسألوه أن يرد إليهم أموالهم وسبيهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم معي من ترونوأحب الحديث إلي أصدقه فاختاروا إحدى الطائفتين إما السبي وإما المال وقد كنت استأنيت بكم وكان أنظرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بضع عشرة ليلة حين قفل من الطائف فلما تبين لهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير راد إليهم إلا إحدى الطائفتين قالوا فإنا نختار سبينا فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسلمين فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإن إخوانكم قد جاءونا تائبين وإني قد رأيت أن أرد إليهم سبيهم فمن أحب منكم أن يطيب ذلك فليفعل ومن أحب منكم أن يكون على حظه حتى نعطيه إياه من أول ما يفيء الله علينا فليفعل فقال الناس قد طيبنا ذلك يا رسول الله فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا لا ندري من أذن منكم في ذلك ممن لم يأذن فارجعوا حتى يرفع إلينا عرفاؤكم أمركم فرجع الناس فكلمهم عرفاؤهم ثم رجعوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبروه أنهم قد طيبوا وأذنوا هذا الذي بلغني عن سبي هوازن [ ص: 628 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 628 ] الحديث الثالث حديث المسور ومروان ، تقدم ذكره من وجهين عن الزهري ، وقد تقدم في أول الشروط في قصة صلح الحديبية أن الزهري رواه عن عروة عن المسور ومروان عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - فدل على أنه في بقية المواضع حيث لا يذكر عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه يرسله ، فإن المسور يصغر عن إدراك القصة ومروان أصغر منه . نعم كان المسور في قصة حنين مميزا ، فقد ضبط في ذلك الأوان قصة خطبة علي لابنة أبي جهل والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( حدثنا ابن أخي ابن شهاب قال محمد بن مسلم بن شهاب ) هو الزهري ، وسقط ابن مسلم من بعض النسخ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وزعم عروة بن الزبير ) هو معطوف على قصة صلح الحديبية ، وقد أخرجه موسى بن عقبة عن الزهري بلفظ " حدثني عروة بن الزبير إلخ " وسيأتي في الأحكام .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قام حين جاءه وفد هوازن مسلمين ) ساق الزهري هذه القصة من هذا الوجه مختصرة ، وقد ساقها موسى بن عقبة في المغازي مطولة ولفظه ثم انصرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الطائف في شوال إلى الجعرانة وبها السبي يعني سبي هوازن ، وقدمت عليه وفد هوازن مسلمين فيهم تسعة نفر من أشرافهم فأسلموا وبايعوا ، ثم كلموه فقالوا : يا رسول الله إن فيمن أصبتم الأمهات والأخوات والعمات والخالات وهن مخازي الأقوام ، فقال : سأطلب لكم ، وقد وقعت المقاسم فأي الأمرين أحب إليكم : السبي أم المال ؟ قالوا : خيرتنا يا رسول الله بين الحسب والمال ، فالحسب أحب إلينا ، ولا نتكلم في شاة ولا بعير . فقال : أما الذي لبني هاشم فهو لكم ، وسوف أكلم لكم المسلمين ، فكلموهم وأظهروا إسلامكم ، فلما صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الهاجرة قاموا فتكلم خطباؤهم فأبلغوا ورغبوا إلى المسلمين في رد سبيهم ، ثم قام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين فرغوا فشفع لهم وحض المسلمين عليه وقال : قد رددت الذي لبني هاشم عليهم . فاستفيد من هذه القصة عدد الوفد وغير ذلك مما لا يخفى . وقد أغفل محمد بن سعد لما ذكر الوفود وفد هوازن هؤلاء مع أنه لم يجمع أحد في الوفود أكثر مما جمع . وممن سمي من وفد هوازن زهير بن صرد كما سيأتي ، وأبو مروان - ويقال : أبو ثروان أوله مثلثة بدل الميم ويقال بموحدة وقاف - وهو عم النبي - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة ، ذكرهابن سعد . وفي رواية ابن إسحاق " حدثني عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " تعيين الذي خطب لهم في ذلك ولفظه " وأدركه وفد هوازن بالجعرانة وقد أسلموا فقالوا : يا رسول الله إنا أهل وعشيرة قد أصابنا من البلاء ما لم يخف عليك ، فامنن علينا من الله عليك . وقام خطيبهم زهير بن صرد فقال : يا رسول الله إن اللواتي في الحظائر من السبايا خالاتك وعماتك وحواضنك اللاتي كن يكفلنك ، وأنت خير مكفول ، ثم أنشده الأبيات المشهورة أولها :

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 629 ]

                                                                                                                                                                                                        امنن علينا رسول الله في كرم فإنك المرء نرجوه وندخر



                                                                                                                                                                                                        يقول فيها :

                                                                                                                                                                                                        امنن على نسوة قد كنت ترضعها إذ فوك تملؤه من محضها الدرر



                                                                                                                                                                                                        ثم ساق القصة نحو سياق موسى بن عقبة . وأورد الطبراني شعر زهير بن صرد من حديثه فزاد على ما أورده ابن إسحاق خمسة أبيات . وقد وقع لنا عاليا جدا في " المعجم الصغير " عشاري الإسناد ، ومن بين الطبراني فيه وزهير لا يعرف ، لكن يقوى حديثه بالمتابعة المذكورة فهو حسن ، وقد بسطت القول فيه في " الأربعين المتباينة " وفي " الأمالي " وفي " الصحابة " وفي " العشرة العشارية " وبينت وهم من زعم أن الإسناد منقطع ، والله الموفق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقد كنت استأنيت بكم ) في رواية الكشميهني " لكم " ومعنى استأنيت استنظرت ، أي أخرت قسم السبي لتحضروا فأبطأتم ، وكان ترك السبي بغير قسمة وتوجه إلى الطائف فحاصرها كما سيأتي ، ثم رجع عنها إلى الجعرانة ثم قسم الغنائم هناك ، فجاءه وفد هوازن بعد ذلك ، فبين لهم أنه أخر القسم ليحضروا فأبطئوا . وقوله : " بضع عشرة ليلة " فيه بيان مدة التأخير . وقوله : " قفل " بفتح القاف والفاء أي رجع . وذكر الواقدي أن وفد هوازن كانوا أربعة وعشرين بيتا فيهم أبو برقان السعدي فقال : يا رسول الله إن في هذه الحظائر إلا أمهاتك وخالاتك وحواضنك ومرضعاتك فامنن علينا من الله عليك . فقال : قد استأنيت بكم حتى ظننت أنكم لا تقدمون ، وقد قسمت السبي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فمن أحب أن يطيب ذلك ) بفتح الطاء المهملة وتشديد الياء التحتانية أي يعطيه عن طيب نفس منه من غير عوض .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( على حظه ) أي بأن يرد السبي بشرط أن يعطى عوضه . ووقع في رواية موسى بن عقبة " فمن أحب منكم أن يعطي غير مكره فليفعل ، ومن كره أن يعطي فعلي فداؤهم " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال الناس : قد طيبنا ذلك ) في رواية موسى بن عقبة " فأعطى الناس ما بأيديهم ، إلا قليلا من الناس سألوا الفداء " وفي رواية عمرو بن شعيب المذكورة فقال المهاجرون : ما كان لنا فهو لرسول الله ، وقالت الأنصار كذلك ، وقال الأقرع بن حابس : أما أنا وبنو تميم فلا . وقال عيينة : أما أنا وبنو فزارة فلا . وقال العباس بن مرداس : أما أنا وبنو سليم فلا ، فقالت بنو سليم : بل ما كان لنا فهو لرسول الله . قال : فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : من تمسك منكم بحقه فله بكل إنسان ست فرائض من أول فيء نصيبه ، فردوا إلى الناس نساءهم وأبناءهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال إنا لا ندري من أذن منكم إلخ ) يأتي الكلام عليه في " باب العرفاء " من كتاب الأحكام إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( هذا الذي بلغني عن سبي هوازن ) بين المصنف في الهبة أن الذي قال هذا إلخ هو الزهري ، قال : وذلك بعد أن خرج هذا الحديث عن يحيى بن بكير عن الليث بسنده .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 630 ] الحديث الرابع .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية