قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=29039_28753ما أنت بنعمة ربك بمجنون nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وإن لك لأجرا غير ممنون nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم .
تقدم للشيخ - رحمة الله تعالى علينا وعليه - بيان الرد على مقالتهم تلك عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70أم يقولون به جنة بل جاءهم بالحق الآية [ 23 \ 70 ] من سورة " المؤمنون " .
وساق النصوص ، وقال : إن في الآية ما يرد عليهم ، وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70بل جاءهم بالحق . اهـ .
وهكذا هنا في الآية ما يدل على بطلان دعواهم ، ويرد عليهم ، وهو قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وإن لك لأجرا غير ممنون أي على ما جئت به من الحق وقمت به من البلاغ عن الله والصبر عليه ، كما رد عليهم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وما صاحبكم بمجنون [ 81 \ 22 ] .
وكذلك قوله تعالى في حق رسوله الكريم الأعظم :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم ; لأن المجنون سفيه لا يعني ما يقول ، ولا يحسن أي تصرف .
والخلق العظيم أرقى منازل الكمال في عظماء الرجال .
[ ص: 247 ] وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وإن لك لأجرا غير ممنون ، المن : القطع . أي : إن أجره - صلى الله عليه وسلم - عند الله غير منقطع .
قال الشاعر : \ 5
لمعفر قهد تنازع شلوه غبس كواسب لا يمن طعامها
وقد بين تعالى دوام أجره دون انقطاع في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إن الله وملائكته يصلون على النبي ياأيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما [ 33 \ 56 ] .
وصلوات الله تعالى عليه ، وصلوات الملائكة ، والمؤمنين لا تنقطع ليلا ولا نهارا وهي من الله تعالى رحمة ، ومن الملائكة والمؤمنين دعاء .
وفي سورتي : " الضحى " و " ألم نشرح " بكاملها :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3ما ودعك ربك وما قلى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وللآخرة خير لك من الأولى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5ولسوف يعطيك ربك فترضى [ 93 \ 3 - 5 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=4ورفعنا لك ذكرك [ 94 \ 4 ] .
ومعلوم من السنة أن من دل على خير فله مثل من عمل به ، فما من مسلم تكتب له حسنة في صحيفته إلا وللرسول - صلى الله عليه وسلم - مثلها .
وقد قال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009640إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث " .
ومنها : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009641أو علم ينتفع به " ، وأي علم أعم نفعا مما جاء به - صلى الله عليه وسلم - وتركه في الأمة حتى قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003104تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدا كتاب الله وسنتي " ، إلى غير ذلك من النصوص الدالة على دوام أجره .
أما جزاؤه عند الله فلا يقدر قدره إلا الله تعالى .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وإنك لعلى خلق عظيم تقدم أن هذه بمثابة الرد على ادعاء المشركين أولا عليه - صلى الله عليه وسلم - ورميه بالجنون ; لأن أخلاق المجانين مذمومة بل لا أخلاق لهم ، وهنا أقصى مراتب العلو في الخلق .
وقد أكد هذا السياق بعوامل المؤكدات باندراجه في جواب القسم الأول في أول السورة ، وبأن اللام في ( لعلى ) ، وجاء بعلى الدالة على الاستعلاء والتمكن بدلا من ذو
[ ص: 248 ] مثلا : ذو خلق عظيم لبيان قوة التمكن والاستعلاء ، وأنه - صلى الله عليه وسلم - فوق كل خلق عظيم متمكن منه مستعل عليه .
وقد أجمل الخلق العظيم هنا وهو من أعم ما امتدح الله به رسوله - صلى الله عليه وسلم - في كتابه ، وقد أرشدت
عائشة - رضي الله عنها - إلى ما بين هذا الإجمال حينما سئلت عن خلقه - صلى الله عليه وسلم - الذي امتدح به فقالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009642كان خلقه القرآن " تعني والله تعالى أعلم : أنه - صلى الله عليه وسلم - يأتمر بأمره وينتهي بنواهيه ، كما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا [ 59 \ 7 ] .
وكما في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم [ 17 \ 9 ] .
وكما قال صلى الله عليه وسلم : "
لن يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعا لما جئت به " ، فكان هو - صلى الله عليه وسلم - ممتثلا لتعاليم القرآن في سيرته كلها ، وقد أمرنا بالتأسي به صلوات الله وسلامه عليه ، فكان من أهم ما يجب على الأمة معرفة تفصيل هذا الإجمال ; ليتم التأسي المطلوب .
وقد أخذت قضية الأخلاق عامة ، وأخلاقه - صلى الله عليه وسلم - خاصة محل الصدارة من مباحث الباحثين ، وتقرير المرشدين ، فهي بالنسبة للعموم أساس قوام الأمم ، وعامل الحفاظ على بقائها ، كما قيل :
إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وقد أجمل - صلى الله عليه وسلم - البعثة كلها في مكارم الأخلاق في قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009644إنما بعثت ; لأتمم مكارم الأخلاق " .
وقد عني أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رضوان الله تعالى عليهم بقضية أخلاقه بعد نزول هذه الآية ، فسألوا
عائشة - رضي الله عنها - عن ذلك فقالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009642كان خلقه القرآن " ، وعني بها العلماء بالتأليف ، كالشمائل
nindex.php?page=showalam&ids=13948للترمذي .
أما أقوال المفسرين في الخلق العظيم المعني هنا فهي على قولين ، لا تعارض بينهما :
منها : أنه الدين ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ومجاهد والسدي وغيرهم .
والآخر قول
عائشة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009642كان خلقه القرآن " ، والقرآن والدين مرتبطان . ولكن لم يزل الإجمال موجودا . وإذا رجعنا إلى بعض الآيات في القرآن نجد بعض البيان لما كان
[ ص: 249 ] عليه - صلى الله عليه وسلم - من عظيم الخلق مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين [ 7 \ 199 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم [ 9 \ 128 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم [ 3 \ 159 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن [ 16 \ 125 ] .
ومثل ذلك من الآيات التي فيها التوجيه أو الوصف بما هو أعظم الأخلاق ، وإذا كان خلقه - صلى الله عليه وسلم - هو القرآن ، فالقرآن يهدي للتي هي أقوم .
والمتأمل للقرآن في هديه يجد مبدأ الأخلاق في كل تشريع فيه حتى العبادات . ففي الصلاة خشوع وخضوع وسكينة ووقار ، فأتوها وعليكم السكينة والوقار .
وفي الزكاة مروءة وكرم
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264ياأيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى [ 2 \ 264 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا [ 76 \ 9 ] .
وفي الصيام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009645من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه " .
وقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009646الصيام جنة " .
وفي الحج :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج .
وفي الاجتماعيات : خوطب - صلى الله عليه وسلم - بأعلى درجات الأخلاق ، حتى ولو لم يكن داخلا تحت الخطاب ; لأنه ليس خارجا عن نطاق الطلب :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه ، ثم يأتي بعدها
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وبالوالدين إحسانا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل ربي ارحمهما كما ربياني صغيرا [ ص: 250 ] [ 17 \ 23 - 24 ] ، مع أن والديه لم يكن أحدهما موجودا عند نزولها ، إلى غير ذلك من التعاليم العامة والخاصة التي اشتمل عليها القرآن .
وقد عني - صلى الله عليه وسلم - بالأخلاق حتى كان يوصي بها المبعوثين في كل مكان ، كما أوصى
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل - رضي الله عنه - بقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009647اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها ، وخالق الناس بخلق حسن " .
وقال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009648إن مما أدرك الناس من كلام النبوة : إذا لم تستح فاصنع ما تشاء " ، أي : إن الحياء وهو من أخص الأخلاق سياج من الرذائل ، وهذا مما يؤكد أن الخلق الحسن يحمل على الفضائل ، ويمنع من الرذائل ، كما قيل في ذلك :
إن الكريم إذا تمكن من أذى جاءته أخلاق الكرام فأقلعا
وترى اللئيم إذا تمكن من أذى يطغى فلا يبقي لصلح موضعا
وقد أشار القرآن إلى هذا الجانب في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين [ 3 \ 134 ] .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=29039_28753مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ .
تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحْمَةُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْنَا وَعَلَيْهِ - بَيَانُ الرَّدِّ عَلَى مَقَالَتِهِمْ تِلْكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ الْآيَةَ [ 23 \ 70 ] مِنْ سُورَةِ " الْمُؤْمِنُونَ " .
وَسَاقَ النُّصُوصَ ، وَقَالَ : إِنَّ فِي الْآيَةِ مَا يَرُدُّ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=70بَلْ جَاءَهُمْ بِالْحَقِّ . اهـ .
وَهَكَذَا هُنَا فِي الْآيَةِ مَا يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ دَعْوَاهُمْ ، وَيَرُدُّ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ أَيْ عَلَى مَا جِئْتَ بِهِ مِنَ الْحَقِّ وَقُمْتَ بِهِ مِنَ الْبَلَاغِ عَنِ اللَّهِ وَالصَّبْرِ عَلَيْهِ ، كَمَا رَدَّ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=81&ayano=22وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ [ 81 \ 22 ] .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي حَقِّ رَسُولِهِ الْكَرِيمِ الْأَعْظَمِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ ; لِأَنَّ الْمَجْنُونَ سَفِيهٌ لَا يَعْنِي مَا يَقُولُ ، وَلَا يُحْسِنُ أَيَّ تَصَرُّفٍ .
وَالْخُلُقُ الْعَظِيمُ أَرْقَى مَنَازِلِ الْكَمَالِ فِي عُظَمَاءِ الرِّجَالِ .
[ ص: 247 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=3وَإِنَّ لَكَ لَأَجْرًا غَيْرَ مَمْنُونٍ ، الْمَنُّ : الْقَطْعُ . أَيْ : إِنَّ أَجْرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ اللَّهِ غَيْرُ مُنْقَطِعٍ .
قَالَ الشَّاعِرُ : \ 5
لِمُعَفَّرٍ قَهْدٍ تَنَازَعَ شِلْوَهُ غُبْسٌ كَوَاسِبُ لَا يُمَنُّ طَعَامُهَا
وَقَدْ بَيَّنَ تَعَالَى دَوَامَ أَجْرِهِ دُونَ انْقِطَاعٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=56إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ 33 \ 56 ] .
وَصَلَوَاتُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَصَلَوَاتُ الْمَلَائِكَةِ ، وَالْمُؤْمِنِينَ لَا تَنْقَطِعُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا وَهِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى رَحْمَةٌ ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْمُؤْمِنِينَ دُعَاءٌ .
وَفِي سُورَتِيِ : " الضُّحَى " وَ " أَلَمْ نَشْرَحْ " بِكَامِلِهَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=3مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=4وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى nindex.php?page=tafseer&surano=93&ayano=5وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى [ 93 \ 3 - 5 ] .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=94&ayano=4وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ [ 94 \ 4 ] .
وَمَعْلُومٌ مِنَ السُّنَّةِ أَنَّ مَنْ دَلَّ عَلَى خَيْرٍ فَلَهُ مِثْلُ مَنْ عَمِلَ بِهِ ، فَمَا مِنْ مُسْلِمٍ تُكْتَبُ لَهُ حَسَنَةٌ فِي صَحِيفَتِهِ إِلَّا وَلِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِثْلُهَا .
وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009640إِذَا مَاتَ ابْنُ آدَمَ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثٍ " .
وَمِنْهَا : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009641أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ " ، وَأَيُّ عِلْمٍ أَعَمُّ نَفْعًا مِمَّا جَاءَ بِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَرَكَهُ فِي الْأُمَّةِ حَتَّى قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=2003104تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا أَبَدًا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي " ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ النُّصُوصِ الدَّالَّةِ عَلَى دَوَامِ أَجْرِهِ .
أَمَّا جَزَاؤُهُ عِنْدَ اللَّهِ فَلَا يَقْدِرُ قَدْرَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=4وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ تَقَدَّمَ أَنَّ هَذِهِ بِمَثَابَةِ الرَّدِّ عَلَى ادِّعَاءِ الْمُشْرِكِينَ أَوَّلًا عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَمْيِهِ بِالْجُنُونِ ; لِأَنَّ أَخْلَاقَ الْمَجَانِينِ مَذْمُومَةٌ بَلْ لَا أَخْلَاقَ لَهُمْ ، وَهُنَا أَقْصَى مَرَاتِبِ الْعُلُوِّ فِي الْخُلُقِ .
وَقَدْ أَكَّدَ هَذَا السِّيَاقَ بِعَوَامِلِ الْمُؤَكِّدَاتِ بِانْدِرَاجِهِ فِي جَوَابِ الْقَسَمِ الْأَوَّلِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ ، وَبِأَنَّ اللَّامَ فِي ( لَعَلَى ) ، وَجَاءَ بِعَلَى الدَّالَّةِ عَلَى الِاسْتِعْلَاءِ وَالتَّمَكُّنِ بَدَلًا مِنْ ذُو
[ ص: 248 ] مَثَلًا : ذُو خُلُقٍ عَظِيمٍ لِبَيَانِ قُوَّةِ التَّمَكُّنِ وَالِاسْتِعْلَاءِ ، وَأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَوْقَ كُلِّ خُلُقٍ عَظِيمٍ مُتَمَكِّنٌ مِنْهُ مُسْتَعْلٍ عَلَيْهِ .
وَقَدْ أَجْمَلَ الْخُلُقَ الْعَظِيمَ هُنَا وَهُوَ مِنْ أَعَمِّ مَا امْتَدَحَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي كِتَابِهِ ، وَقَدْ أَرْشَدَتْ
عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - إِلَى مَا بَيَّنَ هَذَا الْإِجْمَالَ حِينَمَا سُئِلَتْ عَنْ خُلُقِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِي امْتُدِحَ بِهِ فَقَالَتْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009642كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ " تَعْنِي وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ : أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْتَمِرُ بِأَمْرِهِ وَيَنْتَهِي بِنَوَاهِيهِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=7وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [ 59 \ 7 ] .
وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=9إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [ 17 \ 9 ] .
وَكَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
لَنْ يُؤْمِنَ أَحَدُكُمْ حَتَّى يَكُونَ هَوَاهُ تَبَعًا لِمَا جِئْتُ بِهِ " ، فَكَانَ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُمْتَثِلًا لِتَعَالِيمِ الْقُرْآنِ فِي سِيرَتِهِ كُلِّهَا ، وَقَدْ أَمَرَنَا بِالتَّأَسِّي بِهِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ ، فَكَانَ مِنْ أَهَمِّ مَا يَجِبُ عَلَى الْأُمَّةِ مَعْرِفَةُ تَفْصِيلِ هَذَا الْإِجْمَالِ ; لِيَتِمَّ التَّأَسِّي الْمَطْلُوبُ .
وَقَدْ أَخَذَتْ قَضِيَّةُ الْأَخْلَاقِ عَامَّةً ، وَأَخْلَاقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاصَّةً مَحَلَّ الصَّدَارَةِ مِنْ مَبَاحِثِ الْبَاحِثِينَ ، وَتَقْرِيرِ الْمُرْشِدِينَ ، فَهِيَ بِالنِّسْبَةِ لِلْعُمُومِ أَسَاسُ قِوَامِ الْأُمَمِ ، وَعَامِلُ الْحِفَاظِ عَلَى بَقَائِهَا ، كَمَا قِيلَ :
إِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ فَإِنْ هُمُ ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا
وَقَدْ أَجْمَلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْبِعْثَةَ كُلَّهَا فِي مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009644إِنَّمَا بُعِثْتُ ; لِأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الْأَخْلَاقِ " .
وَقَدْ عُنِيَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رِضْوَانُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِقَضِيَّةِ أَخْلَاقِهِ بَعْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ ، فَسَأَلُوا
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَتْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009642كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ " ، وَعُنِيَ بِهَا الْعُلَمَاءُ بِالتَّأْلِيفِ ، كَالشَّمَائِلِ
nindex.php?page=showalam&ids=13948لِلتِّرْمِذِيِّ .
أَمَّا أَقْوَالُ الْمُفَسِّرِينَ فِي الْخُلُقِ الْعَظِيمِ الْمَعْنِيِّ هُنَا فَهِيَ عَلَى قَوْلَيْنِ ، لَا تَعَارُضَ بَيْنَهُمَا :
مِنْهَا : أَنَّهُ الدِّينُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَالسُّدِّيُّ وَغَيْرُهُمْ .
وَالْآخَرُ قَوْلُ
عَائِشَةَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009642كَانَ خُلُقُهُ الْقُرْآنَ " ، وَالْقُرْآنُ وَالدِّينُ مُرْتَبِطَانِ . وَلَكِنْ لَمْ يَزَلِ الْإِجْمَالُ مَوْجُودًا . وَإِذَا رَجَعْنَا إِلَى بَعْضِ الْآيَاتِ فِي الْقُرْآنِ نَجِدُ بَعْضَ الْبَيَانِ لِمَا كَانَ
[ ص: 249 ] عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ عَظِيمِ الْخُلُقِ مِثْلَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=199خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [ 7 \ 199 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [ 9 \ 128 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=159فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ [ 3 \ 159 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=125ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ [ 16 \ 125 ] .
وَمِثْلُ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ الَّتِي فِيهَا التَّوْجِيهُ أَوِ الْوَصْفُ بِمَا هُوَ أَعْظَمُ الْأَخْلَاقِ ، وَإِذَا كَانَ خُلُقُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْقُرْآنَ ، فَالْقُرْآنُ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ .
وَالْمُتَأَمِّلُ لِلْقُرْآنِ فِي هَدْيِهِ يَجِدُ مَبْدَأَ الْأَخْلَاقِ فِي كُلِّ تَشْرِيعٍ فِيهِ حَتَّى الْعِبَادَاتِ . فَفِي الصَّلَاةِ خُشُوعٌ وَخُضُوعٌ وَسَكِينَةٌ وَوَقَارٌ ، فَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ وَالْوَقَارُ .
وَفِي الزَّكَاةِ مُرُوءَةٌ وَكَرَمٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى [ 2 \ 264 ] .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=9إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [ 76 \ 9 ] .
وَفِي الصِّيَامِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009645مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةً فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009646الصِّيَامُ جُنَّةٌ " .
وَفِي الْحَجِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ .
وَفِي الِاجْتِمَاعِيَّاتِ : خُوطِبَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَعْلَى دَرَجَاتِ الْأَخْلَاقِ ، حَتَّى وَلَوْ لَمْ يَكُنْ دَاخِلًا تَحْتَ الْخِطَابِ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ خَارِجًا عَنْ نِطَاقِ الطَّلَبِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ، ثُمَّ يَأْتِي بَعْدَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=23إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=24وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّي ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [ ص: 250 ] [ 17 \ 23 - 24 ] ، مَعَ أَنَّ وَالِدَيْهِ لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا مَوْجُودًا عِنْدَ نُزُولِهَا ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّعَالِيمِ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ الَّتِي اشْتَمَلَ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ .
وَقَدْ عُنِيَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْأَخْلَاقِ حَتَّى كَانَ يُوصِي بِهَا الْمَبْعُوثِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ ، كَمَا أَوْصَى
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - بِقَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009647اتَّقِ اللَّهَ حَيْثُمَا كُنْتَ ، وَأَتْبِعِ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ " .
وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009648إِنَّ مِمَّا أَدْرَكَ النَّاسُ مِنْ كَلَامِ النُّبُوَّةِ : إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا تَشَاءُ " ، أَيْ : إِنَّ الْحَيَاءَ وَهُوَ مِنْ أَخَصِّ الْأَخْلَاقِ سِيَاجٌ مِنَ الرَّذَائِلِ ، وَهَذَا مِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْخُلُقَ الْحَسَنَ يَحْمِلُ عَلَى الْفَضَائِلِ ، وَيَمْنَعُ مِنَ الرَّذَائِلِ ، كَمَا قِيلَ فِي ذَلِكَ :
إِنَّ الْكَرِيمَ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَذًى جَاءَتْهُ أَخْلَاقُ الْكِرَامِ فَأَقْلَعَا
وَتَرَى اللَّئِيمَ إِذَا تَمَكَّنَ مِنْ أَذًى يَطْغَى فَلَا يُبْقِي لِصُلْحٍ مَوْضِعًا
وَقَدْ أَشَارَ الْقُرْآنُ إِلَى هَذَا الْجَانِبِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [ 3 \ 134 ] .