الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                      صفحة جزء
                                                                                      إسلام أبي العاص

                                                                                      مبسوطا

                                                                                      أسلم أبو العاص بن الربيع بن عبد العزى بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي العبشمي ، ختن رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنته زينب ، أم أمامة ، في وسط سنة ست . واسمه لقيط ، قاله ابن معين والفلاس . وقال ابن سعد : اسمه مقسم ، وأمه هالة بنت خويلد خالة زوجته ، فهما أبناء خالة . تزوج بها قبل المبعث ، فولدت له عليا فمات طفلا ، وأمامة التي صلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو حاملها ، وهي التي تزوجها علي رضي الله عنه بعد موت خالتها فاطمة رضي الله عنها وكان أبو العاص يدعى جرو البطحاء ، وأسر يوم بدر ، وكانت زينب بمكة .

                                                                                      قال يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عائشة ، قالت : فبعثت في فدائه بمال منه قلادة لها كانت خديجة أدخلتها بها . فلما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم القلادة رق لها وقال : " إن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها الذي لها فافعلوا " ففعلوا . فأخذ عليه عهدا أن يخلي زينب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سرا .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا ، [ ص: 25 ] فقال : كونا ببطن يأجج حتى تمر بكما زينب . وذلك بعد بدر بشهر . قال : وكان أبو العاص من رجال قريش المعدودين مالا وأمانة وتجارة وكان الإسلام قد فرق بينه وبين زينب إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يقدر أن يفرق بينهما .

                                                                                      قال يونس ، عن ابن إسحاق : حدثني عبد الله بن أبي بكر بن حزم ، قال : خرج أبو العاص تاجرا إلى الشام ، وكان رجلا مأمونا . وكانت معه بضائع لقريش . فأقبل قافلا فلقيته سرية للنبي صلى الله عليه وسلم فاستاقوا عيره وهرب . وقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم بما أصابوا فقسمه بينهم ، وأتى أبو العاص حتى دخل على زينب فاستجار بها ، وسألها أن تطلب له من رسول الله صلى الله عليه وسلم رد ماله عليه . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم السرية فقال لهم : إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم ، وقد أصبتم له مالا ولغيره مما كان معه ، وهو فيء ، فإن رأيتم أن تردوا عليه فافعلوا ، وإن كرهتم فأنتم وحقكم . قالوا : بل نرده عليه . فردوا والله عليه ما أصابوا ، حتى إن الرجل ليأتي بالشنة ، والرجل بالإداوة وبالحبل . ثم خرج حتى قدم مكة ، فأدى إلى الناس بضائعهم ، حتى إذا فرغ قال : يا معشر قريش ، هل بقي لأحد منكم معي مال ؟ قالوا : لا ، فجزاك الله خيرا . فقال : أما والله ما منعني أن أسلم قبل أن أقدم عليكم إلا تخوفت أن تظنوا أني إنما أسلمت لأذهب بأموالكم ، فإني أشهد أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله .

                                                                                      وأما موسى بن عقبة فذكر أن أموال أبي العاص إنما أخذها أبو بصير في الهدنة بعد هذا التاريخ .

                                                                                      وقال ابن نمير ، عن إسماعيل بن أبي خالد ، عن الشعبي ، قال : قدم أبو العاص من الشام ومعه أموال المشركين ، وقد أسلمت امرأته زينب وهاجرت ، فقيل له : هل لك أن تسلم وتأخذ هذه الأموال التي معك ؟ فقال : بئس ما أبدأ به إسلامي أن أخون أمانتي ، فكفلت عنه امرأته أن [ ص: 26 ] يرجع فيؤدي إلى كل ذي حق حقه ; فيرجع ويسلم . ففعل . وما فرق بينهما ، يعني النبي صلى الله عليه وسلم .

                                                                                      وقال ابن لهيعة عن موسى بن جبير الأنصاري ، عن عراك بن مالك ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن أم سلمة أن زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها زوجها أبو العاص أن خذي لي أمانا من أبيك . فأطلعت رأسها من باب حجرتها ، والنبي صلى الله عليه وسلم في الصبح ، فقالت : أيها الناس إني زينب بنت رسول الله ، وإني قد أجرت أبا العاص . فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة قال : أيها الناس إني لا علم لي بهذا حتى سمعتموه ، ألا وإنه يجير على الناس أدناهم .

                                                                                      وقال ابن إسحاق عن داود بن الحصين ، عن عكرمة ، عن ابن عباس ، قال : رد النبي صلى الله عليه وسلم ابنته على أبي العاص على النكاح الأول بعد ست سنين .

                                                                                      وقال حجاج بن أرطاة ، عن محمد بن عبيد الله العرزمي - وهو ضعيف - عن عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ردها بمهر جديد ونكاح جديد .

                                                                                      قال الإمام أحمد : هذا حديث ضعيف ، والصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرهما على النكاح الأول .

                                                                                      وقال ابن إسحاق : ثم إن أبا العاص رجع إلى مكة مسلما ، فلم يشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم مشهدا . ثم قدم المدينة بعد ذلك ، فتوفي في آخر [ ص: 27 ] سنة اثنتي عشرة ، والله أعلم .

                                                                                      التالي السابق


                                                                                      الخدمات العلمية