الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                          صفحة جزء
                                                          ثم اختلف هؤلاء الراوون للتكبير عن المذكورين في ابتداء التكبير وانتهائه وصيغته بناء منهم على أن التكبير هو لأول السورة ، أو لآخرها ، وهذا ينبني على سبب التكبير ما هو كما تقدم .

                                                          أما ابتداؤه ، فروى جمهورهم التكبير من أول سورة ألم نشرح ، أو من آخر سورة والضحى على خلاف بينهم في العبارة ينبني على ما قدمنا ، وينبني عليها ما يأتي . فمن نص على التكبير من آخر والضحى صاحب التيسير ، لم يقطع فيه بسواه ، وكذلك شيخه أبو الحسن بن غلبون صاحب التذكرة ، لم يذكر غيره ، وكذا والده ، وأبو الطيب في إرشاده ، وكذلك صاحب العنوان ، وصاحب الكافي ، وصاحب الهداية ، وصاحب الهادي ، وأبو علي بن بليمة وأبو محمد مكي وأبو معشر الطبري أبو محمد سبط الخياط في مبهجه من غير طريق الشنبوذي وأبو القاسم الهذلي . وممن نص عليه من أول ألم نشرح صاحب التجريد من قراءته على غير الفارسي والمالكي ، وأبو العز في إرشاده وكفايته من غير طريق من رواه من أول والضحى كما سيأتي .

                                                          وكذلك صاحب الجامع ، وصاحب المستنير ، والحافظ أبو العلاء ، وغيرهم [ ص: 418 ] من العراقيين ممن لم يرو التكبير من أول " الضحى " إذ هم في التكبير بين من صرح به من أول ألم نشرح وبين من صرح به من أول والضحى كما سنذكره ، ولم يصرح أحد بآخر الضحى كما صرح به من قدمنا من أئمة المغاربة ، وغيرهم ، وروى الآخرون من أهل الأداء التكبير من أول والضحى ، وهو الذي في الروضة لأبي علي البغدادي ، وبه قرأ صاحب التجريد على الفارسي والمالكي ، وبه قطع صاحب الجامع إلا من طريق ابن فرح هبة الله عن أبي ربيعة كلاهما عن البزي وإلا من طريق نظيف عن قنبل ، وليس ذلك من طرقنا ، وبذلك قطع الحافظ أبو العلاء البزي ولقنبل من طريق ابن مجاهد ، وفي إرشاد أبي العز من طريق النقاش عن أبي ربيعة ، وقال في كفايته : روى البزي وابن فليح والحمامي والقطان عن زيد وبكار عن ابن مجاهد عن قنبل وابن شنبوذ وابن الصباح ، وابن عبد الرزاق ونظيف يعني عن قنبل أن التكبير من أول سورة والضحى قال : والباقون يعني من أصحاب ابن كثير يكبرون من أول ألم نشرح .

                                                          وقال في المستنير : قرأت على شيخنا أبي علي الشرمقاني عن ابن فليح وابن ذوابة عن اللهبيين ، وطرق الحمامي عن البزي ، وعلى شيخنا أبي العطار رحمهما الله عن جميع ما قرأ به على أبي إسحاق لابن كثير وعلى ابن العلاف للخزاعي وعلى الحمامي عن النقاش وهبة الله عن اللهبي ، وعلى ابن الفحام عن ابن فرح ، وعلى أبي الحسن الخياط عن البزي ، وعن نظيف عن قنبل ، وعلى أبي الحسن بن طلحة لقنبل ، وعلى الشيخ أبي الفتح الواسطي لقنبل بالتكبير من أول سورة والضحى قال : وقرأت عمن بقي من روايات ابن كثير وطرقه على شيوخي بالتكبير من أول ألم نشرح ، وذكره في المبهج من رواية أبي الفرج الشنبوذي فقط يعني من روايتي البزي ، وقنبل ، ثم قال : لأن الكارزيني حكى أنه لما قرأ عليه لابن كثير ختم سورة " والليل " وسكت ، ثم قال : ثم قرأت بالتكبير من أول والضحى ، وهو الذي قرأ به الداني على الفارسي عن النقاش عن أبي ربيعة عن البزي كما ذكره في جامع البيان ، وغيره إلا أنه لم يختره ، واختاره [ ص: 419 ] أن يكون من آخر الضحى كما سنذكره ولذلك لما أشار إليه في التيسير آخرا رده بقوله : والأحاديث الواردة عن المكيين بالتكبير دالة على ما ابتدأنا به لأن فيها " مع " ، وهي تدل على الصحة والإجماع . انتهى .

                                                          ( ولم يرو ) أحد التكبير من آخر " والليل " كما ذكروه من آخر " والضحى " ، ومن ذكره كذلك فإنما أراد كونه من أول الضحى ، ولا أعلم أحدا صرح بهذا اللفظ إلا الهذلي في كامله تبعا للخزاعي في المنتهى ، وإلا الشاطبي حيث قال :

                                                          وقال به البزي من آخر الضحى وبعض له من آخر الليل وصلا

                                                          ولما رأى بعض الشراح قوله هذا مشكلا قال : مراده بالآخر في الموضعين أول السورتين ، أي : أول ألم نشرح وأول والضحى وهذا فيه نظر لأنه يكون بذلك مهملا رواية من رواه من آخر والضحى وهو الذي في التيسير ، والظاهر أنه سوى بين الأول والآخر في ذلك ، وارتكب في ذلك المجاز وأخذ باللازم في الجواز ، وإلا فالقول بأنه من آخر الليل حقيقة لم يقل به أحد . قال الشراح : قول الشاطبي " وبعض له " أي : للبزي ، وصل التكبير من آخر سورة " والليل " يعني : من أول الضحى . قال أبو شامة : هذا الوجه من زيادات هذه القصيدة ، وهو قول صاحب الروضة ، قال : وروى البزي التكبير من أول سورة والضحى انتهى . وأما الهذلي فإنه قال : ابن الصباح وابن بقرة يكبران من خاتمة " والليل " .

                                                          قلت : ابن الصباح هذا هو محمد بن عبد العزيز بن عبد الله بن الصباح وابن بقرة هو أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن هارون المكيان مشهوران من أصحاب قنبل ، وهما ممن روى التكبير من أول الضحى كما نص عليه ابن سوار وأبو العز ، وغيرهما ، وهذا الذي ذكروه من أن المراد بآخر الليل هو أول الضحى متعين إذ التكبير إنما هو ناشئ عن النصوص المتقدمة والنصوص المتقدمة دائرة بين ذكر الضحى وأول ألم نشرح لم يذكر في شيء منها " والليل " فعلم أن المقصود بذكر آخر الليل هو أول الضحى كما حمله شراح كلام الشاطبي . وهو الصواب بلا شك - والله أعلم - .

                                                          التالي السابق


                                                          الخدمات العلمية