الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                2107 حدثنا يحيى بن يحيى قال قرأت على مالك عن نافع عن القاسم بن محمد عن عائشة أنها اشترت نمرقة فيها تصاوير فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم قام على الباب فلم يدخل فعرفت أو فعرفت في وجهه الكراهية فقالت يا رسول الله أتوب إلى الله وإلى رسوله فماذا أذنبت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما بال هذه النمرقة فقالت اشتريتها لك تقعد عليها وتوسدها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن أصحاب هذه الصور يعذبون ويقال لهم أحيوا ما خلقتم ثم قال إن البيت الذي فيه الصور لا تدخله الملائكة وحدثناه قتيبة وابن رمح عن الليث بن سعد ح وحدثنا إسحق بن إبراهيم أخبرنا الثقفي حدثنا أيوب ح وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد حدثنا أبي عن جدي عن أيوب ح وحدثنا هارون بن سعيد الأيلي حدثنا ابن وهب أخبرني أسامة بن زيد ح وحدثني أبو بكر بن إسحق حدثنا أبو سلمة الخزاعي أخبرنا عبد العزيز بن أخي الماجشون عن عبيد الله بن عمر كلهم عن نافع عن القاسم عن عائشة بهذا الحديث وبعضهم أتم حديثا له من بعض وزاد في حديث ابن أخي الماجشون قالت فأخذته فجعلته مرفقتين فكان يرتفق بهما في البيت [ ص: 274 ]

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                [ ص: 274 ] قوله : ( اشتريت نمرقة ) هي بضم النون والراء ، ويقال : بكسرهما ، ويقال : بضم النون وفتح الراء ، ثلاث لغات ، ويقال : ( نمرق ) بلا هاء ، وهي وسادة صغيرة ، وقيل : هي مرفقة .

                                                                                                                قوله صلى الله عليه وسلم : ( إن أصحاب هذه الصور يعذبون ، ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ) . وفي الرواية السابقة : ( أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله تعالى ) وفي رواية : ( الذين يصنعون [ ص: 275 ] الصور يعذبون يوم القيامة ، يقال لهم : أحيوا ما خلقتم ) وفي رواية ابن عباس : ( كل مصور في النار يجعل له بكل صورة صورها نفسا فتعذبه في جهنم ) وفي رواية : ( من صور صورة في الدنيا كلف أن ينفخ فيها الروح يوم القيامة وليس بنافخ ) .

                                                                                                                وفي رواية : ( قال الله تعالى ، ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي ، فليخلقوا ذرة ، أو ليخلقوا حبة ، أو ليخلقوا شعيرة ) .

                                                                                                                وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( ويقال لهم : أحيوا ما خلقتم ) فهو الذي يسميه الأصوليون أمر تعجيز كقوله تعالى : قل فأتوا بعشر سور مثله . وأما قوله في رواية ابن عباس : ( يجعل له ) فهو بفتح الياء من ( يجعل ) والفاعل هو الله تعالى ، أضمر للعلم به .

                                                                                                                قال القاضي في رواية ابن عباس : تحتمل أن معناها أن الصورة التي صورها هي تعذبه ، بعد أن يجعل فيها روح ، وتكون الباء في ( بكل ) بمعنى في ، قال : ويحتمل أن يجعل له بعدد كل صورة ومكانها شخص يعذبه ، وتكون الباء بمعنى لام السبب .

                                                                                                                وهذه الأحاديث صريحة في تحريم تصوير الحيوان ، وأنه غليظ التحريم ، وأما الشجر ونحوه مما لا روح فيه فلا تحرم صنعته ، ولا التكسب به ، وسواء الشجر المثمر وغيره ، وهذا مذهب العلماء كافة إلا مجاهدا فإنه جعل الشجر المثمر من المكروه .

                                                                                                                قال القاضي : لم يقله أحد غير مجاهد ، واحتج مجاهد بقوله تعالى : " ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي " واحتج الجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم : ( ويقال لهم [ ص: 276 ] أحيوا ما خلقتم ) أي اجعلوه حيوانا ذا روح كما ضاهيتم ، وعليه رواية : ( ومن أظلم ممن ذهب يخلق خلقا كخلقي ) ويؤيده حديث ابن عباس رضي الله عنه المذكور في الكتاب : ( إن كنت لا بد فاعلا فاصنع الشجر ، وما لا نفس له ) .




                                                                                                                الخدمات العلمية