الرابع :
nindex.php?page=treesubj&link=28962التفسير بالمقتضى من معنى الكلام والمقتضب من قوة الشرع . وهذا هو الذي دعا به النبي - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس في قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018658اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - رحمه الله - في كتاب الجهاد في صحيحه عن
علي : هل خصكم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بشيء ؟ فقال : ما عندنا غير ما في هذه الصحيفة ، أو فهم يؤتاه الرجل .
[ ص: 303 ] وعلى هذا قال بعض أهل الذوق : للقرآن نزول وتنزل ، فالنزول قد مضى ، والتنزل باق إلى قيام الساعة .
ومن هاهنا اختلف الصحابة في معنى الآية فأخذ كل واحد برأيه على منتهى نظره في المقتضى .
ولا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=28964تفسير القرآن بمجرد الرأي والاجتهاد من غير أصل لقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36ولا تقف ما ليس لك به علم ( الإسراء : 36 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ( البقرة : 169 ) وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لتبين للناس ما نزل إليهم ( النحل : 44 ) فأضاف البيان إليهم .
وعليه حملوا قوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018659من قال في القرآن بغير علم ، فليتبوأ مقعده من النار ، رواه
البيهقي من طرق ، من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018660من تكلم في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ أخرجه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، وقال : غريب ، من حديث
ابن جندب .
وقال
البيهقي في شعب الإيمان : هذا إن صح ، فإنما أراد - والله أعلم - الرأي الذي يغلب من غير دليل قام عليه ، فمثل هذا الذي لا يجوز الحكم به في النوازل ، وكذلك لا يجوز
[ ص: 304 ] تفسير القرآن به . وأما الرأي الذي يسنده برهان فالحكم به في النوازل جائز ، وهذا معنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=1الصديق : أي سماء تظلني ، وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي .
وقال في " المدخل " : في هذا الحديث نظر ، وإن صح فإنما أراد - والله أعلم - : فقد أخطأ الطريق ، فسبيله أن يرجع في تفسير ألفاظه إلى أهل اللغة ، وفي معرفة ناسخه ومنسوخه ، وسبب نزوله ، وما يحتاج فيه إلى بيانه إلى أخبار الصحابة ؛ الذين شاهدوا تنزيله ، وأدوا إلينا من سنن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما يكون تبيانا لكتاب الله قال الله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون ( النحل : 44 ) .
فما ورد بيانه عن صاحب الشرع ، ففيه كفاية عن ذكره من بعده ، وما لم يرد عنه بيان ففيه حينئذ فكرة أهل العلم بعده ، ليستدلوا بما ورد بيانه على ما لم يرد .
قال : وقد يكون المراد به من قال فيه برأيه من غير معرفة منه بأصول العلم وفروعه ، فتكون موافقته للصواب - وإن وافقه من حيث لا يعرفه - غير محمودة .
وقال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=15151أبو الحسن الماوردي في " نكته " : قد حمل بعض المتورعة هذا الحديث على ظاهره ، وامتنع من أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده . ولو صحبتها الشواهد ، ولم يعارض شواهدها نص صريح ، وهذا عدول عما تعبدنا بمعرفته من النظر في القرآن واستنباط الأحكام منه ، كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83لعلمه الذين يستنبطونه منهم ( النساء : 83 ) .
ولو صح ما ذهب إليه لم يعلم شيء إلا بالاستنباط ، ولما فهم الأكثر من كتاب الله شيئا - وإن صح الحديث - فتأويله أن من تكلم في القرآن بمجرد رأيه ولم يعرج على سوى لفظه
[ ص: 305 ] وأصاب الحق فقد أخطأ الطريق ، وإصابته اتفاق ، إذ الغرض أنه مجرد رأي لا شاهد له ، وفي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قال :
القرآن ذلول ذو وجوه محتملة ، فاحملوه على أحسن وجوهه .
وقوله : ذلول يحتمل وجهين : أحدهما أنه مطيع لحامليه ، ينطق بألسنتهم . الثاني : أنه موضح لمعانيه حتى لا تقصر عنه أفهام المجتهدين .
وقوله : " ذو وجوه " يحتمل معنيين : أحدهما أن من ألفاظه ما يحتمل وجوها من التأويل ، والثاني : أنه قد جمع وجوها من الأوامر والنواهي ، والترغيب والترهيب ، والتحليل والتحريم .
وقوله : " فاحملوه على أحسن وجوهه " يحتمل أيضا وجهين : أحدهما : الحمل على أحسن معانيه . والثاني : أحسن ما فيه من العزائم دون الرخص ، والعفو دون الانتقام ، وفيه دلالة ظاهرة على جواز الاستنباط والاجتهاد في كتاب الله .
وقال
أبو الليث : النهي إنما انصرف إلى المتشابه منه ؛ لا إلى جميعه ؛ كما قال - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ( آل عمران : 7 ) لأن القرآن إنما نزل حجة على الخلق ، فلو لم يجز التفسير لم تكن الحجة بالغة ؛ فإذا كان كذلك جاز لمن عرف لغات العرب وشأن النزول أن يفسره ، وأما من كان من المكلفين ولم يعرف وجوه اللغة ، فلا يجوز أن يفسره إلا بمقدار ما سمع ، فيكون ذلك على وجه الحكاية لا على سبيل التفسير ، فلا بأس به ولو أنه يعلم التفسير ، فأراد أن يستخرج من الآية حكمة أو دليلا لحكم فلا بأس به . ولو قال : المراد من الآية كذا من غير أن يسمع منه شيئا فلا يحل ، وهو الذي نهى عنه . انتهى .
وقال
الراغب في مقدمة " تفسيره " : اختلف الناس في تفسير القرآن : هل يجوز
[ ص: 306 ] لكل ذي علم الخوض فيه ؟ فمنهم من بالغ ومنع الكلام - ولو تفنن الناظر في العلوم ، واتسع باعه في المعارف - إلا بتوقيف عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، أو عمن شاهد التنزيل من الصحابة ، أو من أخذ منهم من التابعين ، واحتجوا بقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018661من فسر القرآن برأيه فقد أخطأ . وفي رواية :
من قال في القرآن برأيه فقد كفر .
وقيل : إن كان ذا معرفة وأدب فواسع له تفسيره ؛ والعقلاء والأدباء فوضى في معرفة الأغراض ، واحتجوا بقوله - تعالى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29ليدبروا آياته وليتذكر أولو الألباب ( ص : 29 ) .
الرَّابِعُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28962التَّفْسِيرُ بِالْمُقْتَضَى مِنْ مَعْنَى الْكَلَامِ وَالْمُقْتَضَبِ مِنْ قُوَّةِ الشَّرْعِ . وَهَذَا هُوَ الَّذِي دَعَا بِهِ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018658اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ وَعَلِّمْهُ التَّأْوِيلِ .
وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الْجِهَادِ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
عَلِيٍّ : هَلْ خَصَّكُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ ؟ فَقَالَ : مَا عِنْدَنَا غَيْرُ مَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ ، أَوْ فَهْمٌ يُؤْتَاهُ الرَّجُلُ .
[ ص: 303 ] وَعَلَى هَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ الذَّوْقِ : لِلْقُرْآنِ نُزُولٌ وَتَنَزُّلٌ ، فَالنُّزُولُ قَدْ مَضَى ، وَالتَّنَزُّلُ بَاقٍ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ .
وَمِنْ هَاهُنَا اخْتَلَفَ الصَّحَابَةُ فِي مَعْنَى الْآيَةِ فَأَخَذَ كُلُّ وَاحِدٍ بِرَأْيِهِ عَلَى مُنْتَهَى نَظَرِهِ فِي الْمُقْتَضَى .
وَلَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=28964تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ الرَّأْيِ وَالِاجْتِهَادِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ لِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=36وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ( الْإِسْرَاءِ : 36 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( الْبَقَرَةِ : 169 ) وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ ( النَّحْلِ : 44 ) فَأَضَافَ الْبَيَانَ إِلَيْهِمْ .
وَعَلَيْهِ حَمَلُوا قَوْلَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018659مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ، رَوَاهُ
الْبَيْهَقِيُّ مِنْ طُرُقٍ ، مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018660مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَأَصَابَ فَقَدْ أَخْطَأَ أَخْرَجَهُ
أَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ ، وَقَالَ : غَرِيبٌ ، مِنْ حَدِيثِ
ابْنِ جُنْدُبٍ .
وَقَالَ
الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ : هَذَا إِنْ صَحَّ ، فَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الرَّأْيَ الَّذِي يَغْلِبُ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ قَامَ عَلَيْهِ ، فَمِثْلُ هَذَا الَّذِي لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ بِهِ فِي النَّوَازِلِ ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ
[ ص: 304 ] تَفْسِيرُ الْقُرْآنِ بِهِ . وَأَمَّا الرَّأْيُ الَّذِي يُسْنِدُهُ بُرْهَانٌ فَالْحُكْمُ بِهِ فِي النَّوَازِلِ جَائِزٌ ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=1الصِّدِّيقِ : أَيُّ سَمَاءٍ تُظِلُّنِي ، وَأَيُّ أَرْضٍ تُقِلُّنِي إِذَا قُلْتُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِرَأْيِي .
وَقَالَ فِي " الْمَدْخَلِ " : فِي هَذَا الْحَدِيثِ نَظَرٌ ، وَإِنْ صَحَّ فَإِنَّمَا أَرَادَ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - : فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ ، فَسَبِيلُهُ أَنْ يُرْجَعَ فِي تَفْسِيرِ أَلْفَاظِهِ إِلَى أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَفِي مَعْرِفَةِ نَاسِخِهِ وَمَنْسُوخِهِ ، وَسَبَبِ نُزُولِهِ ، وَمَا يَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى بَيَانِهِ إِلَى أَخْبَارِ الصَّحَابَةِ ؛ الَّذِينَ شَاهَدُوا تَنْزِيلَهُ ، وَأَدَّوْا إِلَيْنَا مَنْ سُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا يَكُونُ تِبْيَانًا لِكِتَابِ اللَّهِ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=44وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ( النَّحْلِ : 44 ) .
فَمَا وَرَدَ بَيَانُهُ عَنْ صَاحِبِ الشَّرْعِ ، فَفِيهِ كِفَايَةٌ عَنْ ذِكْرِهِ مِنْ بَعْدِهِ ، وَمَا لَمْ يَرِدْ عَنْهُ بَيَانٌ فَفِيهِ حِينَئِذٍ فِكْرَةُ أَهْلِ الْعِلْمِ بَعْدَهُ ، لِيَسْتَدِلُّوا بِمَا وَرَدَ بَيَانُهُ عَلَى مَا لَمْ يَرِدْ .
قَالَ : وَقَدْ يَكُونُ الْمُرَادُ بِهِ مَنْ قَالَ فِيهِ بِرَأْيِهِ مِنْ غَيْرِ مَعْرِفَةٍ مِنْهُ بِأُصُولِ الْعِلْمِ وَفُرُوعِهِ ، فَتَكُونُ مُوَافَقَتُهُ لِلصَّوَابِ - وَإِنْ وَافَقَهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْرِفُهُ - غَيْرُ مَحْمُودَةٍ .
وَقَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=15151أَبُو الْحَسَنِ الْمَاوَرْدِيُّ فِي " نُكَتِهِ " : قَدْ حَمَلَ بَعْضُ الْمُتَوَرِّعَةِ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَامْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَسْتَنْبِطَ مَعَانِيَ الْقُرْآنِ بِاجْتِهَادِهِ . وَلَوْ صَحِبَتْهَا الشَّوَاهِدُ ، وَلَمْ يُعَارِضْ شَوَاهِدَهَا نَصٌّ صَرِيحٌ ، وَهَذَا عُدُولٌ عَمَّا تُعُبِّدْنَا بِمَعْرِفَتِهِ مِنَ النَّظَرِ فِي الْقُرْآنِ وَاسْتِنْبَاطِ الْأَحْكَامِ مِنْهُ ، كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ( النِّسَاءِ : 83 ) .
وَلَوْ صَحَّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ إِلَّا بِالِاسْتِنْبَاطِ ، وَلَمَا فَهِمَ الْأَكْثَرُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ شَيْئًا - وَإِنْ صَحَّ الْحَدِيثُ - فَتَأْوِيلُهُ أَنَّ مَنْ تَكَلَّمَ فِي الْقُرْآنِ بِمُجَرَّدِ رَأْيِهِ وَلَمْ يُعَرِّجْ عَلَى سِوَى لَفْظِهِ
[ ص: 305 ] وَأَصَابَ الْحَقَّ فَقَدْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ ، وَإِصَابَتُهُ اتِّفَاقٌ ، إِذِ الْغَرَضُ أَنَّهُ مُجَرَّدُ رَأْيٍ لَا شَاهِدَ لَهُ ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَ :
الْقُرْآنُ ذَلُولٌ ذُو وُجُوهٍ مُحْتَمَلَةٍ ، فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ .
وَقَوْلُهُ : ذَلُولٌ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مُطِيعٌ لِحَامِلِيهِ ، يُنْطَقُ بِأَلْسِنَتِهِمْ . الثَّانِي : أَنَّهُ مُوَضِّحٌ لِمَعَانِيهِ حَتَّى لَا تَقْصُرَ عَنْهُ أَفْهَامُ الْمُجْتَهِدِينَ .
وَقَوْلُهُ : " ذُو وُجُوهٍ " يَحْتَمِلُ مَعْنَيَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّ مِنْ أَلْفَاظِهِ مَا يَحْتَمِلُ وُجُوهًا مِنَ التَّأْوِيلِ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ قَدْ جَمَعَ وُجُوهًا مِنَ الْأَوَامِرِ وَالنَّوَاهِي ، وَالتَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ ، وَالتَّحْلِيلِ وَالتَّحْرِيمِ .
وَقَوْلُهُ : " فَاحْمِلُوهُ عَلَى أَحْسَنِ وُجُوهِهِ " يَحْتَمِلُ أَيْضًا وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : الْحَمْلُ عَلَى أَحْسَنِ مَعَانِيهِ . وَالثَّانِي : أَحْسَنِ مَا فِيهِ مِنَ الْعَزَائِمِ دُونَ الرُّخَصِ ، وَالْعَفْوِ دُونَ الِانْتِقَامِ ، وَفِيهِ دَلَالَةٌ ظَاهِرَةٌ عَلَى جَوَازِ الِاسْتِنْبَاطِ وَالِاجْتِهَادِ فِي كِتَابِ اللَّهِ .
وَقَالَ
أَبُو اللَّيْثِ : النَّهْيُ إِنَّمَا انْصَرَفَ إِلَى الْمُتَشَابِهِ مِنْهُ ؛ لَا إِلَى جَمِيعِهِ ؛ كَمَا قَالَ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ( آلِ عِمْرَانَ : 7 ) لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا نَزَلَ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ ، فَلَوْ لَمْ يَجُزِ التَّفْسِيرُ لَمْ تَكُنِ الْحُجَّةُ بَالِغَةً ؛ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لِمَنْ عَرَفَ لُغَاتِ الْعَرَبِ وَشَأْنَ النُّزُولِ أَنْ يُفَسِّرَهُ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ وَلَمْ يَعْرِفْ وُجُوهَ اللُّغَةِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسِّرَهُ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا سَمِعَ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْحِكَايَةِ لَا عَلَى سَبِيلِ التَّفْسِيرِ ، فَلَا بَأْسَ بِهِ وَلَوْ أَنَّهُ يَعْلَمُ التَّفْسِيرَ ، فَأَرَادَ أَنْ يَسْتَخْرِجَ مِنَ الْآيَةِ حِكْمَةً أَوْ دَلِيلًا لِحُكْمٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ . وَلَوْ قَالَ : الْمُرَادُ مِنَ الْآيَةِ كَذَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسْمَعَ مِنْهُ شَيْئًا فَلَا يَحُلُّ ، وَهُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ . انْتَهَى .
وَقَالَ
الرَّاغِبُ فِي مُقَدِّمَةِ " تَفْسِيرِهِ " : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ : هَلْ يَجُوزُ
[ ص: 306 ] لِكُلِّ ذِي عِلْمٍ الْخَوْضُ فِيهِ ؟ فَمِنْهُمْ مَنْ بَالَغَ وَمَنَعَ الْكَلَامَ - وَلَوْ تَفَنَّنَ النَّاظِرُ فِي الْعُلُومِ ، وَاتَّسَعَ بَاعُهُ فِي الْمَعَارِفِ - إِلَّا بِتَوْقِيفٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، أَوْ عَمَّنْ شَاهَدَ التَّنْزِيلَ مِنَ الصَّحَابَةِ ، أَوْ مَنْ أَخَذَ مِنْهُمْ مَنِ التَّابِعِينَ ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1018661مَنْ فَسَّرَ الْقُرْآنَ بِرَأْيِهِ فَقَدْ أَخْطَأَ . وَفِي رِوَايَةِ :
مَنْ قَالَ فِي الْقُرْآنِ بِرَأْيِهِ فَقَدْ كَفَرَ .
وَقِيلَ : إِنْ كَانَ ذَا مَعْرِفَةٍ وَأَدَبٍ فَوَاسِعٌ لَهُ تَفْسِيرُهُ ؛ وَالْعُقَلَاءُ وَالْأُدَبَاءُ فَوْضَى فِي مَعْرِفَةِ الْأَغْرَاضِ ، وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ - تَعَالَى - :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=29لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ( ص : 29 ) .