الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                          صفحة جزء
                                                                                                          2495 حدثنا هناد حدثنا أبو الأحوص عن ليث عن شهر بن حوشب عن عبد الرحمن بن غنم عن أبي ذر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول الله تعالى يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فسلوني الهدى أهدكم وكلكم فقير إلا من أغنيت فسلوني أرزقكم وكلكم مذنب إلا من عافيت فمن علم منكم أني ذو قدرة على المغفرة فاستغفرني غفرت له ولا أبالي ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أتقى قلب عبد من عبادي ما زاد ذلك في ملكي جناح بعوضة ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا على أشقى قلب عبد من عبادي ما نقص ذلك من ملكي جناح بعوضة ولو أن أولكم وآخركم وحيكم وميتكم ورطبكم ويابسكم اجتمعوا في صعيد واحد فسأل كل إنسان منكم ما بلغت أمنيته فأعطيت كل سائل منكم ما سأل ما نقص ذلك من ملكي إلا كما لو أن أحدكم مر بالبحر فغمس فيه إبرة ثم رفعها إليه ذلك بأني جواد ماجد أفعل ما أريد عطائي كلام وعذابي كلام إنما أمري لشيء إذا أردته أن أقول له كن فيكون قال هذا حديث حسن وروى بعضهم هذا الحديث عن شهر بن حوشب عن معدي كرب عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه [ ص: 166 ]

                                                                                                          التالي السابق


                                                                                                          [ ص: 166 ] قوله : ( يا عبادي ) قال الطيبي : الخطاب للثقلين لتعاقب التقوى والفجور فيهم ، ويحتمل أن يعم الملائكة فيكون ذكرهم مدرجا في الجن لشمول الاجتنان لهم وتوجه هذا الخطاب لا يتوقف على صدور الفجور ولا على إمكانه انتهى . قلت : والظاهر هو الاحتمال الأول ( إلا من هديت ) قيل المراد به وصفهم بما كانوا عليه قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- لا أنهم خلقوا في الضلالة . والأظهر أن يراد أنهم لو تركوا بما في طباعهم لضلوا ، وهذا معنى قوله عليه الصلاة والسلام : إن الله خلق الخلق في ظلمة ثم رش عليهم من نوره . وهو لا ينافي قوله عليه الصلاة والسلام : ( كل مولود يولد على الفطرة ) ، فإن المراد بالفطرة التوحيد والمراد بالضلالة جهالة تفصيل أحكام الإيمان وحدود الإسلام ومنه قوله تعالى : ووجدك ضالا ( وكلكم مذنب ) قيل أي كلكم يتصور منه الذنب ( إلا من عافيت ) أي من الأنبياء والأولياء ، أي عصمت وحفظت ، وإنما قال عافيت تنبيها على أن الذنب مرض ذاتي ، وصحتهعصمة الله تعالى وحفظه منه أو كلكم مذنب بالفعل . وذنب كل بحسب مقامه إلا من عافيته بالمغفرة والرحمة والتوبة .

                                                                                                          ( ولا أبالي ) أي لا أكترث ( ولو أن أولكم وآخركم ) يراد به الإحاطة والشمول ( وحيكم وميتكم ) تأكيد لإرادة الاستيعاب كقوله : ( ورطبكم ويابسكم ) أي شبابكم وشيوخكم أو عالمكم وجاهلكم أو مطيعكم وعاصيكم . قال الطيبي : هما عبارتان عن الاستيعاب التام كما في قوله تعالى : ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين والإضافة إلى ضمير المخاطبين تقتضي أن يكون الاستيعاب في نوع الإنسان فيكون تأكيدا للشمول بعد تأكيد الاستيعاب وتقريرا بعد تقرير انتهى ( اجتمعوا على أتقى قلب عبد من عبادي ) وهو نبينا -صلى الله عليه وسلم- ( ما زاد ذلك ) أي الاجتماع ( اجتمعوا على أشقى قلب عبد [ ص: 167 ] من عبادي ) وهو إبليس اللعين ( اجتمعوا في صعيد واحد ) أي أرض واسعة مستوية ( ما بلغت أمنيته ) بضم الهمزة وكسر النون وتشديد الياء ، أي مشتهاه وجمعها المنى والأماني ، يعني كل حاجة تخطر بباله ( ما نقص ذلك ) أي الإعطاء أو قضاء حوائجهم ( فغمس ) بفتح الميم أي أدخل ( إبرة ) بكسر الهمزة وسكون الموحدة وهي المخيط ( ذلك ) أي عدم نقص ذلك من ملكي ( بأني جواد ) أي كثير الجود ( واجد ) هو الذي يجد ما يطلبه ويريده وهو الواجد المطلق لا يفوته شيء ( ماجد ) هو بمعنى المجيد ، كالعالم بمعنى العليم من المجد وهو سعة الكرم ( إنما أمري لشيء إذا أردت أن أقول له كن فيكون ) بالرفع والنصب ، أي من غير تأخير عن أمري . وهذا تفسير لقوله : ( عطائي كلام وعذابي كلام ) . قال القاضي يعني ما أريد إيصاله إلى عبد من عطاء أو عذاب لا أفتقر إلى كد ومزاولة عمل بل يكفي لحصوله ووصوله تعلق الإرادة به و " كن " من " كان " التامة أي احدث فيحدث .

                                                                                                          قوله : ( هذا حديث حسن ) وأخرجه أحمد وابن ماجه ، وروى مسلم نحوه بزيادة ونقص .




                                                                                                          الخدمات العلمية