الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد

ابن عبد البر - أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر

صفحة جزء
1101 [ ص: 182 ] حديث ثان وأربعون لزيد بن أسلم منقطع في رواية يحيى ، وهو مسند صحيح من رواية القعنبي ، وغيره .

مالك ، عن زيد بن أسلم أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكلالة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يكفيك من ذلك الآية التي نزلت في الصيف في سورة النساء .

التالي السابق


هكذا رواه يحيى مرسلا ، وتابعه أكثر الرواة على إرساله ، ووصله القعنبي ، وابن القاسم على اختلاف عنه فقالا فيه : عن مالك ، عن زيد بن أسلم ، عن أبيه ، عن عمر بن الخطاب .

[ ص: 183 ] ورواه ابن وهب ، ومطرف ، وابن بكير ، وأبو المصعب ، ومصعب ، ومعن ، وابن عفير كما رواه يحيى لم يقولوا ، عن أبيه ، وقد تقدم القول في رواية أسلم ، عن مولاه أنها محمولة عند أهل العلم على الاتصال ، وقد رواه الحارث بن مسكين ، عن ابن القاسم ، عن مالك عن زيد بن أسلم أن عمر كما قال يحيى وغيره .

حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا أحمد بن محمد المكي ، قال : حدثنا علي بن عبد العزيز ، وحدثنا قال : حدثنا بكر بن علاء القاضي ، قال : حدثنا أحمد بن موسى الشامي ، قالا جميعا : حدثنا القعنبي ، قال : قرأت على مالك عن زيد بن أسلم ، عن أبيه أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكلالة فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : يكفيك من ذلك الآية التي نزلت في الصيف في آخر سورة النساء . هكذا قال القعنبي في آخر سورة النساء ، وقال يحيى في سورة النساء وقد روي هذا الحديث مسندا من حديث البراء بن عازب ، وسنذكره - إن شاء الله - .

[ ص: 184 ] وفي هذا الحديث دليل على أن العالم إذا سئل عما فيه خبر في الكتاب ، أو في السنة ، ويكون دليل ذلك الخطاب بينا ، أن له أن يحيل السائل عليه ، ويكله إلى فهمه فيه إذا كان السائل ممن يصلح لهذا ، ونزل تلك المنزلة .

وفيه دليل على استعمال عموم اللفظ وظاهره ما لم يرد شيء يخصه .

واختلف الناس في معنى الكلالة فأما أهل اللغة فقال ابن الأنباري وغيره : قوله : ( كلالة ) هو أن يموت الرجل ، ولا ولد له ، ولا والد ، قالوا : وقيل هي مصدر من تكلله النسب أي أحاط به ، ومنه سمي الإكليل ، وهو منزلة من منازل القمر لإحاطتها بالقمر إذا احتل بها ، ومنه الإكليل ، وهو التاج ، والعصابة المحيطة بالرأس سمي بذلك لإحاطته بالرأس فجرى لفظ الكلالة مجرى الشجاعة ، والسماحة ، والأب والابن طرفا الرجل فإذا ذهبا تكلله النسب أي أحاط به ، ومنه قيل " روضة مكللة إذا حفت بالنور ، وقال بعضهم : هي اسم للمصيبة في تكلل النسب ، وأنشدوا .

[ ص: 185 ]

مسكنه روضة مكللة عم بها الأيهقان والذرق



- يعني نبتين . وقال الخليل : كل الرجل كلالة إذا لم يكن له ولد ، وكلل إذا ذهب ، وروضة مكللة بالنور أي : محفوفة به ، وذكر أبو حاتم ، والأثرم ، عن أبي عبيدة ، قال : الكلالة كل من لم يرثه أب ، أو ابن ، أو أخ فهو عند العرب كلالة يورث كلالة ، مصدر من تكلله النسب أي أحاط به ، وتعطف عليه ، قال أبو عبيدة : ومن قرأ يورث كلالة فهم العصبة الرجال الورثة ، وذكر إسماعيل القاضي كلام أبي عبيدة هذا إلى آخره ، ثم قال : ويشبه أن تكون اللغة تحتمل هذا كله يعني ما ذكره عن العلماء من قولهم الكلالة من لا ولد له ، ولا والد إلى سائر ما ذكر مما سنذكر أكثره في هذا الباب ، ثم قال : إسماعيل فأريد بالآية التي في أول سورة النساء من لا أب له ، ولا جد ، وأريد بالآية التي في آخر سورة النساء من لا ولد له ; وإنما أوجب قول من قال في الكلالة في أول [ ص: 186 ] سورة النساء : أنه من لا ولد له ، ولا والد ; لأن الجد في هذا الموضع يمنع الإخوة للأم كما منعهم الأب ، ولم يوجب هذا أن الجد يقوم مقام الأب مع الإخوة من الأب ; لأن البنت قد منعت الإخوة من الأم كما منعهم الأب ، والجد لا يقوم مقام الأب مع الإخوة من الأب ، وقد يقوم الوارث مقام الوارث في منع بعض الوارثين ، ولا يقوم مقامه في منع كل ما يمنعه الآخر . قال : وحدثنا أبو المصعب ، قال : قال مالك : كل من ترك ولدا ذكرا ، أو ابن ابن ذكر فإنه لم يورث كلالة ، وإن ترك ابنة أو ابنتين فإن البنتين ليستا بكلالة ، والذي ورث معهما كلالة .

قال أبو عمر :

الكلالة في هذا الموضع عند العلماء بلسان العرب ، ومعاني كتاب الله - تعالى - هم المتكللون من الورثة برحم الميت ممن لم يلد الميت ، ولا ولده الميت ، وذلك أنهم حوالي الميت ، وليسوا بآبائه ، ولا بأبنائه الذين خرج منهم وخرجوا منه ، فهم الإخوة للأب والأم وللأم ، ثم بعدهم سائر العصبة يجرون مجراهم ، ولذلك ، قال العلماء : الكلالة من لا ولد له ، ولا والد .

وأما ذكر أبي عبيدة الأخ ههنا مع الأب والابن في شرط الكلالة حيث قال : هو كل من لم يرثه أب ، ولا ابن ، ولا أخ [ ص: 187 ] فذكر الأخ في ذلك غلط لا وجه له ، ولم يذكره في شرط الكلالة غيره إلا أن لقوله وجها ضعيفا يخرج على معنى من معاني توريث الجد مع الإخوة ، وهو مع ذلك بعيد في تأويل قول الله - تعالى - في الكلالة ، وسنبين خطأ قوله ذلك في هذا الباب بعد ذكر الآثار المرفوعة ، وأقاويل الصحابة فيه - إن شاء الله - .

حدثنا عبد الوارث بن سفيان ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق القاضي ، قال : حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس ، قال : حدثنا أبو بكر بن عياش ، عن أبي إسحاق ، عن البراء ، قال : جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله قول الله - عز وجل - يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ؟ قال : تجزيك آية الصيف . يقول لأنها نزلت في الصيف ، قال أبو بكر بن عياض : فقلت لأبي إسحاق : [ ص: 188 ] هو الرجل يموت ولا يدع ولدا ، ولا والدا ؟ قال : كذلك ظن الناس .

وحدثنا عبد الوارث بن سفيان ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، قال : حدثنا محمد بن بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، عن أبي إسحاق ، قال : سمعت البراء يقول : آخر آية نزلت آية الكلالة ، وآخر سورة نزلت سورة براءة ! .

وحدثنا عبد الوارث ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا محمد بن عبد السلام الخشني ، قال : حدثنا محمد بن [ ص: 189 ] بشار ، قال : حدثنا محمد بن جعفر ، قال : حدثنا شعبة ، قال : سمعت محمد بن المنكدر يقول : سمعت جابر بن عبد الله يقول : دخل علي النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنا مريض فتوضأ فصبه علي فقلت : إنه لا يرثني إلا كلالة فنزلت آية الفرائض .

قال أبو عمر :

قالوا : ولم يكن لجابر يومئذ ولد ، ولا والد ; لأن والده قتل يوم أحد ، ونزلت آية الكلالة بعد ذلك .

وأخبرنا أحمد بن محمد ، وسعيد بن نصر ، قالا : حدثنا وهب بن مسرة ، وقال سعيد : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قالا : حدثنا محمد بن وضاح ، قال : حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ، قال : حدثنا سفيان ، عن محمد بن المنكدر سمع جابرا يقول : مرضت فجاءني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعودني هو وأبو بكر وهما ماشيان فقلت : يا رسول الله كيف أقضي في مالي ؟ كيف أصنع ؟ فلم يجبني حتى نزلت آية الكلالة .

وروي عن أبي الزبير ، عن جابر أنه قال : اشتكيت [ ص: 190 ] وعندي سبع أخوات لي فدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا جابر لا أراك ميتا من وجعك هذا فإن الله قد أنزل وبين لأخواتك فجعل لهن الثلثين فكان جابر يقول في نزلت يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة .

وروى هشام الدستوائي ، عن أبي الزبير ، عن جابر أنه حدثه ، قال : اشتكيت ، فذكر مثله إلى آخره سواء .

حدثني أحمد بن قاسم بن عبد الرحمن ، قال : حدثنا قاسم بن أصبغ ، قال : حدثنا الحارث بن أبي أسامة ، قال : حدثنا إسحاق يعني ابن الطباع ، قال : حدثنا سفيان ، عن عمرو ، عن طاوس أن عمر أمر حفصة أن تسأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الكلالة فأمهلت حتى لبس ثيابه ، ثم سألته فأمله عليها في كتف ، وقال من أمرك بهذا ؟ أعمر ؟ ما أظنه فهمها ؟ ، أولم تكفه الآية التي نزلت في الصيف يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ؟ فأتته حفصة بالكتف فجعل عمر يقرأ حتى انتهى إلى قوله : يبين الله لكم أن تضلوا فقال : اللهم من فهمها فإني لم أفهمها .

[ ص: 191 ] وروى عبد الأعلى ، عن محمد بن سيرين ، عن عبيدة ، قال : نزلت آية الكلالة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في مسير له فالتفت فإذا هو بحذيفة إلى جنبه ، فلقنه إياها فنظر حذيفة فإذا عمر ، فلقنه إياها ، فلما كان في خلافة عمر ، ونظر في الكلالة لقي حذيفة فسأله عنها فقال حذيفة : لقننيها ( النبي ) [ ص: 192 ] - صلى الله عليه وسلم - فلقنتك كما لقنني ، والله لا أزيدك على هذا أبدا .

قال أبو عمر :

طعن قوم من الملحدين على عمر - رضي الله عنه - في هذه القصة ، ونسبوه إلى قلة الفهم فأوضحوا جهلهم ، وكشفوا قلة فهمهم ، وسرحوا ، عن بدعتهم ، وقد عرف المسلمون موضع فطنة عمر ، وفهمه ، وذكائه حتى لقد كان يسبق التنزيل بفطنته فينزل القرآن على ظنه ، ومراده ، وهذا محفوظ معلوم عنه في غير ما قصة منها : نزول آية الحجاب ، وآية فداء الأسرى ، وآية واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى .

[ ص: 193 ] وآية تحريم الخمر ، وغير ذلك مما يطول ذكره ، ولا يجهل فضائله وموضعه من العلم إلا من سفه نفسه ، ولعمري إن في هذا الخبر عنه في الكلالة ما يزيد في فضله ، ويوضح عن فهمه ، ومنزلته عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ; لأنه لو لم يكن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ممن يقوم باستخراج التأويل ، واستنباط المعاني من التنزيل لما رد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذا ، ومثله إلى نظره ، واستنباطه ، وإلى بصره ، واستخراجه ، ولما قال له : يكفيك آية الصيف ، ولو كان عنده ممن لا يدرك استخراج التأويل من ظاهر التنزيل لما كفته عنده الآية ، ولبين له ما يحتاج من ذلك إليه ، وأوضح له ما أشكل عليه إذ كان بيانه واجبا لازما له - صلى الله عليه وسلم - ، وروى يحيى بن آدم ، عن شريك ، عن حبيب بن أبي عمرة ، عن مجاهد [ ص: 194 ] وعن شريك - أيضا - عن مجالد ، عن عامر الشعبي ، قالا : كان عمر بن الخطاب يرى الرأي فينزل به القرآن .

حدثني عبد الله بن محمد بن أسد ، قال : حدثنا حمزة بن محمد ، قال : حدثنا أحمد بن شعيب ، قال : أخبرنا إسحاق بن إبراهيم ، قال : أخبرنا معاذ بن هشام ، قال : حدثني أبي ، عن قتادة ، عن سالم بن أبي الجعد ، عن معدان بن أبي طلحة اليعمري أن عمر بن الخطاب خطب يوم الجمعة فقال : إني لا أدع بعدي شيئا أهم من الكلالة ، وما راجعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في شيء ما راجعته في الكلالة ، وما أغلظ لي في شيء منذ صاحبته ما أغلظ لي في الكلالة حتى طعن بأصبعه في صدري ، وقال : يا عمر أما تكفيك آية الصيف التي أنزلت في سورة النساء .

وذكر عبد الرزاق ، عن ابن جريج ، وابن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن محمد بن طلحة بن يزيد بن ركانة ، قال : قال عمر : لأن أكون سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاث أحب إلي من كذا ، عن الكلالة ، وذكر باقي الحديث .

[ ص: 195 ] وأخبرنا خلف بن القاسم ، قال : حدثنا إبراهيم بن محمد بن إبراهيم الديبلي ، قال : حدثنا محمد بن علي بن زيد ، قال : حدثنا سعيد بن منصور ، قال : حدثنا إسماعيل بن إبراهيم ، قال : حدثنا أبو حيان التيمي ، عن الشعبي ، عن ابن عمر ، قال : سمعت عمر يقول على منبر المدينة ، وددت أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفارقنا حتى يعهد إلينا عهدا ننتهي إليه في الجد ، والكلالة ، وأبواب من أبواب الربا .

وذكر حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن أبي رافع ، عن عمر أنه قال لابن عباس ، وسعيد بن زيد ، وابن عمر حين طعن : اعلموا أنه من أدرك وفاتي من سبي العرب من مال الله فهو حر ، واعلموا أني لم أقل في الكلالة شيئا ، واعلموا أني لم أستخلف أحدا .

وذكر عبد الرزاق ، عن ابن عيينة ، عن عاصم بن سليمان ، عن الشعبي ، قال : كان عمر يقول : الكلالة من لا ولد له فلما طعن ، قال : إني لأستحيي من الله أن أخالف أبا بكر أرى الكلالة ما عدا الولد [ ص: 196 ] والوالد . وروى عبيد الله بن موسى ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن سليمان بن عبيد السلولي ، عن ابن عباس ، قال : الكلالة ما خلا الولد ، والوالد . وروى عن ابن المديني ، وغيره ، عن سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، قال : أخبرني الحسن بن محمد ، قال : سألت ابن عباس عن الكلالة فقال : ما عدا الولد والوالد ، قلت : إن الله يقول إن امرؤ هلك ليس له ولد فغضب ، وانتهرني .

وروى يزيد بن هارون ، قال : أخبرنا عاصم الأحول ، عن الشعبي ، قال : سئل أبو بكر عن الكلالة فقال : إني سأقول فيها برأيي فإن يكن صوابا فمن الله ، وإن يكن خطأ فمني ، ومن الشيطان ، أراها ما خلا الولد والوالد فلما استخلف عمر ، قال : إني لأستحيي من الله أن أرد شيئا قاله أبو بكر .

وروى سفيان ، عن عمرو بن مرة ، عن مرة ، قال : قال عمر وعبد الله : ثلاث لأن يكون النبي - صلى الله عليه وسلم - بينهن لنا ، أحب إلينا من الدنيا ، وما فيها : الكلالة ، والخلافة ، والربا ( رواه وكيع ، عن سفيان بإسناده ، ولم يذكر فيه عبد الله ) .

[ ص: 197 ] حدثنا محمد بن إبراهيم ، قال : حدثنا أحمد بن مطرف ، قال : حدثنا سعيد بن عثمان ، قال : حدثنا يونس بن عبد الأعلى ، قال : أخبرنا سفيان ، عن عاصم الأحول ، عن الشعبي أن أبا بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب - رضي الله عنهما - ، قالا : الكلالة من لا ولد له ، ولا والد . وذكر يحيى بن آدم ، عن شريك ، وزهير ، وأبي الأحوص ، عن أبي إسحاق ، عن سليمان بن عبد ، قال : ما رأيتهم إلا وقد تواطئوا ، وأجمعوا على أن الكلالة من مات وليس له ولد ، ولا والد .

قال يحيى : وحدثنا عبد الرحيم ، عن محمد بن سالم ، عن الشعبي ، قال : الكلالة ما كان سوى الولد والوالد من الورثة إخوة ، وغيرهم من العصبة كذلك قال علي ، وابن مسعود ، وزيد بن ثابت . وذكر عبد الرزاق ، عن معمر ، عن الزهري وقتادة ، عن أبي إسحاق ، عن عمرو بن شرحبيل ، قالوا : الكلالة من ليس له ولد ولا والد . وذكر ابن أبي حاتم ، عن موسى بن الأهوازي ، عن أبي هشام الرفاعي ، قال : سمعت يحيى بن آدم يقول قد اختلفوا في الكلالة ، وصار المجتمع عليه ما خلا الولد والوالد .

[ ص: 198 ] قال أبو عمر :

قد فسر مالك الكلالة في موطئه تفسيرا فقال : الأمر المجتمع عليه الذي لا خلاف فيه ، والذي أدركت عليه أهل العلم ببلدنا أن الكلالة على وجهين ، أما الآية التي في سورة النساء التي قال الله - عز وجل - فيها : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث فهذه ( الكلالة ) التي لا يرث الإخوة للأم فيها حتى لا يكون ولد ولا والد ، قال مالك : وأما الآية التي في آخر سورة النساء يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة إن امرؤ هلك ليس له ولد وله أخت فلها نصف ما ترك وهو يرثها إن لم يكن لها ولد فإن كانتا اثنتين فلهما الثلثان مما ترك وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم ، قال : فهذه ( الكلالة ) التي يكون فيها الإخوة عصبة إذا لم يكن ولد فيرثون مع الجد في الكلالة ، قال : والجد يرث مع الإخوة ; لأنه أولى بالميراث منهم : وذلك أنه يرث مع ذكور بني المتوفى السدس ، ولا يرث الإخوة معهم شيئا ، قال : وكيف لا يأخذ مع الإخوة ، وهو يحجب بنى الأم عن الميراث ، وبنو الأم يأخذون مع الإخوة الثلث .

[ ص: 199 ] قال أبو عمر :

ذكر الله - عز وجل - في كتابه الكلالة في موضعين ، ولم يذكر في كلا الموضعين وارثا غير الإخوة ، فأما الآية التي في صدر سورة النساء قوله : وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت فلكل واحد منهما السدس فإن كانوا أكثر من ذلك فهم شركاء في الثلث فقد أجمع العلماء أن الإخوة في هذه الآية عني بهم الإخوة للأم ، ولا خلاف بين أهل العلم أن الإخوة للأب ، والأم ، أو للأب ليس ميراثهم هكذا .

وقد روي عن بعض الصحابة أنه كان يقرأ ، وله أخ ، أو أخت من أم ، فدل هذا مع ما ذكرنا من إجماعهم على أن المراد في هذه الآية الإخوة للأم خاصة .

أخبرنا عبد الله بن محمد بن عبد المؤمن ، قال : أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار ، قال : حدثنا إسماعيل بن إسحاق ، قال : أخبرنا إبراهيم بن عبد الله ، قال : أخبرنا هشيم ، قال : أخبرنا يعلى بن عطاء ، عن القاسم بن ربيعة بن قائف ، قال : سمعت سعدا يقرأ ( وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة وله أخ أو أخت من أمه ) ، ورواه شعبة ، عن يعلى بن [ ص: 200 ] عطاء مثله بإسناده سواء .

وأما الآية التي في آخر سورة النساء قوله : - تعالى - يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة الآية إلى قوله : وإن كانوا إخوة رجالا ونساء فللذكر مثل حظ الأنثيين فلم يختلف علماء المسلمين قديما ، وحديثا أن ميراث الإخوة للأم ليس هكذا فدل إجماعهم على أن الإخوة المذكورين في هذه الآية هم إخوة المتوفى لأبيه ، وأمه ، أو لأبيه ، ودلت الآيتان جميعا أن الإخوة كلهم كلالة ، وأنهم إذا ورثوا المتوفى فإنه يورث كلالة ، وهذا ما لا خلاف فيه ، ولهذا ، - والله أعلم - ، قال من قال من الصحابة إن وراثة من عدا الوالد والولد كلالة ( لأن الإخوة إذا كانوا كلالة كان من هو أبعد منهم أولى أن يسمى كلالة ) .

وقد اختلف الناس في المسمى بالكلالة أهو الميت الذي لا ولد له ، ولا والد ، أم ورثته فقال أكثر المدنيين ، والكوفيين : الكلالة الورثة الذين لا ولد فيهم ، ولا والد ، وقال البصريون : الكلالة : الميت الذي لا ولد له ، ولا والد ، وروي ذلك عن ابن عباس ، وقال أبو زيد : الكلالة : الميت الذي لا ولد له ، [ ص: 201 ] ولا والد ، والحي الذي ليس بولد الميت ، ولا والد وهو يرثه ، هذا يورث بالكلالة ، وهذا يرث بالكلالة .

وروي عن عمر بن الخطاب روايتان إحداهما أن الكلالة من لا ولد له ، ولا والد ، والأخرى من لا ولد له خاصة ، وقد ذكرنا ذلك .

وروي عن عطاء قول شاذ ، قال : إن الكلالة المال .

وقد قرأ بعض الكوفيين يورث كلالة بكسر الراء ، وتشديدها ، وقرأ الحسن ، وأيوب يورث بكسر الراء ، وتخفيفها على اختلاف عنهما ، وعلى هاتين الروايتين لا تكون الكلالة إلا الورثة والمال ، كذلك حكى أصحاب المعاني .

فمن قرأ يورث بفتح الراء ، قال : هو الميت يورث كلالة ، وجعل نصب الكلالة كما تقدم لأبي عبيد ، وغيره .

ومن قرأ يورث كلالة بكسر الراء جعل الكلالة الورثة ، ومن حجة من قال بهذا القول مع هذه القراءة حديث جابر الذي تقدم ذكره قوله : لا يرثني إلا كلالة .

[ ص: 202 ] وقال الطبري : الصواب أن الكلالة هم الذي يرثون الميت من عدا ولده ، ووالده لصحة حديث جابر أنه قال : قلت يا رسول الله إنما يرثني كلالة ، وقد روي عن سعد بن أبي وقاص في حديث نحو هذا اللفظ ، ولا يصح ، وقرأ جمهور القراء يورث بفتح الراء ، والله الموفق للصواب .




الخدمات العلمية