الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                        قال : ( وإذا كان بالسماء علة قبل الإمام شهادة الواحد العدل في رؤية الهلال ، رجلا كان أو امرأة ، حرا كان أو عبدا ) ; لأنه أمر ديني فأشبه رواية الأخبار ، ولهذا لا يختص بلفظة الشهادة . وتشترط العدالة ; لأن قول الفاسق في الديانات غير مقبول ، وتأويل قول الطحاوي " عدلا كان أو غير عدل " أن يكون مستورا ، والعلة غيم أو غبار أو نحوه ، وفي إطلاق جواب الكتاب يدخل المحدود في القذف بعدما تاب ، وهو ظاهر الرواية ; لأنه خبر ديني .

                                                                                                        وعن أبي حنيفة رحمه الله أنها لا تقبل ; لأنها شهادة من وجه ، وكان الشافعي في أحد قوليه يشترط المثنى ، والحجة عليه ما ذكرنا ، وقد صح أن النبي عليه الصلاة والسلام قبل شهادة الواحد في رؤية هلال رمضان ، ثم إذا قبل الإمام شهادة الواحد وصاموا ثلاثين يوما لا يفطرون فيما روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله للاحتياط ; ولأن الفطر لا يثبت بشهادة الواحد . وعن محمد رحمه الله أنهم يفطرون ، ويثبت الفطر بناء على ثبوت الرمضانية بشهادة الواحد ، وإن كان لا يثبت بهذا ابتداء ، كاستحقاق الإرث بناء على النسب الثابت بشهادة القابلة . [ ص: 540 ] قال : ( وإذا لم تكن بالسماء علة لم تقبل الشهادة حتى يراه جمع كثير يقع العلم بخبرهم ) ; لأن التفرد بالرؤية في مثل هذه الحالة يوهم الغلط ، فيجب التوقف فيه حتى يكون جمعا كثيرا ، بخلاف ما إذا كان بالسماء علة ; لأنه قد ينشق الغيم عن موضع القمر فيتفق للبعض النظر ، ثم قيل في حد الكثير : أهل المحلة .

                                                                                                        وعن أبي يوسف رحمه الله : خمسون رجلا اعتبارا بالقسامة ، ولا فرق بين أهل المصر ومن ورد من خارج المصر ، وذكر الطحاوي أنه تقبل شهادة الواحد إذا جاء من خارج المصر لقلة الموانع ، وإليه الإشارة في كتاب الاستحسان ، وكذا إذا كان على مكان مرتفع في المصر .

                                                                                                        قال : ( ومن رأى هلال الفطر وحده لم يفطر ) احتياطا ، وفي الصوم الاحتياط في الإيجاب . قال : ( وإذا كان بالسماء علة لم يقبل في هلال الفطر إلا شهادة رجلين أو رجل وامرأتين ) ; لأنه تعلق به نفع العبد وهو الفطر فأشبه سائر حقوقه ، والأضحى كالفطر في هذا في ظاهر الرواية ، وهو الأصح ، خلافا لما روي عن أبي حنيفة رحمه الله أنه كهلال رمضان ; لأنه تعلق به نفع العباد ، وهو التوسع بلحوم الأضاحي ( وإن لم يكن بالسماء علة لم يقبل إلا شهادة جماعة يقع العلم بخبرهم ) كما ذكرنا .

                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                        الحديث التاسع : صح { أنه عليه السلام قبل شهادة الواحد العدل في رؤية هلال [ ص: 540 ] رمضان } ، قلت : فيه أحاديث : منها حديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة عن زائدة بن [ ص: 541 ] قدامة عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ، قال : { جاء أعرابي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إني رأيت الهلال ، قال : أتشهد أن لا إله إلا الله ؟ قال : نعم ، قال : أتشهد أن محمدا رسول الله ؟ قال : نعم ، قال : يا بلال أذن في الناس ، فليصوموا }. انتهى .

                                                                                                        ورواه ابن خزيمة ، وابن حبان في " صحيحيهما " ، والحاكم في " المستدرك " ، وقال : على شرط مسلم . فإنه احتج بسماك ، والبخاري احتج بعكرمة . انتهى .

                                                                                                        ولفظ ابن خزيمة ، وابن حبان ، وابن ماجه ، قال : { يا رسول الله ، إني رأيت الهلال الليلة } ، وعند الدارقطني : { جاء ليلة رمضان } ، وفي لفظ لأبي داود : { رأيت الهلال يعني هلال رمضان }وتابع زائدة على إسناده الوليد بن أبي ثور ، وحازم بن إبراهيم ، فرواه عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس ، فحديث الوليد بن أبي ثور ، عند أبي داود ، والترمذي ، قال الترمذي : حديث ابن عباس فيه اختلاف ، وأكثر أصحاب سماك يروونه عنه عن عكرمة عن النبي مرسلا . انتهى .

                                                                                                        وحديث حازم بن إبراهيم ، عند الطبراني في " معجمه " ورواه عن سماك أيضا حماد بن سلمة ، واختلف عليه ، فأخرجه البيهقي في " سننه " عن عثمان بن سعيد الدارمي عن موسى بن إسماعيل عن حماد بن سلمة عن عكرمة عن ابن عباس مسندا ، ورواه أبو داود في " سننه " حدثنا موسى بن إسماعيل به مرسلا ، لم يذكر فيه ابن عباس ، وقال فيه : { فنادى في الناس : أن تقوموا ، وأن تصوموا } ، وقال : لم يذكر فيه القيام إلا حماد بن سلمة انتهى .

                                                                                                        ورواه عن سماك أيضا سفيان الثوري ، واختلف عليه أيضا ، فأخرجه النسائي في " سننه " عن الفضل بن موسى الشيباني عن سفيان عن سماك به مسندا ، ثم أخرجه عن ابن المبارك عن سفيان به مرسلا ، قال : وهذا أولى بالصواب ، لأن سماكا كان يلقن فيتلقن ، وابن المبارك أثبت في سفيان من الفضل . انتهى .

                                                                                                        قال الحافظ محمد بن عبد الواحد : رواية زائدة ، وحازم بن إبراهيم البجلي مما يقوي رواية الفضل الشيباني ، وقد رأيت ابن المبارك يروي كثيرا من حديث صحيح فيوقفه . انتهى .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه أبو داود في " سننه " عن مروان بن محمد عن ابن وهب ثنا يحيى بن عبد الله بن سالم عن أبي بكر بن نافع عن أبيه عن ابن عمر ، قال : { تراءى الناس [ ص: 542 ] الهلال ، فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم أني رأيته ، فصام ، وأمر الناس بصيامه }انتهى .

                                                                                                        ورواه الحاكم في " مستدركه " عن هارون بن سعيد الأيلي ثنا ابن وهب به ، وقال : حديث صحيح على شرط مسلم ، ولم يخرجاه ، ورواه ابن حبان في " صحيحه " بسند أبي داود ، وكذلك الدارقطني في " سننه " ، وقال : تفرد به مروان بن محمد عن ابن وهب ، وهو ثقة . انتهى . وسند الحاكم وارد عليه .

                                                                                                        { حديث آخر } : أخرجه الدارقطني عن حفص بن عمر الأيلي ثنا مسعر بن كدام وأبو عوانة عن عبد الملك بن ميسرة عن طاوس ، قال : شهدت المدينة وبها ابن عمر ، وابن عباس ، فجاء رجل إلى واليها فشهد عنده على رؤية الهلال هلال رمضان فسأل ابن عمر ، وابن عباس عن شهادته ، فأمراه أن يجيزه ، وقالا : { إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أجاز شهادة رجل واحد على رؤية الهلال هلال رمضان قالا : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجيز شهادة الإفطار إلا بشهادة رجلين }. انتهى .

                                                                                                        وقال : تفرد به حفص بن عمر الأيلي ، وهو ضعيف . انتهى .

                                                                                                        قال صاحب " التنقيح " : حفص هذا ، هو حفص بن عمر بن دينار الأيلي ، وهو ضعيف باتفاقهم ، ولم يخرج له أحد من أصحاب السنن ، وأما حفص بن عمر بن ميمون العدني المعروف بالفرخ ، فروى له ابن ماجه ، ووثقه بعضهم ، وليس هو هذا . الآثار : روى أحمد في " مسنده " حدثنا يزيد بن هارون أنبأ ورقاء عن عبد الأعلى الثعلبي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، قال : كنت مع البراء بن عازب ، وعمر بن الخطاب في البقيع ، ننظر إلى الهلال ، فأقبل راكب فتلقاه عمر ، فقال : من أين جئت ؟ قال : من المغرب ، فقال : أهللت ؟ قال : نعم ، قال عمر : الله أكبر ، إنما يكفي المسلمين [ ص: 5 ] الرجل الواحد انتهى . وعبد الأعلى هذا متكلم فيه .

                                                                                                        { حديث آخر } : رواه الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد الدراوردي عن محمد بن عبد الله بن عمر بن عثمان عن أمه فاطمة بنت حسين أن رجلا شهد عند علي رضي الله عنه على رؤية هلال رمضان ، فصام ، وأحسبه قال : وأمر الناس أن يصوموا ، وقال : أصوم يوما من شعبان ، أحب إلي من أن أفطر يوما من رمضان انتهى .

                                                                                                        حديث لمالك رضي الله عنه في " الشاهدين " : استدل لمالك في قوله : " لا يصام ولا يفطر إلا بشهادة عدلين " بحديث أخرجه الدارقطني عن حسين بن الحارث الجدلي أن أمير مكة خطبنا ، فقال : { عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننسك ، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما } ، فسألت الحسين بن الحارث من أمير مكة ؟ فقال : لا أدري ، ثم لقيني بعد ، فقال : هو الحارث بن حاطب انتهى . وقال : إسناده صحيح متصل .




                                                                                                        الخدمات العلمية