الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2125 حدثنا إسحق بن إبراهيم وعثمان بن أبي شيبة واللفظ لإسحق أخبرنا جرير عن منصور عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله قال لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله قال فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب وكانت تقرأ القرآن فأتته فقالت ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله فقال عبد الله وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله فقالت المرأة لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله عز وجل وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا فقالت المرأة فإني أرى شيئا من هذا على امرأتك الآن قال اذهبي فانظري قال فدخلت على امرأة عبد الله فلم تر شيئا فجاءت إليه فقالت ما رأيت شيئا فقال أما لو كان ذلك لم نجامعها حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار قالا حدثنا عبد الرحمن وهو ابن مهدي حدثنا سفيان ح وحدثنا محمد بن رافع حدثنا يحيى بن آدم حدثنا مفضل وهو ابن مهلهل كلاهما عن منصور في هذا الإسناد بمعنى حديث جرير غير أن في حديث سفيان الواشمات والمستوشمات وفي حديث مفضل الواشمات والموشومات وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن المثنى وابن بشار قالوا حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن منصور بهذا الإسناد الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم مجردا عن سائر القصة من ذكر أم يعقوب وحدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير يعني ابن حازم حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله عن النبي صلى الله عليه وسلم بنحو حديثهم [ ص: 288 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 288 ] قوله : ( لعن الله الواشمات والمستوشمات والنامصات والمتنمصات والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله ) .

                                                                                                                أما ( الواشمة ) بالشين المعجمة ففاعلة الوشم ، وهي أن تغرز إبرة أو مسلة أو نحوهما في ظهر الكف أو المعصم أو الشفة أو غير ذلك من بدن المرأة حتى يسيل الدم ، ثم تحشو ذلك الموضع بالكحل أو النورة ، فيخضر ، وقد يفعل ذلك بدارات ونقوش ، وقد تكثره وقد تقلله ، وفاعلة هذا واشمة ، وقد وشمت تشم وشما ، والمفعول بها موشومة . فإن طلبت فعل ذلك بها فهي مستوشمة ، وهو حرام على الفاعلة والمفعول بها باختيارها ، والطالبة له ، وقد يفعل بالبنت وهي طفلة فتأثم الفاعلة ، ولا تأثم البنت لعدم تكليفها حينئذ .

                                                                                                                قال أصحابنا : هذا الموضع الذي وشم يصير نجسا ، فإن أمكن إزالته بالعلاج وجبت إزالته ، وإن لم يمكن إلا بالجرح ، فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شيئا فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته ، فإذا بان لم يبق عليه إثم ، وإن لم يخف شيئا من ذلك ونحوه لزمه إزالته ، ويعصي بتأخيره . وسواء في هذا كله الرجل والمرأة . والله أعلم .

                                                                                                                وأما ( النامصة ) بالصاد المهملة فهي التي تزيل الشعر من الوجه ، والمتنمصة التي تطلب فعل ذلك بها ، وهذا الفعل حرام إلا إذا نبتت للمرأة لحية أو شوارب ، فلا تحرم إزالتها ، بل يستحب عندنا . وقال ابن جرير : لا يجوز حلق لحيتها ولا عنفقتها ولا شاربها ، ولا تغيير شيء من خلقتها بزيادة ولا نقص .

                                                                                                                ومذهبنا ما قدمناه من استحباب إزالة اللحية والشارب والعنفقة ، وأن النهي إنما هو في الحواجب وما في أطراف الوجه . ورواه بعضهم ( المنتمصة ) بتقديم النون ، والمشهور تأخيرها ، ويقال للمنقاش منماص بكسر الميم .

                                                                                                                وأما ( المتفلجات ) بالفاء والجيم ، والمراد مفلجات الأسنان بأن تبرد ما بين أسنانها الثنايا والرباعيات ، وهو من الفلج بفتح الفاء واللام ، وهي فرجة بين الثنايا والرباعيات ، وتفعل ذلك العجوز ومن قاربتها في السن إظهارا للصغر وحسن الأسنان ، لأن هذه الفرجة اللطيفة بين الأسنان تكون للبنات الصغار ، فإذا عجزت المرأة كبرت سنها وتوحشت فتبردها بالمبرد لتصير لطيفة حسنة المنظر ، وتوهم كونها صغيرة ، ويقال له أيضا الوشر ، ومنه لعن الواشرة والمستوشرة ، وهذا الفعل [ ص: 289 ] حرام على الفاعلة والمفعول بها لهذه الأحاديث ، ولأنه تغيير لخلق الله تعالى ، ولأنه تزوير ولأنه تدليس .

                                                                                                                وأما قوله : ( المتفلجات للحسن ) فمعناه يفعلن ذلك طلبا للحسن ، وفيه إشارة إلى أن الحرام هو المفعول لطلب الحسن ، أما لو احتاجت إليه لعلاج أو عيب في السن ونحوه فلا بأس والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( لو كان ذلك لم نجامعها ) قال جماهير العلماء : معناه لم نصاحبها ، ولم نجتمع نحن وهي ، بل كنا نطلقها ونفارقها . قال القاضي : ويحتمل أن معناه لم أطأها ، وهذا ضعيف ، والصحيح ما سبق ، فيحتج به في أن من عنده امرأة مرتكبة معصية كالوصل أو ترك الصلاة أو غيرهما ينبغي له أن يطلقها . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( حدثنا شيبان بن فروخ حدثنا جرير حدثنا الأعمش عن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله [ ص: 290 ] عن النبي صلى الله عليه وسلم ) هذا الإسناد مما استدركه الدارقطني على مسلم ، وقال : الصحيح عن الأعمش إرساله . قال : ولم يسنده عنه غير جرير ، وخالفه أبو معاوية وغيره فرووه عن الأعمش عن إبراهيم مرسلا .

                                                                                                                قال : والمتن صحيح من رواية منصور عن إبراهيم يعني كما ذكره في الطرق السابقة ، وهذا الإسناد فيه أربعة تابعيون بعضهم عن بعض ، وهم جرير والأعمش وإبراهيم وعلقمة ، وقد رأى جرير رجلا من الصحابة ، وسمع أبا الطفيل ، وهو صحابي والله أعلم .




                                                                                                                الخدمات العلمية