الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 247 ] حديث ثامن عشر من البلاغات

مالك أنه بلغه أن عبد الرحمن بن أبي بكر دخل على عائشة يوم مات سعد بن أبي وقاص ، فدعا بوضوء ، فقالت له عائشة : يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

التالي السابق


هذا الحديث يرويه سالم الدوسي ، وهو سالم بن عبد الله مولى دوس ، ويقال مولى النصريين ، ويقال : مولى مالك بن أوس بن الحدثان النصري ، وهو سالم سبلان ، فاختلف عليه فيه ، وقيل : بل الاختلاف على يحيى بن أبي كثير في حديثه عن عائشة ، وهو حديث مدني حسن روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجوه شتى .

فأما حديث عائشة ، فحدثناه عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا محمد بن شاذان الجوهري قال : حدثنا عاصم بن علي قال : حدثنا ابن أبي ذئب ، عن عمران بن بشير ، عن سالم سبلان قال : خرجنا مع عائشة - رحمها الله - إلى مكة ، وكانت تخرج معها بأبي يحيى التيمي يصلي بها ، قال : فأدركها عبد الرحمن بن أبي بكر فأساء عندها الوضوء ، فقالت عائشة : يا عبد الرحمن [ ص: 248 ] أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

وروى هذا الحديث يحيى بن أبي كثير ، عن سالم الدوسي ، فاختلف فيه على يحيى ، فرواه عكرمة بن عمار ، عن يحيى بن أبي كثير قال : حدثني أبو سلمة قال : حدثني سالم مولى المهري قال : سمعت عائشة تنادي عبد الرحمن : أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

وذكره مسلم من رواية عكرمة أيضا ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن سالم مولى المهري قال : خرجت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر في جنازة سعد بن أبي وقاص ، فمررنا على باب حجرة عائشة فذكر الحديث .

ورواه أيوب بن عتبة ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن أبي سلمة ، عن معيقب قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار ، وهذا خطأ ، - والله أعلم - ، والصواب في هذا الحديث عن يحيى بن أبي كثير ما رواه عنه الأوزاعي ، وحرب بن شداد ، وحسين المعلم ، وشيبان ، فإنهم اتفقوا فيه فرووه عن يحيى ، عن سالم ، عن عائشة لا ذكر فيه لأبي سلمة ، وليس حديث عكرمة بن عمار مما يرفع ; لأنه قد يجوز أن يكون يحيى ابن أبي كثير ، سمعه من أبي سلمة ، من سالم ، عن عائشة ، ثم سمعه من سالم ، فحدث به عنه ، عن عائشة ، فإن قال قائل : إن المقبري رواه ، عن أبي سلمة ، عن عائشة ، قيل له : يحتمل أن يكون أبو سلمة أرسله عن عائشة ، وهو قد سمعه من سالم عنها ، [ ص: 249 ] فإن قيل إن ابن عجلان يقول فيه عن المقبري ، عن أبي سلمة أنه سمع عائشة تقول : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

قيل له : لم يقل ذلك ، عن ابن عجلان من يوثق بحفظه .

حدثنا سعيد بن نصر ، حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا محمد بن إسماعيل الترمذي ، حدثنا الحميدي ، حدثنا سفيان ، عن محمد بن عجلان ، عن سعيد بن أبي سعيد ، عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : توضأ عبد الرحمن بن أبي بكر ، عند عائشة فقالت له : يا عبد الرحمن أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

فهذه الرواية ، عن ابن عجلان تدل - والله أعلم - على أنه أبو سلمة من عائشة .

وأما رواية أيوب بن عتبة ، عن يحيى ، عن أبي سلمة ، عن معيقب فخطأ لا شك فيه - والله أعلم - ، وأيوب بن عتبة ضعيف جدا ، والصواب فيه ما رواه الأوزاعي ، ومن تابعه ، ورواية عكرمة بن عمار غير مرفوعة في هذا ، والله أعلم .

حدثنا محمد بن عبد الله بن حكم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا إسحاق بن أبي حسان قال : حدثنا هشام بن عمار قال : حدثنا عبد الحميد بن حبيب قال : حدثنا الأوزاعي قال : حدثني يحيى [ ص: 250 ] بن أبي كثير ، عن سالم الدوسي قال : دخلت مع عبد الرحمن بن أبي بكر على عائشة ، فدعا بوضوء ، فقالت : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان قال : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا أحمد بن يزيد المعلم قال : حدثنا يزيد بن محمد قال : حدثنا يزيد بن زريع ، وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا أحمد بن محمد البرتي قال : حدثنا أبو معمر قال : حدثنا عبد الوارث قالا : حدثنا حسين قال : حدثنا يحيى بن أبي كثير قال : حدثني سالم زاد عبد الوارث بن عبد الله ، ثم اتفقا الدوسي قال : دخلت أنا وعبد الرحمن بن أبي بكر على عائشة ، فدعا بوضوء ، قالت : يا عبد الرحمن ، أسبغ الوضوء ، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

وحدثنا سعيد بن نصر ، وعبد الوارث بن سفيان قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ قال : حدثنا جعفر بن محمد قال : حدثنا محمد بن سابق قال : حدثنا شيبان ، عن يحيى بن أبي كثير ، عن سالم مولى دوس أنه سمع عائشة تقول لعبد الرحمن فذكر مثله .

وقد روى هذا الحديث حيوة بن شريح قال : أخبرنا أبو الأسود أن أبا عبد الله مولى شداد بن الهادي حدثه أنه دخل على عائشة ، وعندها عبد الرحمن بن أبي بكر فذكر الحديث .

[ ص: 251 ] وقد روى هذا الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أبو هريرة من حديث سهيل بن أبي صالح ، عن أبيه ، عن أبي هريرة ، ومن حديث شعبة ، عن محمد بن زياد ، عن أبي هريرة .

حدثنا أحمد بن قاسم بن عيسى قال : حدثنا عبيد الله بن محمد ابن حبابة قال : حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز البغوي قال : حدثنا علي بن الجعد ، أخبرنا شعبة ، عن محمد بن زياد قال : سمعت أبا هريرة ، وكان يمر بنا والناس يتطهرون من المطهرة فيقول : أسبغوا الوضوء ، فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ويل للعقب من النار .

ورواه جابر من حديث أبي إسحاق ، عن عبد الله بن خليفة ، وعبيد الله بن مرثد ، أو ابن أبي مرثد ، وسعيد بن أبي كريب ، عن جابر ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - إلا أنه اختلف فيه ، عن أبي إسحاق ، فطائفة ترويه عنه ، عن عبد الله بن خليفة ، وطائفة عن عبيد الله بن أبي مرثد ، وطائفة عن سعيد بن أبي كريب ، وكلهم ليس بالمشهور .

ورواه عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيري من حديث الليث ، وابن لهيعة ، عن حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، سمع عبد الله بن الحارث صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ( قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ) يقول : ويل للأعقاب ، وبطون الأقدام من النار .

[ ص: 252 ] حدثنا عبد الرحمن بن يحيى قال : حدثنا أحمد بن مطرف قال : حدثنا سعيد بن عثمان ، وسعيد بن حميد قالا : حدثنا يحيى بن إبراهيم قال : حدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير ، عن الليث فذكره .

وحدثنا عبد الوارث ، وأحمد بن قاسم قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، حدثنا الحسن بن موسى قال : حدثنا عبد الله بن لهيعة قال : حدثني حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم قال : سمعت عبد الله بن الحارث صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب ، وبطون الأقدام من النار .

ورواه ابن أبي مريم ، عن نافع بن بريد ، فلم يذكر فيه بطون الأقدام ، حدثناه خلف بن قاسم ، حدثنا الحسن بن جعفر ، حدثنا يوسف بن يزيد ، حدثنا سعيد بن أبي مريم ، أخبرنا نافع بن يزيد ، والليث بن سعد قالا : حدثنا حيوة بن شريح ، عن عقبة بن مسلم ، عن عبد الله بن الحارث بن جزء قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ويل للأعقاب من النار .

ورواه عبد الله بن عمرو من حديث منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو .

رواه الثوري ، وغيره ، عن منصور ، وروي أيضا من حديث أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وروي من حديث جابر ، وأبي ذر ، وأبي أمامة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وفيها ضعف .

[ ص: 253 ] حدثنا خلف بن قاسم ، حدثنا أحمد بن محمد بن عبيد بن آدم ، حدثنا أبو معن ثابت بن نعيم ، حدثنا آدم ابن أبي إياس ، حدثنا إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سعيد ابن أبي كريب ، عن جابر بن عبد الله قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قدم رجل نحو الدرهم لم يغسله فقال : ويل للأعقاب من النار .

واختلف فيه على أبي إسحاق ، وأصح حديث في هذا الباب من جهة الإسناد ، حديث أبي هريرة ، وحديث عبد الله بن الحارث بن جزء الزبيري ، وحديث عبد الله بن عمرو بن العاص ، ثم حديث عائشة ، فهو مدني حسن .

أخبرنا محمد بن إبراهيم قال : حدثنا محمد بن معاوية قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا عمرو بن علي قال : حدثنا عبد الرحمن قال : حدثنا سفيان ، عن منصور ، عن هلال بن يساف ، عن أبي يحيى ، عن عبد الله بن عمرو قال : رأى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قوما يتوضئون فرأى أعقابهم تلوح فقال : ويل للأعقاب من النار أسبغوا الوضوء .

وحدثنا عبد الوارث قال : حدثنا قاسم قال : حدثنا بكر بن حماد قال : حدثنا مسدد قال : حدثنا أبو عوانة ، عن أبي بشر ، عن يوسف بن ماهك ، عن عبد الله بن عمرو قال : تخلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفرة سافرناها فأدركنا ، وقد أرهقتنا الصلاة - صلاة العصر - ونحن [ ص: 254 ] نتوضأ فجعلنا نمسح على أرجلنا فنادى بأعلى صوته : ويل للأعقاب من النار مرتين ، أو ثلاثا .

قال أبو عمر :

في هذا الحديث من الفقه إيجاب غسل الرجلين ، وفي ذلك تفسير لقول الله - عز وجل - : ( وأرجلكم إلى الكعبين ) ، وبيان أنه أراد الغسل لا المسح ، وإن كانت قد قرئت وأرجلكم بالجر ، فذلك معطوف على اللفظ دون المعنى ، والمعنى فيه الغسل على التقديم والتأخير ، فكأنه قال : - عز وجل - إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا ، وجوهكم ، وأيديكم إلى المرافق ، وأرجلكم إلى الكعبين ، وامسحوا برءوسكم .

والقراءتان بالنصب والجر صحيحتان مستفيضتان ، والمسح ضد الغسل ، ومخالف له ، وغير جائز أن تبطل إحدى القراءتين بالأخرى ما وجد إلى تخريج الجمع بينهما سبيل ، وقد وجدنا العرب تخفض بالجوار ، كما قال امرؤ القيس :


كبير أناس في بجاد مزمل



فخفض بالجوار ، وإنما المزمل الرجل ، وإعرابه هاهنا الرفع .

[ ص: 255 ] وكما قال زهير :


لعب الزمان بها وغيرها بعدي سوافي المور والقطر



قال أبو حاتم : كان الوجه القطر بالرفع ، ولكن جره على جوار المور كما قالت العرب : هذا جحر ضب خرب ، فجرته ، وإنما هو رفع ( وخفضه بالمجاورة ) ، ومن هذا قراءة أبي عمرو يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس بالجر ; لأن النحاس : الدخان فعلى ما ذكرنا تكون معنى القراءة بالجر النصب ، ويكون الخفض على اللفظ للمجاورة ، والمعنى : الغسل ، وقد يراد بلفظ المسح الغسل عند العرب من قولهم : تمسحت للصلاة ، والمراد الغسل ، ويشير إلى هذا التأويل كله قول النبي - صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار .

وعلى هذا القول والتأويل جمهور علماء المسلمين ، وجماعة فقهاء الأمصار بالحجاز ، والعراق ، والشام ، من أهل الحديث والرأي ، وإنما روي مسح الرجلين ، عن بعض الصحابة ، وبعض التابعين ، وتعلق به الطبري ، وذلك غير صحيح في نظر ، ولا أثر .

والدليل على وجوب غسل الرجلين قوله - صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار ، فخوفنا بذكر النار من مخالفة مراد الله - عز وجل - ، ومعلوم أنه لا يعذب بالنار إلا على ترك الواجب ، ألا ترى إلى ما في حديث عبد الله بن عمر : فرأى أعقابنا تلوح فقال : ويل للأعقاب من النار .

وأوضح من هذا ما في حديث عبد الله بن الحارث : ويل للأعقاب ، وبطون الأقدام من النار .

ومعلوم أن المسح ليس شأنه [ ص: 256 ] الاستيعاب ، ولا خلاف بين القائلين بالمسح على الرجلين أن ذلك على ظهورهما لا على بطونهما ، فتبين بهذا الحديث بطلان قول من قال بمسح القدمين ، إذ لا مدخل لمسح بطونهما عندهم ، وأن ذلك إنما يدرك بالغسل لا بالمسح ، ودليل آخر من الإجماع ، وذلك أنهم أجمعوا على أن من غسل قدميه أدى الواجب الذي عليه .

واختلفوا فيمن مسح قدميه ، فاليقين : ما أجمعوا عليه دون ما اختلفوا فيه ، وقد اتفقوا أن الفرائض إنما يصلح أداؤها باليقين ، وإذا جاز عند من قال بالمسح على القدمين أن يكون من غسل قدميه قد أدى الفرض عنده ، فالقول في هذا الحال بالاتفاق هو اليقين مع قوله - صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار .

وقد قيل : إن من قرأ : وأرجلكم بالخفض أراد به المسح على الخفين مع ما روي في ذلك من الآثار ، والله أعلم .

وذكر أشهب ، عن مالك أنه سئل عن قول الله - عز وجل - أرجلكم إلى الكعبين في آية الوضوء أبالنصب أم بالخفض ؟ فقال : هو الغسل ، ولا يجزي المسح .

قال أبو عمر :

من قرأ‌ بالنصب فصل بين المسح والغسل بالإعراب ، فكأنه قال : اغسلوا ، وجوهكم ، وأيديكم إلى المرافق ، وأرجلكم إلى الكعبين ، وكأن ذلك أشبه بفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وبأمره ، فأما فعله ، فما نقل الجمهور كافة ، عن [ ص: 257 ] كافة عنه - صلى الله عليه وسلم - أنه كان يغسل رجليه في وضوئه مرة ، واثنتين ، وثلاثا حتى ينقيهما .

وأما أمره ، فقوله - صلى الله عليه وسلم : ويل للأعقاب من النار ، وقد جاء عنه - صلى الله عليه وسلم - ويل للأعقاب ، وبطون الأقدام من النار ، وويل للعراقيب من النار .

ولو لم يكن الغسل ، واجبا ما خوف من لم يغسل عقبيه ، وعرقوبيه بالنار ; لأن المسح ليس من شأنه الاستيعاب ، ولا يبلغ به العراقيب ، ولا الأعقاب .

قال أبو عمر :

العرقوب هو مجمع مفصل الساق ، والقدم ، والكعب هو الناتئ في أصل الساق ، يدلك على ذلك حديث النعمان بن بشير قال : أقبل ( علينا ) رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بوجهه فقال : أقيموا صفوفكم ، قال : فرأيت الرجل يلزق كعبه بكعب صاحبه .

والعقب هو مؤخر الرجل تحت العرقوب .

وقد ذكرنا اختلاف العلماء في الكعبين ، وأوضحنا المذاهب عن العرب ، وأهل العلم في العرقوب ، والكعب في باب عمرو بن يحيى ، والحمد لله .

وقال ابن وهب ، عن مالك ليس على أحد تخليل أصابع رجليه في الوضوء ، ولا في الغسل ، ولا خير في الجفاء ، والغلو .

قال : ابن وهب تخليل أصابع رجليه في الوضوء مرغب فيه ، ولابد من ذلك في أصابع [ ص: 258 ] اليدين ، وأما أصابع رجليه فإن لم يخللها فلابد من إيصال الماء إليها .

وقال ابن القاسم عن مالك : من لم يخلل أصابع رجليه ، فلا شيء عليه .

وقال محمد بن خالد ، عن ابن القاسم ، عن مالك فيمن توضأ على نهر فحرك رجليه ، أنه لا يجزيه حتى يغسلهما بيديه .

قال : ابن القاسم ، وإن قدر على غسل إحداهما بالأخرى أجزأه .

قال أبو عمر :

يلزم من قال : إن الغسل لا يكون إلا بمرور اليدين أن يقول : إنه لا يجزيه أن غسل إحداهما بالأخرى ، ويلزمه أن يقول تخليل أصابع اليدين والرجلين لأن الأمر بغسلهما واحد .

وقد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه كان إذا توضأ يدلك أصابع رجليه بخنصره ، وهذا عندنا على الكمال .

وقد مضى في صفة الغسل من الجنابة في باب هشام بن عروة من هذا الكتاب ما يستدل به على معنى هذا الباب ، ومضى في باب عمرو بن يحيى من هذا الكتاب أيضا القول في غسل المرفقين مع اليدين ، والكعبين مع الرجلين ، فلا معنى لإعادة ذلك هاهنا .

وقد كان مالك - رحمه الله - في آخر عمره يدلك أصابع رجليه بأصابع يديه لحديث حدثه ابن وهب ( ذكر أحمد بن وهب ) قال : [ ص: 259 ] حدثني عمي عبد الله بن وهب قال : سئل مالك ، عن تخليل أصابع الرجلين في الوضوء ، فقال : أليس ذلك على الناس ؟ فأمهلته حتى خف الناس عنه ، ثم قلت له : يا أبا عبد الله ، سمعتك تفتي في مسألة عندنا فيها سنة ، قال : وما هي ؟ قلت : حدثنا ابن لهيعة ، والليث بن سعد ، عن يزيد بن عمرو المعافري ، عن أبي عبد الرحمن الحبلي ، عن المستورد بن شداد قال : رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ فيخلل ( بخنصره ) ما بين أصابع رجليه .

قال : فقال لي مالك إن هذا لحسن ، وما سمعت به قط إلا الساعة .

قال : ابن وهب ، ثم سمعته بعد ذلك يسأل عن تخليل الأصابع في الوضوء فيأمر به .

وروى غيره ، عن ابن وهب : فرأيته يعمل به ، ولم يقل بأمره .




الخدمات العلمية