الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        [ ص: 144 ] قال ( وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل للجمعة ، والعيدين ، وعرفة ، والإحرام ) نص على السنية ، وقيل : هذه الأربعة مستحبة ، وسمى محمد رحمه الله تعالىالغسل يوم الجمعة حسنا في الأصل ، وقال مالك رحمه الله : هو واجب [ ص: 145 - 146 ] لقوله عليه الصلاة والسلام { من أتى الجمعة فليغتسل }" . [ ص: 147 - 148 ]

                                                                                                        ولنا قوله عليه الصلاة والسلام : { من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فهو أفضل }. وبهذا يحمل ما رواه على الاستحباب أو على النسخ ، ثم هذا الغسل للصلاة عند أبي يوسف رحمه الله تعالى ، وهو الصحيح ; لزيادة فضيلتها على الوقت واختصاص الطهارة بها ، وفيه خلاف الحسن . والعيدان بمنزلة الجمعة ; لأن فيهما الاجتماع فيستحب الاغتسال دفعا للتأذي بالرائحة ، وأما في عرفة والإحرام فسنبينه في المناسك إن شاء الله تعالى .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث التاسع والعشرون : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه سن الغسل للجمعة ، والعيدين ، وعرفة ، والإحرام . قلت : أما الجمعة ، ففي " الصحيحين " من حديث عمر بن الخطاب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل }انتهى .

                                                                                                        وروى ابن عدي في " الكامل " من حديث حفص بن عمر الأيلي ثنا عبد الله بن المثنى عن عميه النضر ، وموسى بن أنس بن مالك عن أبيهما أنس بن مالك { أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لأصحابه : اغتسلوا يوم الجمعة ولو كأسا بدينار }انتهى .

                                                                                                        وضعف حفصا هذا ، وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة ابن عدي ، ولفظه فيه : ولو كانت بدينار ، وهو تصحيف نبه عليه ابن القطان في " كتابه " .

                                                                                                        وأما العيدان ففيهما أحاديث : منها حديث الفاكه بن سعد ، رواه ابن ماجه في " سننه " حدثنا نصر بن علي ثنا يوسف بن خالد ثنا أبو جعفر الخطمي عن عبد الرحمن بن عقبة بن الفاكه عن جده الفاكه بن سعد وكانت له صحبة { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر ، ويوم النحر ، ويوم عرفة ، وكان الفاكه بن سعد يأمر أهله بالغسل [ ص: 145 ] في هذه الأيام }انتهى .

                                                                                                        ورواه الطبراني في " معجمه " والبزار في " مسنده " ، وزاد فيه : ويوم الجمعة ، قال : ولا يعرف للفاكه بن سعد غير هذا الحديث ، وهو صحابي مشهور ، والحديث في " مسند أحمد " بلفظ البزار ، ولكنه ليس من رواية . أحمد . وإنما رواه عبد الله بن أحمد عن نصر بن علي به ، وعلة الحديث يوسف بن خالد السمتي ، قال في " الإمام " : تكلموا فأفظعوا فيه .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه ابن ماجه أيضا أخبرنا جبارة بن المغلس عن حجاج بن تميم عن ميمون بن مهران عن ابن عباس ، قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل يوم الفطر ، ويوم الأضحى }انتهى .

                                                                                                        قال ابن القطان في " كتابه " : هذا حديث معلول بجبارة بن المغلس ، فإنه ضعيف ، وإن كان ابن عدي قد مشاه ، وقال : لا بأس به ، ولا يتابع على بعض حديثه . وحجاج أيضا ، قال فيه ابن عدي : أحاديث حجاج عن ميمون غير مستقيمة .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه البزار في " مسنده " عن مندل عن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع عن أبيه عن جده { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اغتسل للعيدين }انتهى .

                                                                                                        وذكره عبد الحق في " أحكامه " من جهة البزار ، وقال : إسناده ضعيف ، قال ابن القطان في " كتابه " : وعلته محمد بن عبيد الله ، قال ابن معين : ليس بشيء .

                                                                                                        وقال أبو حاتم : ضعيف الحديث واهيه ، وقال البخاري : منكر الحديث ، ومندل بن علي أشبه حالا منه ، مع أنه ضعيف ، انتهى .

                                                                                                        وأما عرفة فقد تقدم فيها حديث الفاكه بن سعد ، وأما الإحرام ، ففيه حديثان :

                                                                                                        أحدهما : أخرجه مسلم في " الحج " عن { عائشة ، قالت : نفست أسماء بنت عميس بمحمد بن أبي بكر بالشجرة ، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر أن يأمرها أن تغتسل وتهل }انتهى .

                                                                                                        الثاني : أخرجه الترمذي أيضا في " الحج " عن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبيه { زيد بن ثابت أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم تجرد لإهلاله واغتسل }انتهى .

                                                                                                        وقال : حديث حسن غريب انتهى . وسيأتي الكلام عليه مستوفى في " كتاب الحج " إن [ ص: 146 ] شاء الله تعالى .

                                                                                                        الحديث الثلاثون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من أتى الجمعة فليغتسل } ، قلت : رواه البخاري ، ومسلم من حديث ابن عمر ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من جاء منكم الجمعة فليغتسل }" انتهى .

                                                                                                        وفي لفظ لهما : { إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل }" انتهى .

                                                                                                        ورواه الترمذي ، وابن ماجه بلفظ : { من أتى الجمعة فليغتسل }" ، زاد البيهقي { : ومن لم يأتها فليس عليه غسل }.

                                                                                                        قال النووي في " الخلاصة " : وسندها صحيح .

                                                                                                        { حديث آخر } دال على الوجوب ، رواه البخاري ، ومسلم من حديث الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { غسل الجمعة واجب على كل محتلم }انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى البخاري ، ومسلم أيضا من حديث أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { حق لله على كل مسلم أن يغتسل في كل سبعة أيام }زاد البزار ، والطحاوي : { وذلك يوم الجمعة }وأخرجه النسائي عن جابر بلفظ البزار ، والطحاوي ، قال النووي في " الخلاصة " : إسناده على شرط مسلم .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى البخاري ، ومسلم أيضا من حديث أبي هريرة أن عمر بينما هو يخطب يوم الجمعة إذ دخل رجل ، ولفظ مسلم : إذ دخل عثمان بن عفان ، فعرض به عمر ، فقال : ما بال رجال يتأخرون بعد النداء فقال عثمان : يا أمير المؤمنين ما هو إلا أن سمعت النداء فتوضأت ثم أقبلت ، فقال عمر : والوضوء أيضا ؟ ألم تسمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { إذا جاء أحدكم إلى الجمعة فليغتسل }" انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : روى ابن الزبير عن عائشة رضي الله عنها{ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالغسل يوم الجمعة }انتهى .

                                                                                                        رواه ابن خزيمة في " صحيحه " والطحاوي . وللناس [ ص: 147 ] عن هذه الأحاديث جوابان :

                                                                                                        أحدهما : أن يحمل الأمر فيها على الاستحباب ; لأن الأمر بالغسل ورد على سبب ، والسبب قد زال ، فيزول الحكم بزوال علته ، كما رواه البخاري . ومسلم من حديث { يحيى بن سعيد : أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة ، فقالت : قالت عائشة : كان الناس مهنة أنفسهم ، وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم ، فقيل لهم : لو اغتسلتم }" .

                                                                                                        وأخرج مسلم { عن عروة عنها قالت : كان الناس ينتابون يوم الجمعة من منازلهم ومن العوالي ، فيأتون في العباء ، ويصيبهم الغبار ، فيخرج منهم الريح ، فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم إنسان منهم وهو عندي فقال عليه السلام : لو أنكم تطهرتم ليومكم هذا }.

                                                                                                        وأخرج أبو داود عن عكرمة { أن أناسا من أهل العراق جاءوا ، فقالوا : يا ابن عباس أترى الغسل يوم الجمعة واجبا ؟ قال : لا ولكنه أطهر وخير لمن اغتسل ، ومن لم يغتسل فليس عليه بواجب ، وسأخبركم كيف بدأ الغسل : كان الناس مجهودين يلبسون الصوف ، ويعملون على ظهورهم ، وكان مسجدهم ضيقا مقارب السقف إنما هو عريش ، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم حار ، وعرق الناس في ذلك الصوف ، حتى ثارت منهم رياح ، آذى بذلك بعضهم بعضا ، فلما وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الريح ، قال : أيها الناس إذا كان هذا اليوم فاغتسلوا وليمس أحدكم أفضل ما يجد من دهنه وطيبه قال ابن عباس : ثم جاء الله تعالى بالخير ، ولبسوا غير الصوف ، وكفوا العمل ووسع مسجدهم ، وذهب بعض الذي كان يؤذي بعضهم بعضا من العرق } ، انتهى .

                                                                                                        ويؤيد ذلك أن عمر رضي الله عنه لم ينكر على عثمان حين جاء إلى الجمعة من غير أن يغتسل ، فإنه قال : ما زدت على أن توضأت ، فكان ذلك بمحضر من الصحابة ، وإنما أنكر عليه تأخره ، وأما قوله : { غسل الجمعة واجب } ، فقال الخطابي : معناه قوي في الاستحباب ، كما تقول : حقك علي واجب ، قال : ويدل عليه أنه قرنه بما لا يجب اتفاقا ، كما رواه مسلم في حديث الخدري أنه عليه السلام ، قال : { غسل الجمعة على كل محتلم والسواك ، وأن يمس من الطيب ما يقدر عليه }" انتهى .

                                                                                                        يحمل مؤخر ما رواه مالك " يعني حديث : { من أتى الجمعة فليغتسل }" على الاستحباب ، وعلى النسخ انتهى . ومما يدل على أن هذا الحديث ناسخ لأحاديث [ ص: 148 ]

                                                                                                        الوجوب ما رواه ابن عدي في " الكامل " من حديث الفضل بن المختار عن أبان بن أبي عياش عن أنس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من جاء منكم الجمعة فليغتسل فلما كان الشتاء ، قلنا : يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرتنا بالغسل للجمعة ، وقد جاء الشتاء ، ونحن نجد البرد ؟ فقال : من اغتسل فبها ونعمت ، ومن لم يغتسل فلا حرج }انتهى . إلا أن هذا سند ضعيف يسد بغيره .

                                                                                                        الجواب الثاني : إن هذه الأحاديث منسوخة بحديث : { من توضأ فبها ونعمت ، ومن اغتسل فهو أفضل }.

                                                                                                        قال ابن الجوزي في " التحقيق " وفي هذا بعد إذ لا تاريخ معهم ، وأيضا فأحاديث الوجوب أصح وأقوى ، والضعيف لا ينسخ القوي انتهى .

                                                                                                        وإلى هذين الجوابين أشار صاحب الكتاب بقوله : وبهذا " يعني حديث : { من توضأ فبها ونعمت }" .

                                                                                                        الحديث الحادي والثلاثون : قال النبي صلى الله عليه وسلم : { من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فهو أفضل } ، قلت : روي من حديث سمرة بن جندب ، ومن حديث أنس ، ومن حديث الخدري ، ومن حديث أبي هريرة ، ومن حديث جابر ، ومن حديث عبد الرحمن بن سمرة ، ومن حديث ابن عباس أما حديث سمرة .

                                                                                                        فأخرجه أبو داود ، والترمذي ، والنسائي عن قتادة عن الحسن عن سمرة ، فأبو داود في " الطهارة " عن همام عن قتادة به ، والترمذي والنسائي في " الصلاة " عن شعبة عن قتادة به ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ، ومن اغتسل فهو أفضل }انتهى .

                                                                                                        قال الترمذي : حديث حسن صحيح ، وقد روي عن الحسن عن النبي مرسلا انتهى ورواه أحمد في " مسنده " [ ص: 149 ]

                                                                                                        والبيهقي في " سننه " وابن أبي شيبة في " مصنفه " ، وفي سماع الحسن من سمرة ثلاثة مذاهب :

                                                                                                        أحدها : أنه سمع منه مطلقا ، وهو ابن المديني ، ذكره عنه البخاري في " أول تاريخه الوسط " فقال : حدثنا الحميدي ثنا سفيان عن إسرائيل ، قال : سمعت الحسن يقول : ولدت لسنتين بقيتا من خلافة عمر ، قال علي : سماع الحسن من سمرة صحيح ، انتهى .

                                                                                                        ونقله الترمذي في " كتابه " فقال في " باب الصلاة الوسطى " : قال محمد بن إسماعيل " يعني البخاري " : قال علي " يعني ابن المديني " : سماع الحسن من سمرة صحيح انتهى .

                                                                                                        ولم يحسن شيخنا علاء الدين ، فقال مقلدا لغيره : قال الترمذي : سماع الحسن من سمرة عندي صحيح ، والترمذي لم يقل ذلك ، فإنما نقله عن البخاري عن ابن المديني ، كما ذكرناه ، ولكن الظاهر من الترمذي أنه يختار هذا القول ، فإنه صحح في " كتابه " عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة ، واختار الحاكم هذا القول ، فقال في " كتابه المستدرك " بعد أن أخرج حديث الحسن ، عن سمرة : { إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له سكتتان : سكتة إذا كبر ، وسكتة إذا فرغ من قراءته } ، ولا يتوهم أن الحسن لم يسمع من سمرة ، فإنه سمع منه انتهى .

                                                                                                        وأخرج في " كتابه " عدة أحاديث من رواية الحسن عن سمرة ، وقال في بعضها : على شرط البخاري ، وقال في " كتاب البيوع " بعد أن روى حديث الحسن عن سمرة : { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الشاة باللحم } ، وقد احتج البخاري بالحسن عن سمرة انتهى .

                                                                                                        القول الثاني : أنه لم يسمع منه شيئا ، واختاره ابن حبان في " صحيحه " فقال في النوع الرابع من القسم الخامس ، بعد أن روى حديث الحسن عن سمرة : إن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له سكتتان ، والحسن لم يسمع من سمرة شيئا انتهى .

                                                                                                        وقال صاحب " التنقيح " : قال ابن معين : الحسن لم يلق سمرة ، وقال شعبة : الحسن لم يسمع من سمرة ، وقال البرديجي : أحاديث الحسن عن سمرة كتاب ، ولا يثبت عنه حديث ، قال فيه : سمعت سمرة انتهى كلامه .

                                                                                                        القول الثالث : أنه سمع منه حديث العقيقة فقط ، قاله النسائي ، وإليه مال الدارقطني في " سننه " فقال في حديث السكتتين : والحسن اختلف في سماعه من سمرة ، ولم يسمع منه إلا حديث العقيقة ، فيما قاله قريش بن أنس انتهى .

                                                                                                        واختاره عبد الحق في " أحكامه " فقال : عند ذكره هذا الحديث ، والحسن لم يسمع من سمرة [ ص: 150 ] إلا حديث العقيقة ، واختاره البزار في " مسنده " فقال في آخر " ترجمة سعيد بن المسيب " عن أبي هريرة : والحسن سمع من سمرة حديث العقيقة ، ثم رغب عن السماع عنه ، ولما رجع إلى بلده أخرجوا له صحيفة سمعوها من أبيهم ، فكان يرويها عنه من غير أن يخبر بسماع ; لأنه لم يسمعها منه انتهى .

                                                                                                        روى البخاري في " تاريخه " عن عبد الله بن أبي الأسود عن قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد ، قال : قال محمد بن سيرين : سئل الحسن ممن سمع حديثه في العقيقة ؟ فسألته ، فقال : سمعته من سمرة .

                                                                                                        وعن البخاري رواه الترمذي في " جامعه " بسنده ومتنه ، ورواه النسائي عن هارون بن عبد الله عن قريش .

                                                                                                        وقال عبد الغني : تفرد به قريش بن أنس عن حبيب بن الشهيد ، وقد رده آخرون ، وقالوا : لا يصح له سماع منه انتهى .

                                                                                                        ذكر كلام البزار في سماع الحسن من الصحابة :

                                                                                                        قال البزار في " مسنده " في آخر ترجمة سعيد بن المسيب ، عن أبي هريرة : سمع الحسن البصري من جماعة من الصحابة .

                                                                                                        وروى عن جماعة آخرين لم يدركهم ، وكان صادقا متأولا في ذلك ، فيقول : حدثنا ، وخطبنا ، ويعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة ، فأما الذين سمع منهم : فهو أنس بن مالك . ومعقل بن يسار . وعبد الله بن مغفل ، وعائذ بن عمرو ، وأبو برزة ، وعبد الرحمن بن سمرة ، وعمران بن حصين ، وأبو بكرة ، وسمع من سوار بن عمرو ، وعمرو بن تغلب ، وسعد ، مولى أبي بكرة .

                                                                                                        وروى عن عثمان بن أبي العاص ، وسمع منه ، وروى عن محمد بن مسلمة ، ولا أبعد سماعه منه ، وأما قوله : خطبنا ابن عباس بالبصرة ، فقد أنكر عليه ; لأن ابن عباس كان بالبصرة أيام الجمل ، وقدم الحسن أيام صفين ، فلم يدركه بالبصرة ، وتأول قوله : خطبنا " أي خطب أهل البصرة "

                                                                                                        وكذلك قال : حدثنا الأسود بن سريع ، والأسود قدم يوم الجمل فلم يره ، ولكن معناه حدث أهل البصرة ، وقال علي بن زيد عن الحسن : إن سراقة بن مالك حدثهم ، وإنما حدث من حدثه ، ولذلك لم يقل : ثني ، وروى عن أبي موسى الأشعري ، وأبو موسى إنما كان بالبصرة أيام عمر ، فلا أحسبه سمع منه ، وقد رأى جماعة جلة : منهم عثمان بن عفان وقد حدث عن أسيد بن المتشمس عن أبي موسى .

                                                                                                        وعن قيس بن عباد ، وحدث عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، ولا أعلمه سمع من واحد منهما ، وحدث عن جندب بن عبد الله البجلي بأحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم وبأحاديث رواها عن جندب عن حذيفة ، وحدث عن النعمان بن بشير ، ولا أحسبه سمع منه ; لأن النعمان لا نعلمه دخل البصرة ، وإنما كان بالكوفة ، وقد رأيته يحدث عن رجل عنه ، وحدث عن [ ص: 151 ]

                                                                                                        عقبة بن عامر بشك ، فقال : عن سمرة ، أو عقبة . وقال : يونس عن الحسن عن عقبة : من غير شك ، ولا أحسبه سمع منه ، وحدث عن عبادة بن الصامت ، ولم يسمع منه ، وبينهما خطاب بن عبد الله ، وحدث عن سلمة بن المحبق ، ولم يسمع منه ، وبينهما حول بن قتادة ، وقبيصة ، وحدث عن صعصعة بن معاوية ، وحدث عن عتبة بن غزوان ولم يسمع منه ; لأنه إنما دخل البصرة أيام عمر بعثه أميرا عليها ، ثم انصرف عنها ومات ، ولم يسمع منه ، وعتبة روى عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا واحدا ، وروى عن علي بن أبي طالب غير حديث ، ولم يسمع منه ، وبينهما قيس بن عباد ، وابن الكواء ، روى عن أنس مراسيل ، ولا يثبت له منها إلا ما كان فيه بينهما رجل ، كأبي سفيان ، ويزيد الرقاشي ، وغيرهما .

                                                                                                        وروى عن أبي هريرة أحاديث ، ولم يسمع منه وروى عن ثوبان حديثا واحدا ، ولم يسمع منه ، وروى عن أسامة بن زيد حديثين ، ولم يسمعهما منه ، وروى عن جابر بن عبد الله أحاديث ولم يسمع منه ، وروى عن العباس بن عبد المطلب ، ولم يسمع منه ، وبينهما الأحنف بن قيس ، ولم يثبت له سماع من أحد من أهل بدر ، ولا حديثا واحدا ، وذكر الحسن أنه رأى طلحة ، والزبير في بعض بساتين المدينة انتهى كلام البزار ملخصا محررا .

                                                                                                        وروى الترمذي في " كتابه " في أبواب صفة جهنم ، حديثا عن الحسن عن عتبة بن غزوان عن النبي صلى الله عليه وسلم { إن الصخرة العظيمة لتلقى من شفير جهنم فتهوي فيها سبعين عاما ما تفضي إلى قرارها } ، ثم قال : لا نعرف للحسن سماعا من عتبة بن غزوان ، وإنما قدم عتبة البصرة زمن عمر ، وولد الحسن لسنتين بقيتا من خلافة عمر انتهى .

                                                                                                        وقال في غير موضع من " كتابه " قال أيوب السختياني ، ويونس بن عبيد . وعلي بن زيد : الحسن لم يسمع من أبي هريرة انتهى .

                                                                                                        وأما حديث أنس ، فرواه ابن ماجه في " سننه " من حديث إسماعيل بن مسلم المكي عن يزيد الرقاشي عن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { : من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت تجزئ عنه الفريضة ، ومن اغتسل فالغسل أفضل }انتهى .

                                                                                                        وهذا سند ضعيف ، وله طريق آخر عند الطحاوي في " شرح الآثار " . والبزار في " مسنده " عن الضحاك بن حمزة عن الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن مهاجر عن الحسن عن أنس ، وهذا السند ضعيف من الذي قبله ، فالضحاك بن حمزة ضعيف ، وإن كان ابن عدي قد مشاه ، وقال : أحاديثه حسان غرائب ، والحجاج بن أرطاة ضعيف ، وإبراهيم بن مهاجر كذلك ، والحسن لم يسمع من أنس ، كما قال البزار [ ص: 152 ]

                                                                                                        طريق آخر : رواه الطبراني في " معجمه الوسط " حدثنا محمد بن عبد الرحمن المروزي ثنا عثمان بن يحيى الفرساني ثنا مؤمل بن إسماعيل ثنا حماد بن سلمة عن ثابت البناني عن أنس ، فذكره .

                                                                                                        وأما حديث الخدري فرواه البيهقي في " سننه " والبزار في " مسنده " عن أسيد بن زيد الجمال عن شريك عن عوف عن أبي نضرة عن أبي سعيد ، فذكره . قال البزار : لا نعلم رواه عن عوف إلا شريك ، ولا عن شريك إلا أسيد بن زيد ، وأسيد كوفي قد احتمل حديثه على شيعية شديدة كانت فيه انتهى .

                                                                                                        وقال ابن القطان في " كتابه " أسيد بن زيد الجمال قال الدوري عن ابن معين : إنه كذاب ، وقال الساجي : له مناكير .

                                                                                                        وقال ابن حبان : يروي عن الثقات المنكرات ، ومع هذا فقد أخرج البخاري له ، وهو ممن عيب عليهم الإخراج عنه انتهى كلامه .

                                                                                                        وأما حديث أبي هريرة فأخرجه البزار في " مسنده " عن أبي بكر الهذلي عن محمد بن سيرين عن أبي هريرة مرفوعا نحوه ، ورواه ابن عدي في " الكامل " وأعله بأبي بكر الهذلي واسمه " سلمى بن عبد الله " .

                                                                                                        وأما حديث جابر فرواه عبد بن حميد في " مسنده " حدثنا عمر بن سعد عن الثوري عن أبان عن أبي نضرة عن جابر مرفوعا نحوه ، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا الثوري عن رجل عن أبي نضرة به ، وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن عبيد بن إسحاق عن قيس بن الربيع عن الأعمش عن أبي سفيان عن جابر ، وضعف عبيد بن إسحاق .

                                                                                                        وأما حديث عبد الرحمن بن سمرة فرواه الطبراني في " معجمه الوسط " من حديث حفص بن عمر الرازي ثنا أبو حرة عن الحسن عن عبد الرحمن بن سمرة مرفوعا نحوه .

                                                                                                        ورواه العقيلي في " كتاب الضعفاء " عن مسلم بن سليمان الضبي ثنا أبو حرة وضعف مسلم بن سليمان ، ثم قال : وهذا الحديث رواه الوليد بن مسلم عن سعيد بن بشير عن قتادة عن الحسن عن جابر ، ورواه محمد بن حرب الزبيدي عن [ ص: 153 ] الضحاك بن حمزة عن الحجاج بن أرطاة عن إبراهيم بن مهاجر عن حسن عن أنس ، ورواه أسباط بن محمد القرشي عن أبي بكر الهذلي عن الحسن ، ومحمد بن سيرين عن أبي هريرة ، ورواه شعبة ، وهمام ، وأبو عوانة عن قتادة عن الحسن عن سمرة ، وهو الصواب انتهى . كلامه .

                                                                                                        وأما حديث ابن عباس فرواه البيهقي في " سننه " أخبرنا أبو عبد الله الحافظ ثنا أبو أحمد محمد بن إسحاق الصفار أنبأنا أحمد بن نصر ثنا عمرو بن طلحة القناد ثنا أسباط بن نصر عن السدي عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره ، قال البيهقي : وهذا الحديث غريب من هذا الوجه ، وإنما يعرف من حديث الحسن ، وغيره انتهى .

                                                                                                        قال البيهقي : والآثار الضعيفة إذا ضم بعضها إلى بعض أحدثت قوة فيما اجتمعت فيه من الحكم انتهى .




                                                                                                        الخدمات العلمية