الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          تنبيهات

                                                          ( الأول ) : أنه كل ما يمال أو يلطف وصلا فإنه عليه كذلك من غير خلاف عن أحد من أئمة القراءة إلا ما كان من كلم أميلت الألف فيه من أجل كسرة وكانت الكسرة متطرفة نحو الدار ، الحمار ، هار ، الأبرار ، الناس ، المحراب فإن جماعة من أهل الأداء ذهبوا إلى الوقف في مذهب من أمال في الوصل محضا ، أو بين اللفظين بإخلاص الفتح ، هذا إذا وقف بالسكون اعتدادا منهم بالعارض إذ الموجب للإمالة حالة الوصل هو الكسر ، وقد زال بالسكون فوجب الفتح ، وهذا مذهب أبي بكر الشذائي وأبي الحسن بن المنادي وابن حبش وابن أشته ، وغيرهم وحكي هذا المذهب أيضا عن البصريين ، ورواه داود بن أبي طيبة عن ورش ، وعن ابن كيسة عن سليم عن حمزة وذهب الجمهور إلى أن الوقف على ذلك في مذهب من أمال بالإمالة الخالصة ، وفي مذهب من قرأ بين بين كذلك بين اللفظين كالوصل سواء إذ الوقف عارض والأصل أن لا يعتد بالعارض ، ولأن الوقف مبني على الوصل كما أميل وصلا لأجل الكسرة فإنه كذلك يمال وقفا .

                                                          وإن عدمت الكسرة فيه وليفرق بذلك بين الممال لعلة وبين ما لا يمال أصلا وللإعلام بأن ذلك في حال الوصل كإعلامهم بالروم ، والإشمام حركة الموقوف عليه ، وهذا مذهب الأكثرين من أهل الأداء واختيار جماعة المحققين ، وهو الذي عليه العمل من عامة المقرئين ، وهو الذي لم يذكر أكثر المؤلفين سواه كصاحب التيسير ، والشاطبية ، والتلخيصين والهادي ، والهداية ، والعنوان ، والتذكرة ، والإرشادين ، وابن مهران والداني والهذلي وأبي العز ،

                                                          [ ص: 73 ] ، وغيرهم ، واختاره في التبصرة ، وقال : سواء رمت ، أو سكنت ورد على من فتح حالة الإسكان ، وقال : إن ذلك ليس بالقوي ، ولا بالجيد لأن الوقف غير لازم والسكون عارض ( قلت ) : وكلا الوجهين صحيحان عن السوسي نصا وأداء ، وقرأنا بهما من روايتيه ، وقطع بهما له صاحب المبهج ، وغيره ، وقطع له بالفتح فقط الحافظ أبو العلاء الهمداني في غايته ، وغيره والأصح أن ذلك مخصوص به من طريق ابن جرير ومأخوذ به من طريق ابن حبش كما نص عليه في المستنير ، وفي التجريد ، وابن فارس في جامعه ، وغيرهم وأطلق أبو العلاء ذلك في الوقف ، ولم يقيده بسكون وقيده آخرون برءوس الآي كابن سوار والصقلي وذهب بعضهم إلى الإمالة بين بين ، ومن هؤلاء من جعل ذلك مع الروم كما نص عليه في الكافي ، وقال : إنه مذهب البغداديين ، ومنهم من أطلق واكتفى بالإمالة اليسيرة إشارة إلى الكسر ، وهذا مذهب أبي طاهر بن أبي هاشم وأصحابه وحكي أنه قرأ به على ابن مجاهد وأبي عثمان عن الكسائي ، وعلى ابن مجاهد عن أصحابه عن اليزيدي والصواب تقييد ذلك بالإسكان وإطلاقه في رءوس الآي ، وغيرها . وتعميم الإسكان بحالتي الوقف والإدغام الكبير كما تقدم ثم إن سكون كليهما عارض ، وذلك نحو النار ربنا ، الأبرار ربنا ، الغفار لا جرم ، الفجار لفي ، وذلك من طريق ابن حبش عن ابن جرير كما نص عليه أبو الفضل الخزاعي وأبو عبد الله القصاع ، وغيرهما ، وقد ذكرنا ذلك في آخر باب الإدغام ، وقد تترجح الإمالة عند من يأخذ بالفتح من قوله في النار لخزنة جهنم لوجود الكسرة بعد الألف حالة الإدغام بخلاف غيره ( قلته ) قياسا - والله أعلم - .

                                                          ويشبه إجراء الثلاثة من الإمالة وبين بين والفتح لإسكان الوقف إجراء الثلاثة من المد والتوسط والقصر في سكون الوقف بعد حرف المد ، لكن الراجح في باب المد هو الاعتداد بالعارض ، وفي الإمالة عكسه والفرق بين الحالين أن المد موجبه الإسكان ، وقد حصل فاعتبروا الإمالة موجبها الكسر ، وقد زال فلم يعتبر - والله أعلم - .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية