الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                1912 حدثنا خلف بن هشام حدثنا حماد بن زيد عن يحيى بن سعيد عن محمد بن يحيى بن حبان عن أنس بن مالك عن أم حرام وهي خالة أنس قالت أتانا النبي صلى الله عليه وسلم يوما فقال عندنا فاستيقظ وهو يضحك فقلت ما يضحكك يا رسول الله بأبي أنت وأمي قال أريت قوما من أمتي يركبون ظهر البحر كالملوك على الأسرة فقلت ادع الله أن يجعلني منهم قال فإنك منهم قالت ثم نام فاستيقظ أيضا وهو يضحك فسألته فقال مثل مقالته فقلت ادع الله أن يجعلني منهم قال أنت من الأولين قال فتزوجها عبادة بن الصامت بعد فغزا في البحر فحملها معه فلما أن جاءت قربت لها بغلة فركبتها فصرعتها فاندقت عنقها وحدثناه محمد بن رمح بن المهاجر ويحيى بن يحيى قالا أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد عن ابن حبان عن أنس بن مالك عن خالته أم حرام بنت ملحان أنها قالت نام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما قريبا مني ثم استيقظ يتبسم قالت فقلت يا رسول الله ما أضحكك قال ناس من أمتي عرضوا علي يركبون ظهر هذا البحر الأخضر ثم ذكر نحو حديث حماد بن زيد وحدثني يحيى بن أيوب وقتيبة وابن حجر قالوا حدثنا إسمعيل وهو ابن جعفر عن عبد الله بن عبد الرحمن أنه سمع أنس بن مالك يقول أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة ملحان خالة أنس فوضع رأسه عندها وساق الحديث بمعنى حديث إسحق بن أبي طلحة ومحمد بن يحيى بن حبان [ ص: 52 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 52 ] قوله صلى الله عليه وسلم : ( كالملوك على الأسرة ) قيل : هو صفة لهم في الآخرة إذا دخلوا الجنة ، والأصح أنه صفة لهم في الدنيا ، أي : يركبون مراكب الملوك لسعة حالهم ، واستقامة أمرهم ، وكثرة عددهم .

                                                                                                                قولها : في المرة الثانية : ( ادع الله أن يجعلني منهم وكان دعا لها في الأولى قال : أنت من الأولين ) هذا دليل على أن رؤياه الثانية غير الأولى ، وأنه عرض فيها غير الأولين . وفيه : معجزات للنبي صلى الله عليه وسلم منها إخباره ببقاء أمته بعده ، وأنه تكون لهم شوكة وقوة وعدد ، وأنهم يغزون وأنهم يركبون البحر ، وأن أم حرام تعيش إلى ذلك الزمان ، وأنها تكون معهم ، وقد وجد بحمد الله تعالى كل ذلك . وفيه : فضيلة لتلك الجيوش ، وأنهم غزاة في سبيل الله . واختلف العلماء متى جرت الغزوة التي توفيت فيها أم حرام في البحر ؟ وقد ذكر في هذه الرواية في مسلم أنها ركبت البحر في زمان معاوية ، فصرعت عن دابتها فهلكت ، قال القاضي : قال أكثر أهل السير والأخبار : إن ذلك كان في خلافة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - وأن فيها ركبت أم حرام وزوجها إلى قبرس فصرعت عن دابتها هناك ، فتوفيت ودفنت هناك ، وعلى هذا يكون قوله : ( في زمان معاوية ) معناه : في زمان غزوه في البحر لا في أيام خلافته ، قال : وقيل : بل كان ذلك في خلافته ، قال : وهو أظهر في دلالة قوله في زمانه ، وفي هذا الحديث : جواز ركوب البحر للرجال والنساء ، وكذا قاله الجمهور ، وكره مالك ركوبه للنساء ؛ لأنه لا يمكنهن غالبا التستر فيه ، ولا غض البصر عن المتصرفين فيه ، ولا يؤمن انكشاف عوراتهن في تصرفهن لا سيما فيما صغر من السفيان ، مع ضرورتهن إلى قضاء الحاجة بحضرة الرجال . قال القاضي - رحمه الله تعالى - : وروي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز - رضي الله عنهما - منع ركوبه ، وقيل : إنما منعه العمران للتجارة ، وطلب الدنيا ، لا للطاعات ، وقد روي عنابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم النهي عن ركوب البحر إلا لحاج أو معتمر أو غاز ، وضعف أبو داود هذا الحديث ، وقال : رواته مجهولون . واستدل بعض العلماء بهذا الحديث على أن القتال في سبيل الله تعالى والموت فيه سواء في الأجر ؛ لأن أم حرام ماتت ولم [ ص: 53 ] تقتل ، ولا دلالة فيه لذلك ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم لم يقل : إنهم شهداء ، إنما يغزون في سبيل الله ، ولكن قد ذكر مسلم في الحديث الذي بعد هذا بقليل حديث زهير بن حرب من رواية أبي هريرة " من قتل في سبيل الله فهو شهيد ، ومن مات في سبيل الله فهو شهيد " . وهو موافق لمعنى قول الله تعالى : ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله .

                                                                                                                قوله في الرواية الأولى : ( وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت ، فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأطعمته ) وقال في الرواية الأخرى : ( فتزوجها عبادة بن الصامت بعد ) فظاهر الرواية الأولى أنها كانت زوجة لعبادة حال دخول النبي صلى الله عليه وسلم إليها ، ولكن الرواية الثانية صريحة في أنه إنما تزوجها بعد ذلك ، فتحمل الأولى على موافقة الثانية ، ويكون قد أخبر عما صار حالا لها بعد ذلك .

                                                                                                                قوله : ( وحدثنا محمد بن رمح بن المهاجر أخبرنا الليث عن يحيى بن سعيد ) هكذا هو في نسخ بلادنا ، ونقل القاضي عن بعض نسخهم : حدثنا محمد بن رمح ، ويحيى بن يحيى أخبرنا الليث ، فزاد يحيى بن يحيى مع محمد بن رمح .




                                                                                                                الخدمات العلمية