الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4067 حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة عن أبي قتادة قال خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم عام حنين فلما التقينا كانت للمسلمين جولة فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين فضربته من ورائه على حبل عاتقه بالسيف فقطعت الدرع وأقبل علي فضمني ضمة وجدت منها ريح الموت ثم أدركه الموت فأرسلني فلحقت عمر بن الخطاب فقلت ما بال الناس قال أمر الله عز وجل ثم رجعوا وجلس النبي صلى الله عليه وسلم فقال من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه فقلت من يشهد لي ثم جلست قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقمت فقلت من يشهد لي ثم جلست قال ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم مثله فقمت فقال ما لك يا أبا قتادة فأخبرته فقال رجل صدق وسلبه عندي فأرضه مني فقال أبو بكر لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم فيعطيك سلبه فقال النبي صلى الله عليه وسلم صدق فأعطه فأعطانيه فابتعت به مخرفا في بني سلمة فإنه لأول مال تأثلته في الإسلام وقال الليث حدثني يحيى بن سعيد عن عمر بن كثير بن أفلح عن أبي محمد مولى أبي قتادة أن أبا قتادة قال لما كان يوم حنين نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين وآخر من المشركين يختله من ورائه ليقتله فأسرعت إلى الذي يختله فرفع يده ليضربني وأضرب يده فقطعتها ثم أخذني فضمني ضما شديدا حتى تخوفت ثم ترك فتحلل ودفعته ثم قتلته وانهزم المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب في الناس فقلت له ما شأن الناس قال أمر الله ثم تراجع الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم من أقام بينة على قتيل قتله فله سلبه فقمت لألتمس بينة على قتيلي فلم أر أحدا يشهد لي فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رجل من جلسائه سلاح هذا القتيل الذي يذكر عندي فأرضه منه فقال أبو بكر كلا لا يعطه أصيبغ من قريش ويدع أسدا من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله صلى الله عليه وسلم قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فأداه إلي فاشتريت منه خرافا فكان أول مال تأثلته في الإسلام [ ص: 632 ]

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        [ ص: 632 ] الحديث الخامس حديث أبي قتادة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن يحيى بن سعيد ) هو الأنصاري وعمر بن كثير بن أفلح مدني مولى أبي أيوب الأنصاري ، وثقه النسائي وغيره ، وهو تابعي صغير ، ولكن ابن حبان ذكره في أتباع التابعين ، وليس له في البخاري سوى هذا الحديث بهذا الإسناد ، لكن ذكره في مواضع : فتقدم في البيوع مختصرا ، وفي فرض الخمس تاما ، وسيأتي في الأحكام . وقد ذكرت في البيوع أن يحيى بن يحيى الأندلسي حرفه في روايته فقال : عن عمرو بن كثير والصواب : " عمر " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( عن أبي محمد ) هو نافع بن عباس معروف باسمه وكنيته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلما التقينا كانت للمسلمين جولة ) بفتح الجيم وسكون الواو أي حركة فيها اختلاف ، وقد أطلق في رواية الليث الآتية بعدها أنهم انهزموا ، لكن بعد القصة التي ذكرها أبو قتادة ، وقد تقدم في حديث البراء أن الجميع لم ينهزموا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فرأيت رجلا من المشركين قد علا رجلا من المسلمين ) لم أقف على اسمهما .

                                                                                                                                                                                                        ( وقوله : " علا " ) أي ظهر ، وفي رواية الليث التي بعدها " نظرت إلى رجل من المسلمين يقاتل رجلا من المشركين ، وآخر من المشركين يختله " بفتح أوله وسكون الخاء المعجمة وكسر المثناة أي يريد أن يأخذه على غرة ، وتبين من هذه الرواية أن الضمير في قوله في الأولى : " فضربته من ورائه " لهذا الثاني الذي كان يريد أن يختل المسلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( على حبل عاتقه ) حبل العاتق عصبه ، والعاتق موضع الرداء من المنكب ، وعرف منه أن قوله في الرواية الثانية : " فأضرب يده فقطعتها " أن المراد باليد الذراع والعضد إلى الكتف .

                                                                                                                                                                                                        وقوله : " فقطعت الدرع " أي التي كان لابسها وخلصت الضربة إلى يده فقطعتها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وجدت منها ريح الموت ) أي من شدتها ، وأشعر ذلك بأن هذا المشرك كان شديد القوة جدا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم أدركه الموت فأرسلني ) أي أطلقني .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فلحقت عمر ) في السياق حذف بينته الرواية الثانية حيث قال : " فتحلل ودفعته ثم قتلته ، وانهزم [ ص: 633 ] المسلمون وانهزمت معهم فإذا بعمر بن الخطاب " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أمر الله ) أي حكم الله وما قضى به .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم رجعوا ) في الرواية الثانية " ثم تراجعوا " وقد تقدم في الحديث الأول كيفية رجوعهم وهزيمة المشركين بما يغني عن إعادته .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( من قتل قتيلا له عليه بينة فله سلبه ) تقدم شرح ذلك مستوفى في فرض الخمس .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقلت : من يشهد لي ) زاد في الرواية التي تلي هذه " فلم أر أحدا يشهد لي " وذكر الواقدي أن عبد الله بن أنيس شهد له ، فإن كان ضبطه احتمل أن يكون وجده في المرة الثانية فإن في الرواية الثانية " فجلست ثم بدا لي فذكرت أمره " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال رجل ) في الرواية الثانية " من جلسائه " وذكر الواقدي أن اسمه أسود بن خزاعي ، وفيه نظر ؛ لأن في الرواية الصحيحة أن الذي أخذ السلب قرشي .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( صدق ، وسلبه عندي فأرضه منه ) في رواية الكشميهني " فأرضه مني " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فقال أبو بكر الصديق : لاها الله إذا لا يعمد إلى أسد من أسد الله يقاتل عن الله ورسوله فيعطيك سلبه ) هكذا ضبطناه في الأصول المعتمدة من الصحيحين وغيرهما بهذه الأحرف " لاها الله إذا " فأما لاها الله فقال الجوهري : ها للتنبيه وقد يقسم بها يقال : لاها الله ما فعلت كذا ، قال ابن مالك . فيه شاهد على جواز الاستغناء عن واو القسم بحرف التنبيه ، قال : ولا يكون ذلك إلا مع الله أي لم يسمع لاها الرحمن كما سمع لا والرحمن ، قال : وفي النطق بها أربعة أوجه : أحدها ها الله باللام بغير الهاء بغير إظهار شيء من الألفين ، ثانيها مثله لكن بإظهار ألف واحدة بغير همز كقولهم التقت حلقتا البطان ، ثالثها ثبوت الألفين بهمزة قطع ، رابعها بحذف الألف وثبوت همزة القطع ، انتهى كلامه . والمشهور في الراوية من هذه الأوجه الثالث ثم الأول . وقال أبو حاتم السجستاني : العرب تقول لاهأ الله ذا بالهمز ، والقياس ترك الهمز ، وحكى ابن التين عن الداودي أنه روي برفع الله ، قال : والمعنى يأبى الله . وقال غيره : إن ثبتت الرواية بالرفع فتكون " ها " للتنبيه " والله " مبتدأ " ولا يعمد " خبره انتهى . ولا يخفى تكلفه . وقد نقل الأئمة الاتفاق على الجر فلا يلتفت إلى غيره . وأما إذا فثبتت في جميع الروايات المعتمدة والأصول المحققة من الصحيحين وغيرهما بكسر الألف ثم ذال معجمة منونة ، وقال الخطابي : هكذا يروونه ، وإنما هو في كلامهم - أي العرب - لاها الله ذا ، والهاء فيه بمنزلة الواو ، والمعنى لا والله يكون ذا . ونقل عياض في " المشارق " عن إسماعيل القاضي أن المازني قال : قول الرواة : " لاها الله إذا " خطأ ، والصواب لاها الله ذا ، أي ذا يميني وقسمي . وقال أبو زيد : ليس في كلامهم لاها الله إذا ، وإنما هو لاها الله ذا ، وذا صلة في الكلام ، والمعنى : لا والله ، هذا ما أقسم به ، ومنه أخذ الجوهري قال : قولهم : لاها الله ذا معناه : لا والله هذا ، ففرقوا بين حرف التنبيه والصلة ، والتقدير لا والله ما فعلت ذا . وتوارد كثير ممن تكلم على هذا الحديث أن الذي وقع في الخبر بلفظ " إذا " خطأ وإنما هو " ذا " تبعا لأهل العربية ، ومن زعم أنه ورد في شيء من الروايات بخلاف ذلك فلم يصب ، بل يكون ذلك من إصلاح بعض من قلد أهل العربية في ذلك . وقد [ ص: 634 ] اختلف في كتابة " إذا " هذه هل تكتب بألف أو بنون ، وهذا الخلاف مبني على أنها اسم أو حرف فمن قال : هي اسم قال : الأصل فيمن قيل له : سأجيء إليك فأجاب إذا أكرمك أي إذا جئتني أكرمك ثم حذف جئتني وعوض عنها التنوين وأضمرت أن ، فعلى هذا يكتب بالنون . ومن قال : هي حرف - وهم الجمهور - اختلفوا ، فمنهم من قال : هي بسيطة وهو الراجح ، ومنهم من قال : مركبة من إذا وإن ، فعلى الأول تكتب بألف وهو الراجح وبه وقع رسم المصاحف ، وعلى الثاني تكتب بنون ، واختلف في معناها ، قال سيبويه : معناها الجواب والجزاء ، وتبعه جماعة فقالوا : هي حرف جواب يقتضي التعليل . وأفاد أبو علي الفارسي أنها قد تتمحض للجواب ، وأكثر ما تجيء جوابا لـ لو وإن ظاهرا أو مقدرا ، فعلى هذا لو ثبتت الرواية بلفظ " إذا " لاختل نظم الكلام لأنه يصير هكذا : لا والله ، إذا لا يعمد إلى أسد إلخ . وكان حق السياق أن يقول : إذا يعمد ، أي لو أجابك إلى ما طلبت لعمد إلى أسد إلخ ، وقد ثبتت الرواية بلفظ لا يعمد إلخ ، فمن ثم ادعى من ادعى أنها تغيير ، ولكن قال ابن مالك : وقع في الرواية " إذا " بألف وتنوين وليس ببعيد . وقال أبو البقاء : هو بعيد ، ولكن يمكن أن يوجه بأن التقدير : لا والله لا يعطى إذا ، يعني ويكون لا يعمد إلخ تأكيدا للنفي المذكور وموضحا للسبب فيه . وقال الطيبي : ثبت في الرواية " لاها الله إذا " فحمله بعض النحويين على أنه من تغيير بعض الرواة ؛ لأن العرب لا تستعمل لاها الله بدون ذا ، وإن سلم استعماله بدون ذا فليس هذا موضع إذا لأنها حرف جزاء والكلام هنا على نقيضه ، فإن مقتضى الجزاء أن لا يذكر " لا " في قوله : " لا يعمد " بل كان يقول : إذا يعمد إلى أسد إلخ ليصح جوابا لطلب السلب ، قال : والحديث صحيح والمعنى صحيح ، وهو كقولك لمن قال لك : افعل كذا فقلت له : والله إذا لا أفعل ، فالتقدير إذا والله لا يعمد إلى أسد إلخ ، قال : ويحتمل أن يكون " إذا " زائدة كما قال أبو البقاء إنها زائدة في قول الحماسي :


                                                                                                                                                                                                        إذا لقام بنصري معشر خشن



                                                                                                                                                                                                        في جواب قوله : " لو كنت من مازن لم تستبح إبلي " قال : والعجب ممن يعتني بشرح الحديث ويقدم نقل بعض الأدباء على أئمة الحديث وجهابذته وينسبون إليهم الخطأ والتصحيف ، ولا أقول : إن جهابذة المحدثين أعدل وأتقن في النقل إذ يقتضي المشاركة بينهم ، بل أقول : لا يجوز العدول عنهم في النقل إلى غيرهم . قلت : وقد سبقه إلى تقرير ما وقع في الرواية ورد ما خالفها الإمام أبو العباس القرطبي في " المفهم " فنقل ما تقدم عن أئمة العربية ثم قال : وقع في رواية العذري والهوزني في مسلم " لاها الله ذا " بغير ألف ولا تنوين ، وهو الذي جزم به من ذكرناه . قال : والذي يظهر لي أن الرواية المشهورة صواب وليست بخطأ ، وذلك أن هذا الكلام وقع على جواب إحدى الكلمتين للأخرى ، والهاء هي التي عوض بها عن واو القسم ، وذلك أن العرب تقول في القسم : " آلله لأفعلن " بمد الهمزة وبقصرها ، فكأنهم عوضوا عن الهمزة ها فقالوا : " ها الله " لتقارب مخرجيهما ، وكذلك قالوا بالمد والقصر ، وتحقيقه أن الذي مد مع الهاء كأنه نطق بهمزتين أبدل من إحداهما ألفا استثقالا لاجتماعهما كما تقول : آلله والذي قصر كأنه نطق بهمزة واحدة كما تقول : الله ، وأما " إذا " فهي بلا شك حرف جواب وتعليل ، وهي مثل التي وقعت في قوله - صلى الله عليه وسلم - وقد سئل عن بيع الرطب بالتمر فقال : " أينقص الرطب إذا جف ؟ قالوا : نعم . قال : فلا إذا فلو قال : فلا والله إذا لكان مساويا لما وقع هنا وهو قوله : " لاها الله إذا " من كل وجه ; لكنه لم يحتج هناك إلى القسم فتركه ، قال : فقد وضح تقرير الكلام ومناسبته واستقامته معنى ووضعا من غير حاجة إلى تكلف بعيد يخرج عن البلاغة ، ولا سيما من ارتكب أبعد وأفسد فجعل الهاء للتنبيه وذا للإشارة وفصل بينهما بالمقسم به ، قال : وليس هذا قياسا [ ص: 635 ] فيطرد ، ولا فصيحا فيحمل عليه الكلام النبوي ، ولا مرويا برواية ثابتة . قال : وما وجد للعدوي وغيره فإصلاح من اغتر بما حكي عن أهل العربية ، والحق أحق أن يتبع . وقال بعض من أدركناه وهو أبو جعفر الغرناطي نزيل حلب في حاشية نسخته من البخاري : استرسل جماعة من القدماء في هذا الإشكال إلى أن جعلوا المخلص منه أن اتهموا الأثبات بالتصحيف فقالوا : والصواب " لاها الله ذا " باسم الإشارة . قال : ويا عجب من قوم يقبلون التشكيك على الروايات الثابتة ويطلبون لها تأويلا . جوابهم أن ها الله لا يستلزم اسم الإشارة كما قال ابن مالك ، وأما جعل ، " لا يعمد " جواب فأرضه فهو سبب الغلط ، وليس بصحيح ممن زعمه ، وإنما هو جواب شرط مقدر يدل عليه صدق فأرضه ، فكأن أبا بكر قال : إذا صدق في أنه صاحب السلب إذا لا يعمد إلى السلب فيعطيك حقه ، فالجزاء على هذا صحيح لأن صدقه سبب أن لا يفعل ذلك . قال : وهذا واضح لا تكلف فيه انتهى . وهو توجيه حسن . والذي قبله أقعد .

                                                                                                                                                                                                        ويؤيد ما رجحه من الاعتماد على ما ثبتت به الرواية كثرة وقوع هذه الجملة في كثير من الأحاديث ، منها ما وقع في حديث عائشة في قصة بريرة لما ذكرت أن أهلها يشترطون الولاء قالت : فانتهرتها فقلت : " لاها الله إذا " ومنها ما وقع في قصة جليبيب بالجيم والموحدتين مصغرا أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب عليه امرأة من الأنصار إلى أبيها فقال : حتى أستأمر أمها ، قال : فنعم إذا . قال : فذهب إلى امرأته فذكر لها فقالت : لاها الله إذا ، وقد منعناها فلانا الحديث ، صححه ابن حبان من حديث أنس . ومنها ما أخرجه أحمد في " الزهد " قال : " قال مالك بن دينار للحسن : يا أبا سعيد لو لبست مثل عباءتي هذه . قال : لاها الله إذا ألبس مثل عباءتك هذه " وفي " تهذيب الكمال " في ترجمة ابن أبي عتيق " أنه دخل على عائشة في مرضها فقال : كيف أصبحت جعلني الله فداك ؟ قالت : أصبحت ذاهبة . قال : فلا إذا . وكان فيه دعابة " ووقع في كثير من الأحاديث في سياق الإثبات بقسم وبغير قسم ، فمن ذلك في قصة جليبيب ، ومنها حديث عائشة في قصة صفية لما قال - صلى الله عليه وسلم - : " أحابستنا هي ؟ وقال : إنها طافت بعد ما أفاضت فقال : فلتنفر إذا " وفي رواية " فلا إذا " ومنها حديث عمرو بن العاص وغيره في سؤاله عن أحب الناس " فقال : عائشة . فقال : لم أعن النساء ؟ قال : فأبوها إذا " ومنها حديث ابن عباس في قصة الأعرابي الذي أصابته الحمى فقال : " بل حمى تفور ، على شيخ كبير ، تزيره القبور . قال : فنعم إذا " ومنها ما أخرجه الفاكهي من طريق سفيان قال : " لقيت ليطة بن الفرزدق فقلت : أسمعت هذا الحديث من أبيك ؟ قال : أي ها الله إذا ، سمعت أبي يقوله " فذكر القصة .

                                                                                                                                                                                                        ومنها ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج قال : " قلت لعطاء : أرأيت لو أني فرغت من صلاتي فلم أرض كمالها ، أفلا أعود لها ؟ قال : بلى ها الله إذا " والذي يظهر من تقدير الكلام بعد أن تقرر أن " إذا " حرف جواب وجزاء أنه كأنه قال : إذا والله أقول لك : نعم ، وكذا في النفي كأنه أجابه بقوله : إذا والله لا نعطيك ، إذا والله لا أشترط ، إذا والله لا ألبس ، وأخر حرف الجواب في الأمثلة كلها . وقد قال ابن جريج في قوله تعالى : أم لهم نصيب من الملك فإذا لا يؤتون الناس نقيرا : فلا يؤتون الناس إذا ، وجعل ذلك جوابا عن عدم النصيب بها ، مع أن الفعل مستقبل وذكر أبو موسى المديني في " المغيث " له في قوله تعالى : وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا " إذا " قيل : هو اسم بمعنى الحروف الناصبة وقيل : أصله إذا الذي هو من ظروف الزمان وإنما نون للفرق ومعناه حينئذ أي إن أخرجوك من مكة ، فحينئذ لا يلبثون خلفك إلا قليلا . وإذا تقرر ذلك أمكن حمل ما ورد من هذه الأحاديث عليه فيكون التقدير : لا والله حينئذ . ثم أراد بيان السبب في ذلك فقال : لا يعمد [ ص: 636 ] إلخ والله أعلم . وإنما أطلت في هذا الموضع لأنني منذ طلبت الحديث ووقفت على كلام الخطابي وقعت عندي منه نفرة للإقدام على تخطئة الروايات الثابتة ، خصوصا ما في الصحيحين ، فما زلت أتطلب المخلص من ذلك إلى أن ظفرت بما ذكرته ، فرأيت إثباته كله هنا ، والله الموفق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( لا يعمد إلخ ) أي لا يقصد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى رجل كأنه أسد في الشجاعة يقاتل عن دين الله ورسوله فيأخذ حقه ويعطيكه بغير طيبة من نفسه ، هكذا ضبط للأكثر بالتحتانية فيه وفي يعطيك ، وضبطه النووي بالنون فيهما .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيعطيك سلبه ) أي سلب قتيله فأضافه إليه باعتبار أنه ملكه .

                                                                                                                                                                                                        ( تنبيه ) : وقع في حديث أنس أن الذي خاطب النبي - صلى الله عليه وسلم - بذلك عمر أخرجه أحمد من طريق حماد بن سلمة عن إسحاق بن أبي طلحة عنه ولفظه " إن هوازن جاءت يوم حنين " فذكر القصة قال : فهزم الله المشركين ، فلم يضرب بسيف ولم يطعن برمح ، وقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يومئذ : من قتل كافرا فله سلبه ، فقتل أبو طلحة يومئذ عشرين رجلا وأخذ أسلابهم . وقال أبو قتادة : إني ضربت رجلا على حبل العاتق وعليه درع فأعجلت عنه ، فقام رجل فقال : أخذتها فأرضه منها ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسأل شيئا إلا أعطاه أو سكت ، فسكت . فقال عمر . والله لا يفيئها الله على أسد من أسده ويعطيكها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : صدق عمر وهذا الإسناد قد أخرج به مسلم بعض هذا الحديث وكذلك أبو داود ، لكن الراجح أن الذي قال ذلك أبو بكر كما رواه أبو قتادة وهو صاحب القصة فهو أتقن لما وقع فيها من غيره . ويحتمل الجمع بأن يكون عمر أيضا قال ذلك تقوية لقول أبي بكر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( صدق ) أي القائل : ( فأعطه ) بصيغة الأمر للذي اعترف بأن السلب عنده .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فابتعت به ) ذكر الواقدي أن الذي اشتراه منه حاطب بن أبي بلتعة وأن الثمن كان سبع أواق .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( مخرفا ) بفتح الميم والراء ويجوز كسر الراء أي بستانا ، سمي بذلك لأنه يخترف منه التمر أي يجتنى ، وأما بكسر الميم فهو اسم الآلة التي يخترف بها ، وفي الرواية التي بعدها " خرافا " وهو بكسر أوله وهو التمر الذي يخترف أي يجتنى ، وأطلقه على البستان مجازا فكأنه قال : بستان خراف . وذكر الواقدي أن البستان المذكور كان يقال له : الوديين .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في بني سلمة ) بكسر اللام هم بطن من الأنصار وهم قوم أبي قتادة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تأثلته ) بمثناة ثم مثلثة أي أصلته ، وأثلة كل شيء أصله . وفي رواية ابن إسحاق " أول مال اعتقدته " أي جعلته عقدة ، والأصل فيه من العقد لأن من ملك شيئا عقد عليه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وقال الليث : حدثني يحيى بن سعيد ) هو الأنصاري شيخ مالك فيه ، وروايته هذه وصلها المصنف في الأحكام عن قتيبة عنه لكن باختصار وقال فيه : " عن يحيى " لم يقل : حدثني ، وذكر في آخره كلمة قال فيها : " قال لي عبد الله : حدثنا الليث " يعني بالإسناد المذكور ، وعبد الله هو ابن صالح كاتب الليث ، وأكثر ما يعلقه البخاري [ ص: 637 ] عن الليث ما أخذه عن عبد الله بن صالح المذكور ، وقد أشبع القول في ذلك في المقدمة ، وقد وصل الإسماعيلي هذا الحديث من طريق حجاج بن محمد عن الليث قال : " حدثني يحيى بن سعيد " وذكره بتمامه .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تخوفت ) حذف المفعول والتقدير : الهلاك .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ثم برك ) كذا للأكثر بالموحدة . ولبعضهم بالمثناة أي تركني ، وفي رواية الإسماعيلي " ثم نزف " بضم النون وكسر الزاي بعدها فاء ويؤيده قوله بعدها " فتحلل " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( سلاح هذا القتيل الذي يذكر ) في رواية الكشميهني " الذي ذكره " وتبين بهذه الرواية أن سلبه كان سلاحا .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أصيبغ ) بمهملة ثم معجمة عند القابسي ، وبمعجمة ثم مهملة عند أبي ذر ، وقال ابن التين : وصفه بالضعف والمهانة ، والأصيبغ نوع من الطير ، أو شبهه بنبات ضعيف يقال له الصبغاء إذا طلع من الأرض يكون أول ما يلي الشمس منه أصفر ، ذكر ذلك الخطابي ، وعلى هذا رواية القابسي ، وعلى الثاني تصغير الضبع على غير قياس ، كأنه لما عظم أبا قتادة بأنه أسد صغر خصمه وشبهه بالضبع لضعف افتراسه وما يوصف به من العجز ، وقال ابن مالك : أضيبع بمعجمة وعين مهملة تصغير أضبع ويكنى به عن الضعيف .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( ويدع ) أي يترك وهو بالرفع ويجوز النصب والجر .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية