الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      قوله تعالى : ومن كان في هذه أعمى فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا .

                                                                                                                                                                                                                                      المراد بالعمى في هذه الآية الكريمة : عمى القلب لا عمى العين ، ويدل لهذا قوله تعالى : [ ص: 177 ] فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [ 22 \ 46 ] ; لأن عمى العين مع إبصار القلب لا يضر ، بخلاف العكس ; فإن أعمى العين يتذكر فتنفعه الذكرى ببصيرة قلبه ، قال تعالى : عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى [ 80 \ 1 - 4 ] .


                                                                                                                                                                                                                                      إذا بصر القلب المروءة والتقى فإن عمى العينين ليس يضير

                                                                                                                                                                                                                                      وقال ابن عباس رضي الله عنهما لما عمي في آخر عمره كما روي عنه من وجوه ، كما ذكره ابن عبد البر وغيره :


                                                                                                                                                                                                                                      إن يأخذ الله من عيني نورهما     ففي لساني وقلبي منهما نور




                                                                                                                                                                                                                                      قلبي ذكي وعقلي غير ذي دخل     وفي فمي صارم كالسيف مأثور



                                                                                                                                                                                                                                      وقوله في هذه الآية الكريمة : فهو في الآخرة أعمى وأضل سبيلا [ 17 \ 72 ] ، قال بعض أهل العلم : ليست الصيغة صيغة تفضيل ، بل المعنى فهو في الآخرة أعمى كذلك لا يهتدي إلى نفع ، وبهذا جزم الزمخشري .

                                                                                                                                                                                                                                      قال مقيده عفا الله عنه : الذي يتبادر إلى الذهن أن لفظة " أعمى " الثانية صيغة تفضيل ; أي هو أشد عمى في الآخرة .

                                                                                                                                                                                                                                      ويدل عليه قوله بعده : وأضل سبيلا ; فإنها صيغة تفضيل بلا نزاع . والمقرر في علم العربية : أن صيغتي التعجب وصيغة التفضيل لا يأتيان من فعل ، الوصف منه على " أفعل " الذي أنثاه فعلاء ; كما أشار له في الخلاصة بقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      وغير ذي وصف يضاهي أشهلا



                                                                                                                                                                                                                                      والظاهر أن ما وجد في كلام العرب مصوغا من صيغة تفضيل أو تعجب غير مستوف للشروط ، أنه يحفظ ولا يقاس عليه ; كما أشار له في الخلاصة بقوله :


                                                                                                                                                                                                                                      وبالندور احكم لغير ما ذكر     ولا تقس على الذي منه أثر



                                                                                                                                                                                                                                      ومن أمثلة ذلك قوله :


                                                                                                                                                                                                                                      ما في المعالي لكم ظل ولا ثمر     وفي المخازي لكم أشباح أشياخ




                                                                                                                                                                                                                                      أما الملوك فأنت اليوم ألأمهم     لؤما وأبيضهم سربال طباخ



                                                                                                                                                                                                                                      وقال بعض العلماء : إن قوله في هذا البيت " وأبيضهم سربال طباخ " ليس صيغة [ ص: 178 ] تفضيل ، بل المعنى أنت وحدك الأبيض سربال طباخ من بينهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية