الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          فصل ( في قواعد في هذا الباب مهمة )

                                                          تقدم أن شرط المد حرفه ، وأن سببه موجبه .

                                                          ( فالشرط ) قد يكون لازما فيلزم في كل حال نحو : ( أولئك ، و قالوا آمنا ، و الحاقة ) أو يرد على الأصل نحو : ( وأمره إلى الله ، بعضهم إلى بعض ، به إليكم ) . وقد يكون عارضا فيأتي في بعض الأحوال نحو ( ملجأ ) حالة الوقف ، أو يجيء على غير الأصل نحو ( أأنتم ) عند من فصل ، ونحو ( أألد ، أأمنتم من ، و من السماء إلى ) عند من أبدل الثانية ، وقد يكون ثابتا فلا يتغير عن حالة السكون ، وقد يكون مغيرا نحو ( يضيء ) ، و ( سوء ) في وقف حمزة وهشام ، وقد يكون قويا فتكون حركة ما قبله من جنسه ، وقد يكون ضعيفا فيخالف حركة ما قبله من جنسه . وكذلك السبب قد يكون لازما نحو ( أتحاجوني ) [ ص: 351 ] و ( إسرائيل ) ، وقد يكون عارضا نحو ( والنجوم مسخرات ) حالة الإدغام والوقف و ( اؤتمن ) حالة الابتداء . وقد يكون مغيرا نحو ( الم الله حالة الوصل ) و ( هؤلاء إن ) حالة الوصل عند البزي وأبي عمرو وحالة الوقف عند حمزة ، وقد يكون قويا ، وقد يكون ضعيفا ، والقوة والضعف في السبب يتفاضل ، فأقواه ما كان لفظيا ، ثم أقوى اللفظي ما كان ساكنا أو متصلا وأقوى الساكن ما كان لازما ، وأضعفه ما كان عارضا . وقد يتفاضل عند بعضهم لزوما وعروضا ، فأقواه ما كان مدغما كما تقدم ويتلو الساكن العارض ما كان منفصلا ، ويتلوه ما تقدم الهمز فيه على حرف المد ، وهو أضعفها . وإنما قلنا : اللفظي أقوى من المعنوي ؛ لإجماعهم عليه ، وكان الساكن أقوى من الهمز ; لأن المد فيه يقوم مقام الحركة ، فلا يتمكن من النطق بالساكن بحقه إلا بالمد ; ولذلك اتفق الجمهور على مده قدرا واحدا ، وكان أقوى من المتصل لذلك ، وكان المتصل أقوى من المنفصل لإجماعهم على مده ، وإن اختلفوا في قدره ، ولاختلافهم في مد المنفصل وقصره وكان المنفصل أقوى مما تقدم فيه الهمز لإجماع من اختلف في المد بعد الهمز على مد المنفصل ، فمتى اجتمع الشرط والسبب مع اللزوم والقوة لزم المد ووجب إجماعا ، ومتى تخلف أحدهما أو اجتمعا ضعيفين ، أو غير الشرط أو عرض ولم يقو السبب - امتنع المد إجماعا ، ومتى ضعف أحدهما ، أو عرض السبب ، أو غير - جاز المد وعدمه على خلاف بينهم في ذلك كما سيأتي مفصلا ، ومتى اجتمع سببان عمل بأقواهما ، وألغي أضعفهما إجماعا ، وهذا معنى قول الجعبري : إن القوي ينسخ حكم الضعيف ، ويتخرج على هذه القواعد مسائل :

                                                          ( الأولى ) : لا يجوز مد نحو ( خلوا إلى ، و ابني آدم ) كما تقدم ، وذلك لضعف الشرط باختلاف حركة ما قبله والسبب بالانفصال ، ويجوز مد نحو ( سوءة ، و هيئة ) لورش من طريق الأزرق كما تقدم ؛ لقوة السبب بالاتصال كما يجوز مد " عين " و " هذين " في الحالين ونحو : الموت ، والليل وقفا لقوة السبب بالسكون .

                                                          ( الثانية ) : لا يجوز المد في وقف [ ص: 352 ] حمزة وهشام على نحو ( وتذوقوا السوء ، وحتى تفيء ) حالة النقل إن وقف بالسكون ؛ لتغير حرف المد بنقل حركة الهمزة إليه ، ولا يقال إنه إذ ذاك حرف مد قبل همز مغير ; لأن الهمز لما زال حرك حرف المد ، ثم سكن حرف المد للوقف ، وأما قول السخاوي : وتقف على ( المسيء ) بإلقاء حركة الهمزة على الياء وحذف الهمزة ، ثم تسكن الياء للوقف ولا يسقط المد ; لأن الياء وإن زال سكونها فقد عاد إليها - فإن أراد المد الذي كان قبل النقل وهو الزيادة على المد الطبيعي فليس بجيد ; لأنه لا خلاف في إسقاطه ، وإن أراد المد الذي هو الصفة اللازمة قد عاد إلى الياء بعد أن لم يكن حالة حركتها بالنقل فمسلم ; لأنه يصير مثل ( هو وهي ) في الوقف من نحو قوله : ( وهو بكل ، وهي تجري ) ، وكذا قوله في ( ليسوءوا ) ، والله أعلم .

                                                          ( الثالثة ) : لا يجوز عن ورش من طريق الأزرق مد نحو ( أألد ، أأمنتم من ، و " جاء أجلهم " ، و " السماء إلى " ، و " أولياء أولئك " ) حالة إبدال الهمزة الثانية حرف مد ، كما يجوز له مد نحو ( آمنوا ، وإيمان ) وأوتي لعروض حرف المد بالإبدال ، وضعف السبب لتقدمه على الشرط ، وقيل : للتكافؤ ، وذلك أن إبداله على غير الأصل من حيث إنه على غير قياس ، والمد أيضا غير الأصل ، فكافأ القصر الذي هو الأصل فلم يمد ، ويرد على هذا طردا نحو ( ملجأ ) فإن إبدال ألفه على الأصل وقصره إجماع ، ويرد عليه عكسا نحو ( أأنذرتهم ، و جاء أمرنا ) فإن إبدال ألفه على غير الأصل ومده إجماع ، فالأولى أن يقال : إن منع مده من ضعف سببه ليدخل نحو ( ملجأ ) لضعف السبب ، ويخرج نحو ( أأنذرتهم ) لقوته ، واختلف في نحو ( أأنتم ، و أينا ، و أأنزل ) في مذهب من أدخل بين الهمزتين ألفا من الألف فيها مفخمة جيء بها للفصل بين الهمزتين لثقل اجتماعهما ، فذهب بعضهم إلى الاعتداد بها ؛ لقوة سببية الهمز ، ووقوعه بعد حرف المد من كلمة ، فصار من باب المتصل ، وإن كانت عارضة كما اعتد بها من أبدل ومد لسببية السكون [ ص: 353 ] وهذا مذهب جماعة ، منهم أبو عبد الله بن شريح ، نص عليه في " الكافي " فقال في باب المد : فإن قيل : إن هشاما إذا استفهم وأدخل بين الهمزتين ألفا يمد الألف التي قبل الهمزة ، قيل : إنما يمد من أجل الهمزة الثانية ، فهو كـ ( خائفين ) ونحوه ( وقال ) في باب الهمزتين من كلمة : إن قالون وأبا عمرو وهشاما يدخلون بينهما ألفا فيمدون ، وهو ظاهر كلام " التيسير " في مسألة ( هاأنتم ) حيث قال : ومن جعلها - يعني الهاء - مبدلة وكان ممن يفصل بالألف زاد في التمكين سواء حقق الهمزة أو لينها ، وصرح بذلك في " جامع البيان " كما سيأتي مبينا عند ذكرها في باب الهمزة المفردة - إن شاء الله - وقال الأستاذ المحقق أبو محمد عبد الواحد بن محمد بن أبي السداد المالقي في شرح " التيسير " من باب الهمزتين من كلمة ، عند قوله : وقالون وهشام وأبو عمرو يدخلونها - أي الألف - قال : فعلى هذا يلزم المد بين المحققة واللينة ، إلا أن مد هشام أطول ، ومد السوسي أقصر ، ومد قالون والدوري أوسط ، وكله من قبيل المد المتصل . ( قلت ) : إنما جعل مد السوسي أقصر ; لأنه يذهب إلى ظاهر كلام " التيسير " من جعل مراتب المتصل خمسة ، والدنيا منها لمن قصر المنفصل كما قدمنا ، وبزيادة المد قرأت من طريق " الكافي " في ذلك كله ، والله تعالى أعلم .

                                                          وذهب الجمهور إلى عدم الاعتداد بهذه الألف ؛ لعرضها ولضعف سببية الهمز عند السكون ، وهو مذهب العراقيين كافة وجمهور المصريين والشاميين والمغاربة ، وعامة أهل الأداء . وحكى بعضهم الإجماع عن ذلك ، قال الأستاذ أبو بكر بن مهران فيما حكاه عنه أبو الفخر حامد بن حسنويه الجاجاني في كتابه " حلية القراء " عند ذكره أقسام المد : أما مد الحجز ، ففي مثل قوله : ( أأنذرتهم ، و أؤنبئكم ، و " أإذا ) وأشباه ذلك ، قال : وإنما سمي مد الحجز ; لأنه أدخل بين الهمزتين حاجزا ، وذلك أن العرب تستثقل الجمع بين الهمزتين ، فتدخل بينهما مدة تكون حاجزة بينهما لإحداهما عن الأخرى ، قال : ومقداره ألف تامة بالإجماع ; لأن [ ص: 354 ] الحجز يحصل بهذا القدر ، ولا حاجة إلى الزيادة . انتهى ، وهو الذي يظهر من جهة النظر ; لأن المد إنما جيء به زيادة على حرف المد الثابت ؛ بيانا له وخوفا من سقوطه لخفائه ، واستعانة على النطق بالهمز بعده لصعوبته ، وإنما جيء بهذه الألف زائدة بين الهمزتين ؛ فصلا بينهما واستعانة على الإتيان بالثانية ، فزيادتها هنا كزيادة المد في حرف المد ، ثم فلا يحتاج إلى زيادة أخرى ، وهذا هو الأولى بالقياس والأداء ، والله تعالى أعلم .

                                                          ( الرابعة ) يجوز المد وعدمه لعروض السبب ، ويقوى بحسب قوته ، ويضعف بحسب ضعفه ، فالمد في نحو : نستعين ، ويؤمنون ، وقفا عند من اعتد بسكونه أقوى منه في نحو ( إيذن ، و أؤتمن ) ابتداء عند من اعتد بهمزة ؛ لضعف سبب تقدم الهمز عن سكون الوقف ; ولذلك كان الأصح إجراء الثلاثة في الأول دون الثاني كما تقدم ، ومن ثم جرت الثلاثة في الوقف على ( ايت ) حالة الابتداء ؛ لقوة سبب السكون على سبب الهمز المتقدم ، والله أعلم .

                                                          ( الخامسة ) يجوز المد وعدمه إذا غير سبب المد عن صفته التي من أجلها كان المد ، سواء كان السبب همزا أو سكونا ، وسواء كان تغيير الهمز بين بين ، أو بالإبدال ، أو بالنقل ، أو بالحذف كما سيأتي في الهمزتين من كلمتين ووقف حمزة وهشام وقراءة أبي جعفر ، وغير ذلك . فالمد لعدم الاعتداد بالعارض الذي آل إليه اللفظ واستصحاب حاله فيما كان أولا وتنزيل السبب المغير كالثابت والمعدوم - كالملفوظ والقصر اعتدادا بما عرض له من التغير والاعتبار بما صار إليه اللفظ . والمذهبان قويان ، والنظران صحيحان مشهوران معمول بهما نصا وأداء ، قرأت بهما جميعا ، والأول أرجح عند جماعة من الأئمة كأبي عمرو الداني ، وابن شريح وأبي العز القلانسي ، والشاطبي ، وغيرهم ، وحجتهم أن من مد عامل الأصل ، ومن قصر عامل اللفظ ، ومعاملة الأصل أوجه وأقيس ، وهذا اختيار الجعبري ، والتحقيق في ذلك أن يقال فيما ذهب بالتغير اعتباطا : هو الثاني ، وفيما بقي [ ص: 355 ] له أثر يدل عليه : هو الأول ؛ ترجيحا للموجود على المعدوم . فقد حكى أبو بكر الداجوني ، عن أحمد بن جبير وأصحابه ، عن نافع في الهمزتين المتفقتين نحو ( السماء أن تقع ) قال : يهمزون ولا يطولون ( السماء ) ولا يهمزونها ، وهذا نص منه على القصر من أجل الحذف ، وهو عين ما قلناه ، والله أعلم .

                                                          ومما يدل على صحة ما ذكرناه ، ترجيح المد على القصر لأبي جعفر في قراءته ( إسراييل ) ونحوه بالتليين ؛ لوجود أثر الهمزة ، ومنع المد في ( شركاي ) ونحوه في رواية من حذف الهمزة عن البزي لذهاب الهمزة ، وقد يعارض استصحاب الحكم مانع آخر ، فيترجح الاعتداد بالعارض ، أو يمتنع ألبتة ; ولذلك يستثني جماعة ممن لم يعتد بالعارض لورش من طريق الأزرق ( آلآن ) في موضعي يونس لعارض غلبه التخفيف بالنقل ; ولذلك خص نافع نقلها من أجل توالي الهمزات ، فأشبهت اللازم ، وقيل : لثقل الجمع بين المدين ، فلم يعتد بالثانية لحصول الثقل بها ، واستثنى الجمهور منهم ( عادا الأولى ) لغلبة التغيير ، وتنزيله بالإدغام منزلة اللازم ، وأجمعوا على استثناء ( يواخذ ) ؛ للزوم البدل ، ولذلك لم يجز في الابتداء بنحو ( الإيمان ، المولى ، آلآن ) سوى القصر لغلبة الاعتداد بالعارض كما قدمنا .

                                                          ( تنبيه ) لا يجوز بهذه القاعدة إلا المد على استصحاب الحكم ، أو القصر على الاعتداد بالعارض ، ولا يجوز التوسط إلا برواية ، ولا نعلمها ، والفرق بين عروض الموجب وتغييره واضح سيأتي في التنبيه العاشر ، والله أعلم .

                                                          ويتخرج على ما قلناه فروع :

                                                          ( الأول ) إذا قرئ لأبي عمرو ومن وافقه على نحو ( هؤلاء إن كنتم صادقين ) بحذف إحدى الهمزتين في وجه قصر المنفصل وقدر حذف الأولى فيها على مذهب الجمهور ، فالقصر فيها لانفصاله مع وجهي المد والقصر في ( أولاء إن كنتم ) لعروض الحذف وللاعتداد بالعارض ، فإذا قرئ في وجه المد المنفصل فالمد في ( ها ) مع المد في ( أولاء إن ) وجها واحدا ، ولا يجوز المد في ( ها ) مع قصر ( أولاء إن ) ; لأن ( أولاء ) لا يخلو من أن يقدر متصلا أو منفصلا ، فإن قدر منفصلا مد مع مد ( ها ) أو قصر مع قصرها ، وإن قدر متصلا [ ص: 356 ] مد مع قصر ( ها ) فلا وجه حينئذ لمد ( ها ) المتفق على انفصاله وقصر ( أولاء ) المختلف في اتصاله ، ويكون جميع ما فيها ثلاثة أوجه فحسب .

                                                          ( الثاني ) إذا قرئ في هذا ونحوه لقالون ومن وافقه بتسهيل الأولى - فالأربعة أوجه المذكورة جائزة ، فمع قصر ( ها ) المد والقصر في ( أولاء ) ومع مد ( ها ) كذلك استصحابا للأصل إلا اعتدادا بالعارض ، إلا أن المد في ( ها ) مع القصر في ( أولاء ) يضعف باعتبار أن سبب الاتصال - ولو تغير - أقوى من الانفصال ؛ لإجماع من رأى قصر المنفصل على جواز مد المتصل ، وإن غير سببه دون العكس ، والله أعلم .

                                                          ( الثالث ) إذا قرئ ( هانتم هؤلاء ) لأبي عمرو وقالون ، وقدر أن ( ها ) في ( هانتم ) للتنبيه ، فمن مد المنفصل عنهما جاز له في " هانتم " وجهان ؛ لتغير الهمز ، ومن قصره فلا يجوز له إلا القصر فيهما ، ولا يجوز مد ( ها ) من " هانتم " وقصر ( ها ) من ( هؤلاء ) إذ لا وجه له ، والله أعلم ، وسيأتي ذلك .

                                                          ( الرابع ) إذا قرئ لحمزة وهشام في أحد وجهيه نحو ( هم السفهاء ، و من السماء ) وقفا في وجه الروم جاز المد والقصر على القاعدة ، وإذا قرئ بالبدل وقدر حذف المبدل فالمد على المرجوح والقصر على الأرجح من أجل الحذف ، وتظهر فائدة هذا الخلاف في نحو ( هؤلاء ) إذا وقف عليها بالروم لحمزة ، وسهلت الهمزة الأولى لتوسطها بعد الألف جاز في الألفين المد والقصر معا لتغير الهمزتين بعد حرفي المد ، ولا يجوز مد أحدهما وقصر الآخر من أجل التركيب ، وإن وقف بالبدل وقدر الحذف كما تقدم جاز في ألف ( ها ) الوجهان مع قصر ألف ( أولاء ) على الأرجح ؛ لبقاء أثر التغير في الأولى وذهابه إلى الثانية ، وجاز مدهما وقصرهما كما جاز في وجه الروم على وجه التفرقة بين ما بقي أثره وذهب ، والله تعالى أعلم ، وسيأتي بيان ذلك بحقه في باب وقف حمزة وهشام على الهمز .

                                                          ( الخامس ) لو وقف على زكريا لهشام في وجه التخفيف جاز حالة البدل المد والقصر جريا على القاعدة ، فلو وقف عليه لحمزة لم يجز له سوى القصر ؛ للزوم التخفيف لغة ; ولذلك لم يجز لورش في نحو ( ترى ) سوى القصر .

                                                          ( السادس ) [ ص: 357 ] لا يمتنع بعموم القاعدة المذكورة إجراء المد والقصر في حرف المد بعد الهمز المغير في مذهب ورش من طريق الأزرق ، بل القصر ظاهر عبارة صاحب " العنوان " و " الكامل " ، و " التلخيص " ، و " الوجيز " ; ولذلك لم يستثن أحد منهم ما أجمع على استثنائه من ذلك نحو ( يؤاخذ ) ولا ما اختلف فيه من ( آلآن ، و عادا الأولى ) ولا مثل أحد منهم بشيء من المغير ولا تعرضوا له ، ولم ينصوا إلا على الهمز المحقق ، ولا مثلوا إلا به كما تقدم ، وهذا صريح ، أو كالصريح في الاعتداد بالعارض ، وله وجه قوي ، وهو ضعف سبب المد بالتقدم وضعفه بالتغير ، وتظهر فائدة الخلاف في ذلك في نحو ( من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ) فمن لم يعتد بالعارض في ( الآخر ) ساوى بين " آمنا " وبين " الآخر " مدا وتوسطا وقصرا ، ومن اعتد به مدا توسط في ( آمنا ) وقصر في " الآخر " ، ولكن العمل على عدم الاعتداد بالعارض في الباب كله سوى ما استثني من ذلك فيما تقدم ، وبه قرأت وبه آخذ ، ولا أمنع الاعتداد بالعارض خصوصا من طرق من ذكرت ، والله أعلم .

                                                          ( السابع ) ( آلآن ) في موضعي يونس إذا قرئ لنافع وأبي جعفر وجه إبدال همزة الوصل ألفا ، ونقل حركة الهمزة بعد اللام إليها - جاز لهما في هذه الألف المبدلة المد باعتبار استصحاب حكم المد للساكن والقصر باعتبار الاعتداد بالعارض على القاعدة المذكورة ، فإن وقف لهما عليها جاز مع كل واحد من هذين الوجهين في الألف التي بعد اللام ما يجوز لكون الوقف ، وهو المد والتوسط والقصر ، وهذه الثلاثة يجوز أيضا لحمزة في حال وقفه بالنقل . وأما ورش من طريق الأزرق فله حكم آخر من حيث وقوع كل من الألفين بعد الهمز ، إلا أن الهمزة الأولى محققة ، والثانية مغيرة بالنقل .

                                                          وقد اختلف في إبدال همزة الوصل التي نشأت عنها الألف الأولى وفي تسهيلها بين بين ، فمنهم من رأى إبدالها لازما ، ومنهم من رآه جائزا ، ومنهم من رأى تسهيلها لازما ، ومنهم من رآه جائزا ، وسيأتي تحقيقه في باب الهمزتين من كلمة ، فعلى القول بلزوم البدل يلتحق بباب المد الواقع بعد همز ، ويصير حكمها حكم ( آمن ) فيجري فيها للأزرق المد والتوسط والقصر ، وعلى [ ص: 358 ] القول الآخر بجواز البدل يلتحق باب ( آنذرتهم ، و آلد ) للأزرق ، عن ورش ، فيجري فيها حكم الاعتداد بالعارض ، فيقصر مثل ( أألد ) وعدم الاعتداد به فيمد كـ ( آنذرتهم ) ولا يكون من باب ( آمن ) وشبهه ، فذلك لا يجري فيها على هذا التقدير توسط ، وتظهر فائدة هذين التقديرين في الألف الأخرى ، فإذا قرئ بالمد في الأولى جاز في الثانية ثلاثة ، وهي المد والتوسط والقصر ، فالمد على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها ، وعلى تقدير لزوم البدل في الأولى ، وعلى تقدير جوازه فيها إن لم يعتد بالعارض . وهذا في " التبصرة " لمكي وفي " الشاطبية " ، ويحتمل لصاحب " التجريد " ، والتوسط في الثانية مع مد الأولى بهذين التقديرين المذكورين ، وهو في " التيسير " و " الشاطبية " ، والقصر في الثانية مع الأولى ، وعلى تقدير الاعتداد بالعارض في الثانية ، وعلى تقدير لزوم البدل في الأولى ، ولا يحسن أن يكون على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها لتصادم المذهبين ، وهذا الوجه في " الهداية " و " الكافي " وفي " الشاطبية " أيضا ، ويحتمل لصاحب " تلخيص العبارات " ، و " التجريد " و " الوجيز " ، وإذا قرئ بالتوسط في الأولى جاز في الثانية وجهان ، وهما التوسط والقصر ، ويمتنع المد فيها من أجل التركيب ، فتوسط الأولى على تقدير لزوم البدل ، وتوسط الثانية على تقدير عدم الاعتداد بالعارض فيها ، وهذا الوجه طريق أبي القاسم خلف بن خاقان ، وهو أيضا في " التيسير " ، ويخرج من " الشاطبية " ، ويظهر من " تلخيص العبارات " و " الوجيز " ، وقصر الثانية على تقدير الاعتداد بالعارض فيها ، وعلى تقدير لزوم البدل في الأولى ، وهو في " جامع البيان " ، ويخرج من الشاطبية ، ويحتمل من تلخيص ابن بليمة و " الوجيز " . وإذا قرئ بقصر الأولى جاز في الثانية القصر ليس إلا ; لأن قصر الأولى إما أن يكون على تقدير لزوم البدل فيكون على مذهب من لم ير المد بعد الهمز كطاهر بن غلبون فعدم جوازه في الثانية من باب أولى ، وإما أن يكون على تقدير جواز البدل والاعتداد معه بالعارض كظاهر ما يخرج من " الشاطبية " ، فحينئذ يكون الاعتداد بالعارض في الثانية أولى وأحرى [ ص: 359 ] فيمتنع إذا مع قصر الأولى مد الثانية وتوسطها ، فخذ تحرير هذه المسألة بجميع أوجهها ، وطرقها ، وتقديراتها ، وما يجوز وما يمتنع ، فلست تراه في غير ما ذكرت لك ، ولي فيها إملاء قديم لم أبلغ فيه هذا التحقيق ، ولغيري عليها أيضا كلام مفرد بها ، فلا يعول على خلاف ما ذكرت هنا ، والحق أحق أن يتبع ، وقد نظمت هذه الأوجه التي لا يجوز غيرها على مذهب من أبدل ، فقلت :

                                                          للأزرق في الآن ستة أوجه على وجه إبدال لدى وصله تجري     فمد وثلث ثانيا ثم وسطن
                                                          به وبقصر ثم بالقصر مع قصر

                                                          وقولي لدى وصله قيد ليعلم أن وقفه ليس كذلك ، فإن هذه الأوجه الثلاثة الممتنعة حالة الوصل تجوز لكل من نقل في حالة الوقف كما تقدم ، وقولي على وجه إبدال ليعلم أن هذه الستة لا تكون إلا على وجه إبدال همزة الوصل ألفا ، أما على وجه تسهيلها فيظهر لها ثلاثة أوجه في الألف الثانية .

                                                          ( المد ) وهو ظاهر كلام الشاطبي وكلام الهذيل ، ويحتمله كتاب " العنوان " .

                                                          ( والتوسط ) طريق أبي الفتح فارس ، وهو في " التيسير " ، وظاهر كلام الشاطبي أيضا .

                                                          ( والقصر ) وهو غريب في طريق الأزرق ; لأن أبا الحسن طاهر بن غلبون وابن بليمة اللذين رويا عنه القصر في باب " آمن " مذهبهما في همزة الوصل الإبدال لا التسهيل ، ولكنه ظاهر من كلام الشاطبي مخرج من اختياره ، ويحتمل احتمالا قويا في " العنوان " ، نعم هو طريق الأصبهاني ، عن ورش ، وهو أيضا لقالون وأبي جعفر ، والله تعالى أعلم .

                                                          ( الثامن ) إذا قرئ ( الم ) بالوصل جاز لكل من القراء في الياء من ( ميم ) المد ، والقصر باعتبار استصحاب حكم المد والاعتداد بالعارض على القاعدة المذكورة ، وكذلك يجوز لورش ومن وافقه عن النقل في ( الم ، أحسب ) الوجهان المذكوران بالقاعدة المذكورة ، وممن نص على ترك المد إسماعيل بن عبد الله النخاس ، ومحمد بن عمر بن خيرون القيرواني ، عن أصحابهما ، عن ورش . وقال الحافظ أبو عمرو الداني : والوجهان جيدان ، وممن نص على الوجهين أيضا أبو محمد مكي وأبو العباس [ ص: 360 ] المهدوي . وقال الأستاذ أبو الحسن طاهر بن غلبون في " التذكرة " : وكلا القولين حسن غير أني بغير مد قرأت فيهما ، وبه آخذ .

                                                          ( قلت ) : إنما رجح القصر من أجل أن الساكن ذهب بالحركة ، وأما قول أبي عبد الله الفاسي : ولو أخذ بالتوسط في ذلك مراعاة لجانبي اللفظ والحكم لكان وجها - فإنه تفقه وقياس لا يساعده نقل ، وسيأتي علة منعه والفرق في التنبيه العاشر قريبا ، والله أعلم .

                                                          ( التاسع ) إذا قرئ لورش بإبدال الهمزة الثانية من المتفقتين في كلمتين حرف مد وحرك ما بعد الحرف المبدل بحركة عارضة وصلا ، إما لالتقاء الساكنين نحو ( لستن كأحد من النساء إن اتقيتن ) أو بإلقاء الحركة نحو ( على البغا إن أردن ) ، و للنبي إن أراد جاز القصر إن اعتد بحركة الثاني ، فيصير مثل ( في السما إله ) ، وجاز المد إن لم يعتد بها فيصير مثل ( هؤلاء إن كنتم ) ، وذلك على القاعدة المذكورة .

                                                          ( العاشر ) تقدم التنبيه على أنه لا يجوز التوسط فيما تغير سبب المد فيه على القاعدة المذكورة ، ويجوز فيما تغير سبب القصر نحو ( نستعين ) . في الوقف ، وإن كان كل منهما على الاعتداد بالعارض فيهما وعدمه ، والفرق بينهما أن المد في الأول هو الأصل ، ثم عرض التغيير في السبب ، والأصل أن لا يعتد بالعارض فمد على الأصل ، وحيث اعتد بالعارض قصر إذا كان القصر ضدا للمد ، والقصر لا يتفاوت ، وأما القصر في الثاني فإنه هو الأصل عدما للاعتداد بالعارض ، فهو كالمد في الأول ، ثم عرض سبب المد ، وحيث اعتد بالعارض مد ، وإن كان ضدا للقصر ، إلا أنه يتفاوت طولا وتوسطا ، فأمكن التفاوت فيه ، واطردت في ذلك القاعدة ، والله أعلم .

                                                          ( المسألة السادسة ) في العمل بأقوى السببين ، وفيه فروع :

                                                          ( الأول ) إذا قرئ نحو قوله : ( لا إله إلا الله ) ، و ( لا إكراه في الدين ) ، و ( فلا إثم عليه ) لحمزة في مذهب من روى المد للمبالغة عنه ، فإنه يجتمع في ذلك السبب [ ص: 361 ] اللفظي والمعنوي ، واللفظي أقوى كما تقدم ، فيمد له فيه مدا مشبعا على أصله في المد لأجل الهمزة ، كما يمد ( بما أنزل ) ويلغى المعنوي فلا يقرأ فيه بالتوسط له كما لا يقرأ ( لا ريب فيه ) و ( لا جرم ) و ( لا عوج ) وشبهه ؛ إعمالا للأقوى وإلغاء للأضعف .

                                                          ( الثاني ) إذا وقفت على نحو ( يشاء ) و ( تفيء ) و ( السوء ) بالسكون ، لا يجوز فيه القصر على أحد وإن كان ساكنا للوقف ، وكذا لا يجوز التوسط وفقا لمن مذهبه الإشباع وصلا ، بل يجوز عكسه ، وهو الإشباع وفقا لمن مذهبه التوسط وصلا إعمالا للسبب الأصلي دون السبب العارض ، فلو وقف القارئ لأبي عمرو مثلا على ( السماء ) بالسكون ، فإن لم يعتد بالعارض كان مثله في حالة الوصل ، ويكون كمن وقف له على ( الكتاب ، و الحساب ) بالقصر حالة السكون ، وإن اعتد بالعارض زيد في ذلك إلى الإشباع ، ويكون كمن وقف بزيادة المد في الكتاب والحساب ، ولو وقف مثلا عليه لورش لم يجز له غير الإشباع ، ولا يجوز له ما دون ذلك من توسط أو قصر ، ولم يكن ذلك من سكون الوقف ; لأن سبب المد لم يتغير ، ولم يعرض حالة الوقف ، بل ازداد قوة إلى قوته بسكون الوقف ، ولم يجز لورش من طريق الأزرق في الوقف على شيء إلا المد والتوسط ، ويمتنع له القصر ويجوز لغيره كما تقدم ، والله أعلم .

                                                          ( الثالث ) إذا وقف لورش من طريق الأزرق على نحو ( يستهزئون ، ومتكئين ، و المآب ) فمن روى عنه المد وصلا وقف كذلك ، سواء اعتد بالعارض ، أو لم يعتد ، ومن روى التوسط وصلا وقف به إن لم يعتد بالعارض ، وبالمد إن اعتد به كما تقدم ، ومن روى القصر كأبي الحسن بن غلبون وأبي علي الحسن بن بليمة وقف كذلك إذا لم يعتد بالعارض وبالتوسط ، أو الإشباع إن اعتد به ، وتقدم .

                                                          ( الرابع ) إذا قرئ له أيضا نحو ( رأى أيديهم ، وجاءوا أباهم ، و السوءى [ ص: 362 ] أن كذبوا ) وصلا مد وجها واحدا مشبعا عملا بأقوى السببين ، وهو المد لأجل الهمز بعد حرف المد في ( أيديهم ، وأباهم ، وأن كذبوا ) فإن وقف على ( رأى ، وجاءوا ، و السوءى ) جازت الثلاثة الأوجه بسبب تقدم الهمز على حرف المد ، وذهاب سببية الهمز بعده ، وكذلك لا يجوز له في نحو ( برآء ، وآمين البيت ) إلا الإشباع وجها واحدا في الحالين ؛ تغليبا لأقوى السببين ، وهو الهمز والسكون ، وألغي الأضعف ، وهو تقدم الهمز عليه .

                                                          ( الخامس ) إذا وقف على المشدد بالسكون نحو ( صواف ، و دواب ، و تبشرون ) عند من شدد النون . وكذلك ( الذان ، والذين ، وهاتين ) فمقتضى إطلاقهم لا فرق في قدر هذا المد وقفا ووصلا ، ولو قيل بزيادته في الوقف على قدره في الوصل لم يكن بعيدا ، فقد قال كثير منهم بزيادة ما شدد على غير المشدد ، وزادوا مد ( لام ) من ( الم ) على مد ( ميم ) من أجل التشديد ، فهذا أولى لاجتماع ثلاثة سواكن . وقد ذهب الداني إلى الوقف بالتخفيف في هذا النوع من أجل اجتماع هذه السواكن ما لم يكن أحدها ألفا ، وفرق بين الألف وغيرها ، وهو مما لم يقل به أحد غيره ، وسيأتي ذكر ذلك في موضعه في آخر باب الوقف .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية