الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1363 حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عبد الله بن نمير ح وحدثنا ابن نمير حدثنا أبي حدثنا عثمان بن حكيم حدثني عامر بن سعد عن أبيه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إني أحرم ما بين لابتي المدينة أن يقطع عضاهها أو يقتل صيدها وقال المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة وحدثنا ابن أبي عمر حدثنا مروان بن معاوية حدثنا عثمان بن حكيم الأنصاري أخبرني عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ثم ذكر مثل حديث ابن نمير وزاد في الحديث ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة ) قال أهل اللغة : ( اللأواء ) بالمد : الشدة والجوع ، وأما الجهد : فهو المشقة وهو بفتح الجيم ، وفي لغة قليلة بضمها .

                                                                                                                وأما الجهد بمعنى الطاقة فبضمها على المشهور ، وحكي فتحها . وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إلا كنت له شفيعا أو شهيدا ) فقال القاضي عياض - رحمه الله - : سألت قديما عن معنى هذا الحديث ولم خص ساكن المدينة بالشفاعة هنا مع عموم شفاعته وإدخاره إياها لأمته ؟ قال : وأجيب عنه بجواب شاف مقنع في أوراق اعترف بصوابه كل واقف عليه ، قال : وأذكر منه هنا لمعا تليق بهذا الموضع ، قال بعض شيوخنا : ( أو ) هنا للشك ، والأظهر عندنا أنها ليست للشك ؛ لأن هذا الحديث رواه جابر بن عبد الله وسعد بن أبي وقاص وابن عمر وأبو سعيد وأبو هريرة وأسماء بنت عميس وصفية بنت أبي عبيد عن النبي صلى الله عليه وسلم بهذا اللفظ ، ويبعد اتفاق جميعهم أو رواتهم على الشك وتطابقهم فيه على صيغة واحدة ، بل الأظهر أنه قاله صلى الله عليه وسلم هكذا ، فإما أن يكون أعلم بهذه الجملة هكذا ، وإما أن يكون ( أو ) للتقسيم ، ويكون شهيدا لبعض أهل المدينة وشفيعا لبقيتهم ، إما شفيعا للعاصين وشهيدا للمطيعين ، وإما شهيدا لمن مات في حياته ، وشفيعا لمن مات بعده ، أو غير ذلك ، قال القاضي : وهذه خصوصية زائدة على الشفاعة للمذنبين أو للعالمين في القيامة ، وعلى شهادته على جميع الأمة ، وقد قال صلى الله عليه وسلم في شهداء أحد : " أنا شهيد على هؤلاء " فيكون لتخصيصهم بهذا كله مزيد أو زيادة منزلة وحظوة . قال : وقد يكون ( أو ) بمعنى ( الواو ) فيكون لأهل المدينة شفيعا وشهيدا .

                                                                                                                قال : وقد روي ( إلا كنت له شهيدا أو له شفيعا ) قال : وإذا جعلنا ( أو ) للشك كما قاله المشايخ ، فإن كانت اللفظة الصحيحة ( شهيدا ) اندفع الاعتراض ، لأنها زائدة على الشفاعة المدخرة المجردة لغيره ، وإن كانت اللفظة الصحيحة ( شفيعا ) فاختصاص أهل المدينة بهذا مع ما جاء من عمومها ، وادخارها لجميع الأمة أن [ ص: 493 ] هذه شفاعة أخرى غير العامة التي هي لإخراج أمته من النار ، ومعافاة بعضهم منها بشفاعته صلى الله عليه وسلم في القيامة ، وتكون هذه الشفاعة لأهل المدينة بزيادة الدرجات ، أو تخفيف الحساب ، أو بما شاء الله من ذلك ، أو بإكرامهم يوم القيامة بأنواع من الكرامة ، كإيوائهم إلى ظل العرش ، أو كونهم في روح وعلى منابر ، أو الإسراع بهم إلى الجنة ، أو غير ذلك من خصوص الكرامات الواردة لبعضهم دون بعض . والله أعلم .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه ) قال القاضي : اختلفوا في هذا ، فقيل : هو مختص بمدة حياته صلى الله عليه وسلم ، وقال آخرون : هو عام أبدا ، وهذا أصح .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( ولا يريد أحد أهل المدينة بسوء إلا أذابه الله في النار ذوب الرصاص أو ذوب الملح في الماء ) قال القاضي : هذه الزيادة وهي قوله : ( في النار ) تدفع إشكال الأحاديث التي لم تذكر فيها هذه الزيادة ، وتبين أن هذا حكمه في الآخرة ، قال : وقد يكون المراد به : من أرادها في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كفي المسلمون أمره واضمحل كيده كما يضمحل الرصاص في النار ، قال : وقد يكون في اللفظ تأخير وتقديم ، أي أذابه الله ذوب الرصاص في النار ، ويكون ذلك لمن أرادها في الدنيا فلا يمهله الله ، ولا يمكن له سلطان ، بل يذهبه عن قرب كما انقضى شأن من حاربها أيام بني أمية ، مثل مسلم بن عقبة فإنه هلك في منصرفه عنها ، ثم هلك يزيد بن معاوية مرسله على أثر ذلك ، وغيرهما ممن صنع صنيعهما ، قال : وقيل : قد يكون المراد من كادها اغتيالا وطلبا لغرتها في غفلة ، فلا يتم له أمره ، بخلاف من أتى ذلك جهارا كأمراء استباحوها .




                                                                                                                الخدمات العلمية