الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      وقال يونس ، عن ابن شهاب ، حدثني عروة ، قال : قالت عائشة : إن هند بنت عتبة بن ربيعة ، قالت : يا رسول الله ، ما كان مما على ظهر الأرض أخباء أو خباء أحب إلي أن يذلوا من أهل خبائك ، ثم ما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل [ ص: 186 ] خبائك . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأيضا ، والذي نفس محمد بيده " قالت : يا رسول الله ، إن أبا سفيان رجل ممسك - أو قالت : مسيك - فهل علي من حرج أن أطعم من الذي له ؟ قال : " لا ، إلا بالمعروف " أخرجه البخاري .

                                                                                      وأخرجاه ، من حديث شعيب بن أبي حمزة ، عن الزهري وعنده : فهل علي حرج أن أطعم من الذي له عيالنا . قال : لا عليك أن تطعميهم بالمعروف .

                                                                                      وقال الفريابي : حدثنا يونس ، عن ابن إسحاق ، عن أبي السفر ، عن ابن عباس ، قال : رأى أبو سفيان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي والناس يطأون عقبه . فقال في نفسه : لو عاودت هذا الرجل القتال . فجاءه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى ضرب في صدره ، فقال : إذا يخزيك الله . قال : أتوب إلى الله ، وأستغفر الله .

                                                                                      وروى نحوه مرسلا ، أبو إسحاق السبيعي ، وعبد الله بن أبي بكر بن حزم .

                                                                                      وقال موسى بن أعين ، عن إسحاق بن راشد ، عن الزهري ، عن ابن المسيب ، قال : لما كان ليلة دخل الناس مكة ، لم يزالوا في تكبير وتهليل وطواف بالبيت حتى أصبحوا . فقال أبو سفيان لهند : أتري هذا من الله ؟ ثم أصبح فغدا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال له : " قلت لهند أترين هذا من الله ، نعم ؛ هذا من الله " فقال : أشهد أنك عبد الله ورسوله ، والذي يحلف به أبو سفيان ، ما سمع قولي هذا أحد من الناس إلا الله وهند .

                                                                                      [ ص: 187 ] وقال ابن المبارك : أخبرنا عاصم الأحول ، عن عكرمة ، عن ابن عباس : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة تسعة عشر يوما ، يصلي ركعتين . أخرجه البخاري .

                                                                                      وقال حفص بن غياث ، عن عاصم الأحول : سبعة عشر يوما . صحيح .

                                                                                      وقال ابن علية : أخبرنا علي بن زيد ، عن أبي نضرة ، عن عمران بن حصين : غزوت مع النبي صلى الله عليه وسلم ، فأقام بمكة ثماني عشرة ليلة لا يصلي إلا ركعتين ، يقول : يا أهل البلد صلوا أربعا ، فإنا سفر . أخرجه أبو داود . علي ضعيف .

                                                                                      وقال ابن إسحاق ، عن الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله : أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم عام الفتح خمس عشرة يقصر الصلاة .

                                                                                      ثم روى ابن إسحاق عن جماعة ، مثل هذا .

                                                                                      قال البيهقي : الأصح رواية ابن المبارك التي اعتمدها البخاري .

                                                                                      وقال الواقدي : وفي رمضان بعثة خالد بن الوليد إلى العزى ، فهدمها . وبعث عمرو بن العاص إلى سواع في رمضان ، وهو صنم هذيل ، فهدمه ، وقال : قلت للسادن : كيف رأيت ؟ قال : أسلمت لله .

                                                                                      قال : وفي رمضان بعث سعد بن زيد الأشهلي إلى مناة ، وكانت بالمشلل ، للأوس والخزرج وغسان . فلما كان يوم الفتح بعث رسول الله [ ص: 188 ] صلى الله عليه وسلم سعد بن زيد الأشهلي في عشرين فارسا حتى انتهى إليها ، وتخرج إلى سعد امرأة سوداء عريانة ثائرة الرأس تدعو بالويل ، فقال لها السادن : مناة ، دونك بعض غضباتك . وسعد يضربها ، فقتلها ، وأقبل إلى الصنم ، فهدموه لست بقين من رمضان .

                                                                                      وقال منصور ، عن مجاهد ، ( عن طاوس ) ، عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا هجرة بعد الفتح ، ولكن جهاد ونية وإن استنفرتم فانفروا " قاله يوم الفتح . متفق عليه .

                                                                                      وقال عمرو بن مرة : سمعت أبا البختري يحدث عن أبي سعيد الخدري ، قال : لما نزلت ( إذا جاء نصر الله والفتح ( 1 ) ) [ النصر ] قرأها رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : " إني وأصحابي حيز والناس حيز ، لا هجرة بعد الفتح " . فحدثت به مروان بن الحكم - وكان على المدينة - فقال : كذبت . وعنده زيد بن ثابت ، ورافع بن خديج ، وكانا معه على السرير . فقلت : إن هذين لو شاءا لحدثاك ، ولكن هذا ; يعني زيدا ، يخاف أن تنزعه عن الصدقة ، والآخر يخاف أن تنزعه عن عرافة قومه . قال : فشد عليه بالدرة ، فلما رأيا ذلك قالا : صدق .

                                                                                      وقال حماد بن زيد ، عن أيوب : حدثني أبو قلابة ، عن عمرو بن سلمة ، ثم قال : هو حي ، ألا تلقاه فتسمع منه ؟ فلقيت عمرا فحدثني بالحديث ، قال : كنا بممر الناس ، فتمر بنا الركبان فنسألهم : ما هذا الأمر ؟ وما للناس ؟ فيقولون : نبي يزعم أن الله قد أرسله ، وأن الله أوحى إليه كذا وكذا . وكانت العرب تلوم بإسلامها الفتح ، ويقولون : [ ص: 189 ] أنظروه ، فإن ظهر فهو نبي فصدقوه . فلما كان وقعة الفتح نادى كل قوم بإسلامهم ، فانطلق أبي بإسلام حوائنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقدم فأقام عنده كذا وكذا . ثم جاء فتلقيناه ، فقال : جئتكم من عند رسول الله حقا ، وإنه يأمركم بكذا ، وصلاة كذا وكذا ، وإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم ، وليؤمكم أكثركم قرآنا . فنظروا في أهل حوائنا فلم يجدوا أكثر قرآنا مني فقدموني ، وأنا ابن سبع سنين ، أو ست سنين . فكنت أصلي بهم ، فإذا سجدت تقلصت بردة علي . تقول امرأة من الحي : غطوا عنا است قارئكم هذا . قال : فكسيت معقدة من معقد البحرين بستة دراهم أو بسبعة ، فما فرحت بشيء كفرحي بذلك .

                                                                                      أخرجه البخاري ، عن سليمان بن حرب ، عنه ، والله أعلم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية