الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ومن هدي القرآن للتي هي أقوم : تفضيله الذكر على الأنثى في الميراث ، كما قال تعالى : وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم [ 4 \ 176 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد صرح تعالى في هذه الآية الكريمة : أنه يبين لخلقه هذا البيان الذي من جملته تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث لئلا يضلوا ، فمن سوى بينهما فيه فهو ضال قطعا .

                                                                                                                                                                                                                                      ثم بين أنه أعلم بالحكم والمصالح وبكل شيء من خلقه بقوله : والله بكل شيء عليم [ 4 \ 176 ] ، وقال : يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين [ 4 \ 11 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      ولا شك أن الطريق التي هي أقوم الطرق وأعدلها : تفضيل الذكر على الأنثى في الميراث الذي ذكره الله تعالى . كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله : الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم ; أي وهو الرجال على بعض [ 4 \ 34 ] ، أي وهو النساء ، وقوله : وللرجال عليهن درجة [ 2 \ 228 ] ، وذلك لأن الذكورة في كمال خلقي ، وقوة طبيعية ، وشرف وجمال ، والأنوثة نقص خلقي ، وضعف طبيعي ، كما هو محسوس مشاهد لجميع العقلاء ، لا يكاد ينكره إلا مكابر في المحسوس .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد أشار جل وعلا إلى ذلك بقوله : أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين [ 43 \ 18 ] ; لأن الله أنكر عليهم في هذه الآية الكريمة أنهم نسبوا له ما لا يليق به من الولد ، ومع ذلك نسبوا له أخس الولدين وأنقصهما وأضعفهما ، ولذلك ينشأ في الحلية ; أي : الزينة من أنواع الحلي والحلل ليجبر نقصه الخلقي [ ص: 25 ] الطبيعي بالتجميل بالحلي والحلل وهو الأنثى . بخلاف الرجل ، فإن كمال ذكورته وقوتها وجمالها يكفيه على الحلي ، كما قال الشاعر :


                                                                                                                                                                                                                                      وما الحلي إلا زينة من نقيصة يتمم من حسن إذا الحسن قصرا     وأما إذا كان الجمال موفرا
                                                                                                                                                                                                                                      كحسنك لم يحتج إلى أن يزورا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال تعالى : ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى [ 53 \ 21 - 22 ] ، وإنما كانت هذه القسمة ضيزى - أي غير عادلة - لأن الأنثى أنقص من الذكر خلقة وطبيعة ، فجعلوا هذا النصيب الناقص لله جل وعلا سبحانه وتعالى عن ذلك علوا كبيرا ! وجعلوا الكامل لأنفسهم كما قال : ويجعلون لله ما يكرهون [ 16 \ 62 ] ، أي وهو البنات . وقال : وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم إلى قوله : ساء ما يحكمون [ 16 \ 58 ، 59 ] ، وقال : وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا - أي وهو الأنثى - ظل وجهه مسودا وهو كظيم [ 43 \ 17 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وكل هذه الآيات القرآنية تدل على أن الأنثى ناقصة بمقتضى الخلقة والطبيعة ، وأن الذكر أفضل وأكمل منها : أاصطفى البنات على البنين ما لكم كيف تحكمون [ 37 \ 153 - 154 ] ، أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا الآية [ 17 \ 40 ] ، والآيات الدالة على تفضيله عليها كثيرة جدا .

                                                                                                                                                                                                                                      ومعلوم عند عامة العقلاء : أن الأنثى متاع لا بد له ممن يقوم بشئونها ويحافظ عليه .

                                                                                                                                                                                                                                      وقد اختلف العلماء في التمتع بالزوجة : هل هو قوت ؟ أو تفكه ؟ وأجرى علماء المالكية على هذا الخلاف حكم إلزام الابن بتزويج أبيه الفقير ، قالوا : فعلى أن النكاح قوت فعليه تزويجه ؟ لأنه من جملة القوت الواجب له عليه . وعلى أنه تفكه لا يجب عليه على قول بعضهم ، فانظر شبه النساء بالطعام والفاكهة عند العلماء ، وقد جاءت السنة الصحيحة بالنهي عن قتل النساء والصبيان في الجهاد ، لأنهما من جملة مال المسلمين الغانمين ، بخلاف الرجال فإنهم يقتلون .

                                                                                                                                                                                                                                      ومن الأدلة على أفضلية الذكر على الأنثى : أن المرأة الأولى خلقت من ضلع الرجل الأول . فأصلها جزء منه . فإذا عرفت من هذه الأدلة : أن الأنوثة نقص خلقي ، وضعف طبيعي ، فاعلم أن العقل الصحيح الذي يدرك الحكم والأسرار ، يقضي بأن الناقص الضعيف بخلقته وطبيعته ، يلزم أن يكون تحت نظر الكامل في خلقته ، القوي بطبيعته ; [ ص: 26 ] ليجلب له ما لا يقدر على جلبه من النفع ، ويدفع عنه ما لا يقدر على دفعه من الضر ، كما قال تعالى : الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض [ 4 \ 34 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      وإذا علمت ذلك فاعلم أنه لما كانت الحكمة البالغة ، تقتضي أن يكون الضعيف الناقص مقوما عليه من قبل القوي الكامل ، اقتضى ذلك أن يكون الرجل ملزما بالإنفاق على نسائه ، والقيام بجميع لوازمهن في الحياة ، كما قال تعالى : وبما أنفقوا من أموالهم [ 4 \ 34 ] ، ومال الميراث ما مسحا في تحصيله عرقا ، ولا تسببا فيه البتة ، وإنما هو تمليك من الله ملكهما إياه تمليكا جبريا ، فاقتضت حكمة الحكيم الخبير أن يؤثر الرجل على المرأة في الميراث وإن أدليا بسبب واحد ; لأن الرجل مترقب للنقص دائما بالإنفاق على نسائه ، وبذل المهور لهن ، والبذل في نوائب الدهر ، والمرأة مترقبة للزيادة بدفع الرجل لها المهر ، وإنفاقه عليها وقيامه بشئونها ، وإيثار مترقب النقص دائما على مترقب الزيادة دائما لجبر بعض نقصه المترقب ، حكمته ظاهرة واضحة ، لا ينكرها إلا من أعمى الله بصيرته بالكفر والمعاصي ، ولذا قال تعالى : للذكر مثل حظ الأنثيين [ 4 \ 11 ] ، ولأجل هذه الحكم التي بينا بها فضل نوع الذكر على نوع الأنثى في أصل الخلقة والطبيعة ، جعل الحكيم الخبير الرجل هو المسئول عن المرأة في جميع أحوالها . وخصه بالرسالة والنبوة والخلافة دونها ، وملكه الطلاق دونها ، وجعله الولي في النكاح دونها ، وجعل انتساب الأولاد إليه لا إليها ، وجعل شهادته في الأموال بشهادة امرأتين في قوله تعالى : فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء [ 2 \ 282 ] ، وجعل شهادته تقبل في الحدود والقصاص دونها ، إلى غير ذلك من الفوارق الحسية والمعنوية والشرعية بينهما .

                                                                                                                                                                                                                                      ألا ترى أن الضعف الخلقي والعجز عن الإبانة في الخصام عيب ناقص في الرجال ، مع أنه يعد من جملة محاسن النساء التي تجذب إليها القلوب ، قال جرير :


                                                                                                                                                                                                                                      إن العيون التي في طرفها حور     قتلننا ثم لم يحيين قتلانا
                                                                                                                                                                                                                                      يصرعن ذا اللب حتى لا حراك     به وهن أضعف خلق الله أركانا



                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن الدمينة :


                                                                                                                                                                                                                                      بنفسي وأهلي من إذا عرضوا     له ببعض الأذى لم يدر كيف يجيب
                                                                                                                                                                                                                                      فلم يعتذر عذر البريء     ولم تزل به سكتة حتى يقال مريب



                                                                                                                                                                                                                                      [ ص: 27 ] فالأول : تشبب بهن بضعف أركانهن ، والثاني : بعجزهن عن الإبانة في الخصام ; كما قال تعالى : وهو في الخصام غير مبين [ 43 \ 18 ] ، ولهذا التباين في الكمال والقوة بين النوعين ، صح عن النبي صلى الله عليه وسلم اللعن على من تشبه منهما بالآخر . قال البخاري في صحيحه : حدثنا محمد بن بشار ، حدثنا محمد بن جعفر ، حدثنا شعبة ، عن قتادة ، عن عكرمة ، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : " لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء ، والمتشبهات من النساء بالرجال " ، هذا لفظ البخاري في صحيحه ، ومعلوم أن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو ملعون في كتاب الله ; لأن الله يقول :وما آتاكم الرسول فخذوه الآية [ 59 \ 7 ] ، كما ثبت عن ابن مسعود رضي الله عنه كما تقدم .

                                                                                                                                                                                                                                      فلتعلمن أيتها النساء اللاتي تحاولن أن تكن كالرجال في جميع الشئون أنكن مترجلات متشبهات بالرجال ، وأنكن ملعونات في كتاب الله على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم ، وكذلك المخنثون المتشبهون بالنساء ، فهم أيضا ملعونون في كتاب الله على لسانه صلى الله عليه وسلم ، ولقد صدق من قال فيهم :


                                                                                                                                                                                                                                      وما عجبي أن النساء ترجلت     ولكن تأنيث الرجال عجاب



                                                                                                                                                                                                                                      واعلم وفقني الله وإياك لما يحبه ويرضاه : أن هذه الفكرة الكافرة ، الخاطئة الخاسئة ، المخالفة للحس والعقل ، وللوحي السماوي وتشريع الخالق البارئ من تسوية الأنثى بالذكر في جميع الأحكام والميادين ، فيها من الفساد والإخلال بنظام المجتمع الإنساني ما لا يخفى على أحد إلا من أعمى الله بصيرته . وذلك لأن الله جل وعلا جعل الأنثى بصفاتها الخاصة بها صالحة لأنواع من المشاركة في بناء المجتمع الإنساني ، صلاحا لا يصلحه لها غيرها ، كالحمل والوضع ، والإرضاع وتربية الأولاد ، وخدمة البيت ، والقيام على شئونه . من طبخ وعجن وكنس ونحو ذلك . وهذه الخدمات التي تقوم بها للمجتمع الإنساني داخل بيتها في ستر وصيانة ، وعفاف ومحافظة على الشرف والفضيلة والقيم الإنسانية ، لا تقل عن خدمة الرجل بالاكتساب ، فزعم أولئك السفلة الجهلة من الكفار وأتباعهم : أن المرأة لها من الحقوق في الخدمة خارج بيتها مثل ما للرجل ، مع أنها في زمن حملها ورضاعها ونفاسها ، لا تقدر على مزاولة أي عمل فيه أي مشقة كما هو مشاهد ، فإذا خرجت هي وزوجها بقيت خدمات البيت كلها ضائعة : من حفظ الأولاد الصغار ، وإرضاع من هو في زمن الرضاع منهم ، وتهيئة الأكل والشرب للرجل إذا جاء من عمله ، فلو أجروا إنسانا يقوم مقامها ، لتعطل ذلك الإنسان في ذلك البيت التعطل الذي خرجت [ ص: 28 ] المرأة فرارا منه ; فعادت النتيجة في حافرتها على أن خروج المرأة وابتذالها فيه ضياع المروءة والدين ; لأن المرأة متاع ، هو خير متاع الدنيا ، وهو أشد أمتعة الدنيا تعرضا للخيانة .

                                                                                                                                                                                                                                      لأن العين الخائنة إذا نظرت إلى شيء من محاسنها فقد استغلت بعض منافع ذلك الجمال خيانة ومكرا . فتعريضها لأن تكون مائدة للخونة فيه ما لا يخفى على أدنى عاقل ، وكذلك إذا لمس شيئا من بدنها بدن خائن سرت لذة ذلك اللمس في دمه ولحمه بطبيعة الغريزة الإنسانية ، ولا سيما إذا كان القلب فارغا من خشية الله تعالى ، فاستغل نعمة ذلك البدن خيانة وغدرا ، وتحريك الغرائز بمثل ذلك النظر واللمس يكون غالبا سببا لما هو شر منه . كما هو مشاهد بكثرة في البلاد التي تخلت عن تعاليم الإسلام ، وتركت الصيانة . فصارت نساؤها يخرجن متبرجات عاريات الأجسام إلا ما شاء الله . لأن الله نزع من رجالها صفة الرجولة والغيرة على حريمهم . ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم نعوذ بالله من مسخ الضمير والذوق ، ومن كل سوء ، ودعوى الجهلة السفلة : أن دوام خروج النساء بادية الرءوس والأعناق والمعاصم ، والأذرع والسوق ، ونحو ذلك يذهب إثارة غرائز الرجال ; لأن كثرة الإمساس تذهب الإحساس ; كلام في غاية السقوط والخسة ; لأن معناه : إشباع الرغبة مما لا يجوز ، حتى يزول الأرب منه بكثرة مزاولته ، وهذا كما ترى . ولأن الدوام لا يذهب إثارة الغريزة باتفاق العقلاء ; لأن الرجل يمكث مع امرأته سنين كثيرة حتى تلد أولادهما ، ولا تزال ملامسته لها ، ورؤيته لبعض جسمها تثير غريزته . كما هو مشاهد لا ينكره إلا مكابر :


                                                                                                                                                                                                                                      لقد أسمعت لو ناديت حيا     ولكن لا حياة لمن تنادي



                                                                                                                                                                                                                                      وقد أمر رب السموات والأرض ، خالق هذا الكون ومدبر شئونه ، العالم بخفايا أموره وبكل ما كان وما سيكون بغض البصر عما لا يحل ; قال تعالى : قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ويحفظن فروجهن ولا يبدين زينتهن . . . الآية [ 24 \ 30 ، 31 ] .

                                                                                                                                                                                                                                      ونهى المرأة أن تضرب برجلها لتسمع الرجال صوت خلخالها في قوله : ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن [ 24 \ 31 ] ، ونهاهن عن لين الكلام ، لئلا يطمع أهل الخنى فيهن ، قال تعالى : فلا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض [ ص: 29 ] وقلن قولا معروفا [ 32 \ 33 ] ، وسيأتي إن شاء الله تعالى تحقيق المقام في مسألة الحجاب في ( سورة الأحزاب ) ، كما قدمنا الوعد بذلك في ترجمة هذا الكتاب المبارك .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية