الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
[ ص: 197 ] فصل

[ دخول مكة ]

ولا يضره ليلا دخل مكة أو نهارا كغيرها من البلاد ، فإذا دخلها ابتدأ بالمسجد ، فإذا عاين البيت كبر وهلل ، وابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر ، ويرفع يديه كالصلاة ويقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما ، أو يستلمه أو يشير إليه إن لم يقدر على الاستلام ، ثم يطوف طواف القدوم ، وهو سنة للآفاقي ، فيبدأ من الحجر إلى جهة باب الكعبة ، وقد اضطبع رداءه ، فيطوف سبعة أشواط وراء الحطيم ، يرمل في الثلاثة الأول ، ثم يمشي على هينته ، ويستلم الحجر كلما مر به ، ويختم بالاستلام ، ثم يصلي ركعتين في مقام إبراهيم ، أو حيث تيسر له من المسجد ، ثم يستلم الحجر ، ويخرج إلى الصفا فيصعد عليه ، ويستقبل البيت ويكبر ، ويرفع يديه ويهلل ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو بحاجته ، ثم ينحط نحو المروة على هينته ، فإذا بلغ الميل الأخضر سعى حتى يجاوز الميل الآخر ، ثم يمشي إلى الفروة فيفعل كالصفا وهذا شوط ، يسعى سبعة أشواط يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ، ثم يقيم بمكة حراما يطوف بالبيت ما شاء ، ثم يخرج غداة التروية إلى منى فيبيت بها حتى يصلي الفجر يوم عرفة ، ثم يتوجه إلى عرفات ، فإذا زالت الشمس توضأ أو اغتسل ، فإن صلى مع الإمام صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين في وقت الظهر ، وإن صلى وحده صلى كل واحدة في وقتها ( سم ) ، ثم يقف راكبا رافعا يديه بسطا يحمد الله ، ويثني عليهما ، ويصلي على نبيه - عليه الصلاة والسلام - ويسأل حوائجه ، وعرفات كلها موقف إلا بطن عرنة ، ووقت الوقوف من زوال الشمس إلى طلوع الفجر الثاني من الغد ، فمن فاته الوقوف فقد فاته الحج ، فيطوف ويسعى ويتحلل من الإحرام ويقضي الحج فإذا غربت الشمس أفاض مع الإمام إلى المزدلفة ، ويأخذ الجمار من الطريق سبعين حصاة كالباقلاء ، ولا يصلي المغرب حتى يأتي المزدلفة فيصليها مع العشاء بأذان وإقامة ، ويبيت بها ، ثم يصلي الفجر بغلس ، ثم يقف بالمشعر الحرام والمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر : ; ثم يتوجه إلى منى قبل طلوع الشمس ، فيبتدئ بجمرة العقبة يرميها بسبع حصيات من بطن الوادي ، يكبر مع كل حصاة .

ولا يقف عندها ويقطع التلبية مع أول حصاة ، ثم يذبح إن شاء ، ثم يقصر أو يحلق وهو أفضل ، وحل له كل شيء إلا النساء ، ثم يمشي إلى مكة فيطوف طواف الزيارة من يومه أو من غده أو بعده ، وهو ركن إن تركه أو أربعة أشواط منه بقي محرما حتى يطوفها . وصفته أن يطوف بالبيت سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعي بعدها ، وإن لم يكن طاف للقدوم رمل وسعى ، وحل له النساء ، فإذا كان اليوم الثاني من أيام النحر رمى الجمار الثلاث بعد الزوال يرميها بسبع حصيات ثم يقف عندها مع الناس مستقبل الكعبة ، وكذلك يرميها في اليوم الثالث من النحر بعد الزوال ، وكذلك في اليوم الرابع إن أقام ، وإن نفر إلى مكة في اليوم الثالث سقط عنه رمي اليوم الرابع ، فإذا نفر إلى مكة نزل بالأبطح ولو ساعة ، ثم يدخل مكة ويقيم بها ، فإذا أراد العود إلى أهله طاف طواف الصدر ، وهو سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعي ، وهو واجب على الآفاقي ، ثم يأتي زمزم يستقي بنفسه ويشرب إن قدر ، ثم يأتي باب الكعبة ويقبل العتبة ، ثم يأتي الملتزم ، فيلصق بطنه بالبيت ويضع خده الأيمن عليه ويتشبث بأستار الكعبة ، ويجتهد في الدعاء ويبكي ويرجع القهقرى حتى يخرج من المسجد ، وإذا لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفة ووقف بها سقط عنه طواف القدوم ، ومن اجتاز بعرفة نائما أو مغمى عليه أو لا يعلم بها أجزأه عن الوقوف . والمرأة كالرجل ، إلا أنها تكشف وجهها دون رأسها ، ولا ترفع صوتها بالتلبية ، ولا ترمل ولا تسعى ، وتقصر ولا تحلق ، وتلبس المخيط ولا تستلم الحجر ، إذا كان هناك رجال ، ولو حاضت عند الإحرام اغتسلت وأحرمت ، إلا أنها لا تطوف ، وإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة عادت ولا شيء عليها لطواف الصدر .

التالي السابق


فصل

( ولا يضره ليلا دخل مكة أو نهارا كغيرها من البلاد ، فإذا دخلها ابتدأ بالمسجد ) لأن البيت فيه ، والمقصود زيارته ; ويستحب أن يدخل من باب بني شيبة اقتداء بفعله - صلى الله عليه وسلم - ويستحب أن يقول عند دخولها : اللهم هذا حرمك ومأمنك ، قلت - وقولك الحق - : ( ومن دخله كان آمنا ) اللهم فحرم لحمي ودمي على النار ، وقني عذابك يوم تبعث عبادك ، ويدخل المسجد حافيا إلا أن يستضر ، ويقول عند دخوله : بسم الله وعلى ملة رسول الله ، الحمد لله الذي بلغني بيته الحرام . اللهم افتح لي أبواب رحمتك ومغفرتك وأدخلني فيها ، وأغلق عني معاصيك وجنبني العمل بها . ( فإذا عاين البيت كبر وهلل ) ويستحب أن يقول : الله أكبر ، الله أكبر ، اللهم أنت السلام ومنك [ ص: 198 ] السلام ، حينا ربنا بالسلام ، وأدخلنا دار السلام ، اللهم زد بيتك هذا تشريفا ومهابة وتعظيما ، اللهم تقبل توبتي وأقلني عثرتي ، واغفر لي خطيئتي يا حنان يا منان .

( وابتدأ بالحجر الأسود فاستقبله وكبر ) هكذا فعل - صلى الله عليه وسلم - لما دخل المسجد .

( ويرفع يديه كالصلاة ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن " وعد منها استلام الحجر .

( ويقبله إن استطاع من غير أن يؤذي مسلما أو يستلمه ) وهو أن يلمسه بكفه ، أو يلمسه شيئا بيده ثم يقبله أو يحاذيه .

( أو يشير إليه إن لم يقدر على الاستلام ) لأن التحرز عن أذى المسلم واجب ، والتقبيل والاستلام سنة ، والإتيان بالواجب أولى ، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل الحجر الأسود وقال لعمر : " إنك رجل أيد - أي قوي - فلا تزاحم الناس على الحجر ، ولكن إن وجدت فرجة فاستلمه ، وإلا فاستقبله وهلل وكبر " وروي " أنه - عليه الصلاة والسلام - طاف على راحلته ، واستلم الأركان بمحجنه " ، ويستحب أن يقول عند استلام الحجر : الله أكبر الله أكبر ، اللهم إيمانا بك ، وتصديقا بكتابك ، ووفاء بعهدك ، واتباعا لنبيك ; أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ; آمنت بالله وكفرت بالجبت والطاغوت .

قال : ( ثم يطوف طواف القدوم ) ويسمى طواف التحية ( وهو سنة للآفاقي ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " من أتى البيت فليحيه بالطواف " ولفظة التحية تنافي الوجوب ، ولا قدوم لأهل مكة [ ص: 199 ] فلا يسن في حقهم ; ويقول عند افتتاح الطواف : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، اللهم أعذني من أهوال يوم القيامة .

( فيبدأ من الحجر إلى جهة باب الكعبة ، وقد اضطبع رداءه ) والاضطباع : إخراج طرف الرداء من تحت الإبط الأيمن وإلقاؤه على عاتقه الأيسر .

( فيطوف سبعة أشواط وراء الحطيم ، يرمل في الثلاثة الأول ، ثم يمشي على هينته ، ويستلم الحجر كلما مر به ، ويختم الطواف بالاستلام ) هكذا نقل نسكه - صلى الله عليه وسلم - . والحطيم : موضع مبني دون البيت من الركن العراقي إلى الركن الشامي ، سمي بذلك لأنه حطم من البيت : أي كسر ، وفيه نصب الميزاب ، وهو الحجر لأنه حجر من البيت : أي منع ، وبينه وبين البيت فرجة من الجانبين ، فلو دخل فيها في طوافه لم يجزه لأنه من البيت . قال - عليه الصلاة والسلام - : " الحطيم من البيت " فيعيد الطواف ، فإن أعاده على الحطيم وحده أجزأه لأنه تم طوافه ، والأولى أن يعيده على البيت أيضا ليؤديه على الوجه الأحسن والأكمل ويخرج به عن خلاف بعض الفقهاء .

والرمل هز الكتفين كالتبختر ، وسببه إظهار الجلد للمشركين حيث قالوا عن الصحابة : أوهنتهم حمى يثرب ، فقال - عليه الصلاة والسلام - : " رحم الله امرأ أظهر من نفسه جلدا " وزال السبب وبقي الحكم إلى يومنا به التوارث ; واستلام الحجر أول الطواف وآخره سنة ، وما بقي بينهما أدب ; ويستحب أن يستلم الركن اليماني ولا يقبله . وعن محمد أنه سنة ولا يقبل بقية الأركان ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يستلم الحجر والركن اليماني لا غير ; ويستحب أن يقول إذا بلغ الركن العراقي : اللهم إني أعوذ بك من الشرك ، والكفر ، والنفاق ، وسوء الأخلاق .

وعند الميزاب : اللهم اسقني بكأس نبيك محمد شربة لا أظمأ بعدها .

وعند الركن الشامي : اللهم اجعله حجا مبرورا ، وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ، وتجارة لن تبور ، برحمتك يا عزيز يا [ ص: 200 ] غفور . وعند الركن اليماني : اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر وفتنة المحيا والممات .

قال : ( ثم يصلي ركعتين في مقام إبراهيم أو حيث تيسر له من المسجد ) وهي واجبة ، قال - عليه الصلاة والسلام - : " ليصل الطائف لكل أسبوع ركعتين " ، وقيل في تفسير قوله تعالى : ( واتخذوا من مقام إبراهيم مصلى ) إنه ركعتي الطواف ، ويقول عقيبهما : اللهم هذا مقام العائذ بك من النار ، فاغفر لي ذنوبي إنك أنت الغفور الرحيم .

( ثم يستلم الحجر ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - استلمه بعد الركعتين .

قال : ( ويخرج إلى الصفا ) من أي باب شاء ، والأولى أن يخرج من باب بني مخزوم اتباعا للنبي - صلى الله عليه وسلم - ولأنه أقرب إلى الصفا ، وهو الذي يسمى اليوم باب الصفا .

( فيصعد عليه ، ويستقبل البيت ويكبر ، ويرفع يديه ويهلل ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو بحاجته ) هكذا فعل - صلى الله عليه وسلم - ولأن الدعاء عقيب الثناء والصلاة أقرب إلى الإجابة فيقدمان عليه . ( ثم ينحط نحو المروة على هينته ، فإذا بلغ الميل الآخضر سعى حتى يجاوز الميل الآخر ، ثم يمشي إلى المروة فيفعل كالصفا ) هكذا فعل - عليه الصلاة والسلام - .

( وهذا شوط ، يسعى سبعة أشواط ) كما وصفنا .

( يبدأ بالصفا ويختم بالمروة ) فالمشي من الصفا إلى المروة شوط ، والعود من المروة إلى [ ص: 201 ] الصفا آخر . وذكر الطحاوي أن العود ليس بشوط ، ويشترط البداءة في كل شوط بالصفا والختم به ، والأول أصح لأنه المنقول المتوارث ، ولئلا يتخلل بين كل شوطين ما لا يعتد به والأصل في العبادات الاتصال كالطواف وركعات الصلاة ، ثم السعي بين الصفا والمروة واجب ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " كتب عليكم السعي فاسعوا " وأنه خبر آحاد فلا يوجب الركنية فقلنا بالوجوب ، وقوله تعالى : ( فلا جناح عليه أن يطوف بهما ) ينفي الركنية أيضا والأفضل ترك السعي حتى يأتي به عقيب طواف الزيارة لأن السعي واجب ، وإنما شرع مرة واحدة ، وطواف القدوم سنة ، ولا يجعل الواجب تبعا للسنة ، وإنما رخص في ذلك ؛ لأن يوم النحر يوم اشتغال بالذبح والرمي وغيره ، فربما لا يتفرغ للسعي ; ويستحب أن يقول عند خروجه إلى الصفا : باسم الله ، والصلاة على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللهم افتح لي أبواب رحمتك ، وأدخلني فيها ; ويقول على الصفا : الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير ، وهو على كل شيء قدير ، لا إله إلا الله ، ولا نعبد إلا إياه ، مخلصين له الدين ولو كره الكافرون ، لا إله إلا الله ، أهل التكبير والتحميد والتهليل ، لا إله إلا الله وحده ، أنجز وعده ، ونصر عبده ، وهزم الأحزاب وحده ، فله الملك ، وله الحمد . ويسأل حوائجه ; فإذا نزل من الصفا قال : اللهم يسر لي اليسرى ، وجنبني العسرى ، واغفر لي في الآخرة والأولى ; ويقول في السعي : رب اغفر وارحم ، وتجاوز عما تعلم ، إنك أنت الأعز الأكرم ، ويستكثر من قول : سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ; ويقول على المروة مثل الصفا .

قال : ( ثم يقيم بمكة حراما يطوف بالبيت ما شاء ) لأنه عبادة وهو أفضل من الصلاة ، وخصوصا للآفاقي ، ويصلي لكل طواف ركعتين ، ولا يسعى بعده لما بينا .

قال : ( ثم يخرج غداة التروية ) وهو ثامن ذي الحجة .

( إلى منى ) فينزل بقرب مسجد الخيف .

( فيبيت بها حتى يصلي الفجر يوم عرفة ) فيصلي بمنى الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر ، هكذا فعل جبريل بإبراهيم ومحمد عليهم الصلاة والسلام وهو المنقول من نسك [ ص: 202 ] رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذه البيتوتة سنة ، ولو بات بمكة وصلى هذه الصلوات بها جاز ؛ لأنه لا نسك بمنى هذا اليوم ، وقد أساء لمخالفته السنة ; ويقول عند نزوله بمنى : اللهم هذه منى ، وهي مما مننت بها علينا من المناسك ، فامنن علي بما مننت به على عبادك الصالحين .

قال : ( ثم يتوجه إلى عرفات ) اقتداء - بفعله - عليه الصلاة والسلام - ولأنه يحتاج إلى أداء فرض الوقوف بها في هذا اليوم وينزل بها حيث شاء .

( فإن زالت الشمس توضأ واغتسل ) لأنه يوم جمع فيستحب له الغسل ، وقيل : هو منه .

( فإن صلى مع الإمام صلى الظهر والعصر بأذان وإقامتين في وقت الظهر ) فقد تواتر النقل عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالجمع بينهما . وروى جابر بأذان وإقامتين ، وهو أن يؤذن ويقيم للظهر ثم يقيم للعصر لأنها تؤدى في غير وقتها فيقيم إعلاما لهم ؛ لأنه لو لم يقم ربما ظنوا أنه يتطوع فلا يشرعون مع الإمام ، ولا يتطوع بين الصلاتين لأن العصر إنما قدمت ليتفرغ إلى الوقوف ، فالتطوع بينهما يخل به .

قال : ( وإن صلى وحده صلى كل واحدة في وقتها ) وقال أبو يوسف ومحمد : يجمع بينهما المنفرد ؛ لأن جوازه ليتفرغ للوقوف ويمتد وقته والكل في ذلك سواء .

ولأبي حنيفة أن تقديم العصر على خلاف الأصل ؛ لأن الأصل أداء كل صلاة في وقتها ، لكن خالفناه فيما ورد به الشرع ، وهو الإمام في الصلاتين ، والإحرام بالحج قبل الزوال ، وفيما عداه بقي على الأصل .

قال : ( ثم يقف راكبا رافعا يديه بسطا يحمد الله ، ويثني عليه ، ويصلي على نبيه - عليه الصلاة والسلام - ويسأل حوائجه ) والأفضل أن يتوجه عقيب صلاة العصر مع الإمام فيقف بالموقف مستقبل القبلة قريبا من جبل الرحمة ؛ لأنه - صلى الله عليه وسلم - راح عقيب صلاة العصر إلى الموقف ووقف على راحلته مستقبل القبلة يدعو باسطا يديه كالمستطعم المسكين ، رواه ابن عباس ، ويقدم الثناء [ ص: 203 ] والحمد والصلاة على النبي - صلى الله عليه وسلم - كما تقدم ، وإن وقف قائما أو قاعدا جاز ، والأول أفضل ، ويلبي في الموقف ساعة بعد ساعة ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - ما زال يلبي حتى أتى جمرة العقبة .

قال : ( وعرفات كلها موقف إلا بطن عرفة ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " عرفات كلها موقف وارتفعوا عن بطن عرفة ) .

( ووقت الوقوف من زوال الشمس إلى طلوع الفجر الثاني من الغد ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - وقف بعد الزوال . وقال - عليه الصلاة والسلام - : " الحج عرفة " فمن وقف بها ليلا أو نهارا فقد تم حجه ، ومن فاته عرفة بليل فقد فاته الحج ، فليحل بعمرة وعليه الحج من قابل " وإن وقف ساعة بعد الزوال ثم أفاض أجزأه ، بقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من وقف ساعة بعرفة من ليل أو نهار فقد تم حجه " ولأن الركن أصل الوقوف وامتداده إلى غروب الشمس واجب ، لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " امكثوا على مشاعركم فإنكم على إرث من إرث أبيكم إبراهيم صلوات الله عليه " أمر بالمكث وأنه للوجوب .

قال : ( فمن فاته الوقوف ) في هذا الوقت ، ( فقد فاته الحج فيطوف ويسعى ، ويتحلل من الإحرام ، ويقضي الحج ) لما روينا .

واعلم أن الأحاديث كثيرة في فضيلة يوم عرفة وإجابة الدعاء فيه ، فينبغي أن تجتهد فيه بالدعاء ، وتدعو بكل دعاء تحفظه ، وإن لم تقدر على الحفظ فاقرأ المكتوب ; ويستحب أن يقرأ [ ص: 204 ] عقيب صلاته الفاتحة والإخلاص عشر مرات ، ويقول : لا إله إلا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، يحيي ويميت ، وهو حي لا يموت ، بيده الخير وهو على كل شيء قدير ، سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، يا رفيع الدرجات ، يا منزل البركات ، يا فاطر الأرضين والسموات ، ضجت لك الأصوات بصنوف اللغات ، تسألك الحاجات ، وحاجتي أن ترحمني في دار البلاء إذا نسيني أهل الدنيا ، أسألك أن توفقني لما افترضت علي ، وتعينني على طاعتك ، وأداء حقك ، وقضاء المناسك التي أريتها خليلك إبراهيم ، ودللت عليها محمدا حبيبك ; اللهم لكل متضرع إليك إجابة ، ولكل مسكين لديك رأفة ، وقد جئتك متضرعا إليك ، مسكينا لديك ، فاقض حاجتي ، واغفر ذنوبي ، ولا تجعلني من أخيب وفدك ، وقد قلت - وأنت لا تخلف الميعاد - : ( ادعوني أستجب لكم ) وقد دعوتك متضرعا سائلا ، فأجب دعائي وأعتقني من النار ، ولوالدي ولجميع المسلمين والمسلمات برحمتك يا أرحم الراحمين .

قال : ( فإذا غربت الشمس أفاض مع الإمام إلى المزدلفة ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إن أهل الشرك كانوا يدفعون من عرفة إذا صارت الشمس على رءوس الجبال مثل عمائم الرجال ، وأنا أدفع بعد غروب الشمس مخالفة لهم " ويمشي على هينته ، كذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك اليوم .

وقال : " يا أيها الناس عليكم بالسكينة " ويستحب أن يقول عند غروبها قبل الإفاضة : اللهم لا تجعله آخر العهد بهذا الموقف ، وارزقنيه ما أبقيتني ، واجعلني اليوم مفلحا مرحوما مستجابا دعائي ، مغفورا ذنوبي يا أرحم الراحمين .

وينبغي أن يدفع مع الإمام ، ولا يتقدم عليه إلا إذا تأخر الإمام عن غروب الشمس ، فيدفع الناس قبله لدخول الوقت ، ولو مكث بعد الغروب وإفاضة الإمام قليلا خوف الزحمة جاز ، هكذا فعلت عائشة ; وينبغي أن يكثر من الاستغفار . قال الله تعالى : ( ثم أفيضوا من حيث أفاض الناس واستغفروا الله إن الله غفور رحيم ) .

[ ص: 205 ] قال : ( ويأخذ الجمار من الطريق سبعين حصاة كالباقلاء ولا يصلي المغرب حتى يأتي المزدلفة فيصليها مع العشاء بأذان وإقامة ) أما تأخير المغرب فلحديث أسامة بن زيد قال : كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من عرفات إلى المزدلفة ، فنزل بالشعب وقضى حاجته ولم يسبغ الوضوء ، فقلت يا رسول الله ، الصلاة ، فقال : " الصلاة ليست هنا الصلاة أمامك " وأما الجمع بينهما بأذان وإقامة فلرواية جابر " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل كذلك " ولأن العشاء في وقتها فلا حاجة إلى الإعلام بوقتها بخلاف العصر يوم عرفة ، ولا يتطوع بينهما لأنه يقطع الجمع ، فإن تطوع أو اشتغل بشيء آخر أعاد الإقامة ؛ لأنه انقطع حكم الإقامة الأولى ، ولو صلى المغرب في الطريق أو بعرفة لم يجزه . وقال أبو يوسف : يجزيه لأنه صلاها في وقتها . ولنا ما تقدم من حديث أسامة ، ويقضيها ما لم يطلع الفجر ، فإذا طلع الفجر فلا قضاء ؛ لأنه فات وقت الجمع ، وينبغي أن ينزل بقرب الجبل الذي عليه الميقدة لأنه - عليه الصلاة والسلام - وقف هناك .

( ويبيت بها ) وهي سنة .

قال : ( ثم يصلي الفجر بغلس ) كذا روى ابن مسعود عن النبي - عليه الصلاة والسلام - وليتفرغ للوقوف والدعاء .

( ثم يقف بالمشعر الحرام ) ويدعو ويجتهد في الدعاء كما مر بعرفة ; ويستحب أن يقول إذا نزل بها : اللهم هذه مزدلفة وجمع ، أسألك أن ترزقني جوامع الخير ، واجعلني ممن سألك فأعطيته ودعاك فأجبته ، وتوكل عليك فكفيته ، وآمن بك فهديته ; وإذا فرغ من الصلاتين يقول : اللهم حرم لحمي وشعري ودمي وعظمي وجميع جوارحي على النار يا أرحم الراحمين ، ويسأل الله تعالى إرضاء الخصوم ؛ فإن الله تعالى وعد ذلك لمن طلبه في هذه الليلة ; ويستحب أن يقف بعد صلاة [ ص: 206 ] .

الفجر مع الإمام ويدعو ، قال الله تعالى : ( فاذكروا الله عند المشعر الحرام ) ويستحب أن يكبر ، ويهلل ، ويلبي ويقول : اللهم أنت خير مطلوب ، وخير مرغوب إليه ، إلهي لكل وفد جائزة وقرى ، فاجعل اللهم جائزتي وقراي في هذا المقام أن تتقبل توبتي ، وتتجاوز عن خطيئتي ، وتجمع على الهدى أمري ، وتجعل اليقين من الدنيا همي ، اللهم ارحمني ، وأجرني من النار ، وأوسع علي الرزق الحلال ، اللهم لا تجعله آخر العهد بهذا الموقف ، وارزقنيه أبدا ما أحييتني برحمتك يا أرحم الراحمين .

( والمزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " المزدلفة كلها موقف إلا وادي محسر " .

قال : ( ثم يتوجه إلى منى قبل طلوع الشمس ) كذا فعل - صلى الله عليه وسلم - ويمشي بالسكينة ، فإذا بلغ بطن محسر أسرع مقدار رمية حجر ماشيا كان أو راكبا ، هكذا فعله - عليه الصلاة والسلام - .

( ف ) إذا وصل إلى منى .

( يبتدئ بجمرة العقبة يرميها بسبع حصيات من بطن الوادي يكبر مع كل حصاة ولا يقف عندها ، ويقطع التلبية مع أول حصاة ) لما روى جابر " أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أتى منى لم يعرج إلى شيء حتى رمى جمرة العقبة بسبع حصيات ، وقطع التلبية عند أول حصاة رماها ، وكبر مع كل حصاة ، ثم نحر ، ثم حلق رأسه ، ثم أتى مكة فطاف بالبيت " ويرمي من بطن الوادي من أسفل إلى أعلى ، ويجعل منى عن يمينه ، والكعبة عن يساره ، ويقف حيث يرى موضع الحصاة ، هكذا نقل عنه - عليه الصلاة والسلام - وهو مثل حصى الخذف . قال - عليه الصلاة والسلام - للفضل بن العباس غداة يوم النحر : " ائتني بسبع حصيات مثل حصى الخذف " فأتاه بهن ، فجعل يقلبهن ويقول : " بمثلهن [ ص: 207 ] بمثلهن لا تغلوا " والخذف : أن يضع الحصاة على رأس السبابة ، ويضع إبهامه عليها ثم يرمي بها . واختلفوا في مقدارها ، والمختار قدر الباقلاء ، ولو رمى بحجر أكبر أو أصغر جاز لحصول الرمي ، ويقول عند الرمي : بسم الله ، والله أكبر ، رغما للشيطان وحزبه ; ويجوز الرمي بكل ما كان من جنس الأرض ، ولا يجوز بما ليس من جنسها ، ومن أي موضع أخذه جاز إلا الحصاة المرمي بها فإنه يكره لأنها حصى من لم يقبل حجه ، فقد جاء في الحديث : " ومن قبل حجه رفع حصاه " ولأنه رمى به مرة فأشبه الماء المستعمل ، وكيفما رمى جاز ، وعدد حصى الجمار سبعون : جمرة العقبة يوم النحر سبعة ، وثلاثة أيام منى كل يوم ثلاث جمرات بإحدى وعشرين ; وقد استحب بعضهم غسل الحصى ليكون طاهرا بيقين .

قال : ( ثم يذبح إن شاء ) لأنه مسافر وهو مفرد ولا وجوب عليه .

( ثم يقصر أو يحلق وهو أفضل ) قال - عليه الصلاة والسلام - : " إن أول نسكنا في يومنا هذا أن نرمي ، ثم نذبح ، ثم نحلق " ولأن الحلق من محظورات الإحرام فيؤخر عن الذبح .

والحلق أفضل لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " يغفر الله للمحلقين " قيل يا رسول الله ، وللمقصرين ، فقال : " يغفر الله للمحلقين " ، قالها ثلاثا ، ثم قال : " وللمقصرين " وإن لم يكن على رأسه شعر أجرى الموسى على رأسه تشبيها بالحلق كالتشبيه بالصوم عند العجز عن الصوم ; والسنة حلق الجميع فإن نقص من ذلك فقد أساء لمخالفة السنة ، ولا يجوز أقل من الربع ، ونظيره مسح الرأس في الوضوء في الاختلاف والدلائل ، والتقصير : أن يأخذ من رءوس شعره وأقله مقدار الأنملة ، ويستحب أن يدفن الشعر . قال الله تعالى : ( ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء ‎وأمواتا ) ويستحب أن يقول عند الحلق : اللهم هذه ناصيتي بيدك ، فاجعل لي بكل شعرة نورا يوم القيامة يا أرحم الراحمين .

[ ص: 208 ] ( وحل له كل شيء إلا النساء ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - فيه : " حل له كل شيء إلا النساء " .

قال : ( ثم يمشي إلى مكة فيطوف طواف الزيارة من يومه أو من غده أو بعده ، وهو ركن إن تركه أو أربعة أشواط منه بقي محرما حتى يطوفها .

وصفته : أن يطوف بالبيت سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعي بعدها ، وإن لم يكن طاف للقدوم رمل وسعى وحل له النساء ) ويسمى أيضا طواف الإفاضة ، والأفضل أن يطوفه أول أيام النحر ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - لما رمى جمرة العقبة ذبح وحلق ومشى إلى مكة ، فطاف للزيارة ثم عاد إلى منى فصلى بها الظهر ، ووقت الطواف أيام النحر . قال الله تعالى : ( فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) ، ثم قال : ( وليطوفوا بالبيت العتيق ) جعل وقتهما واحدا ، فلو أخره عنها لزمه شاة ، وكذا إذا أخر الحلق عنها أو أخر الرمي . وقال أبو يوسف ومحمد : لا يلزمه لأنه استدرك ما فاته ; وله حديث ابن مسعود : " من قدم نسكا على نسك فعليه دم " ولأن ما هو مؤقت بالمكان وهو الإحرام يجب بتأخيره عنه دم ، فكذا ما هو مؤقت بالزمان وهو ركن لأنه المراد بقوله تعالى : ( وليطوفوا ) فكان فرضا ، فإن تركه أو أربعة أشواط منه بقي محرما حتى يطوفها . أما إذا تركه فلما بينا أنه ركن . وأما إذا ترك أربعة أشواط فهو الأكثر ، وللأكثر حكم الكل ، فكأنه لم يطف أصلا ، ولا رمل فيه ولا سعي بعده إن كان أتى بهما في طواف القدوم لأنهما شرعا مرة واحدة ، وإن لم يكن فعلهما أتى بهما في هذا الطواف ، وقد بيناه ، وحل له النساء لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إذا طفتم بالبيت حللن لكم " ولأنه أتى بما عليه من فرائض الحج التي عقد لها الإحرام ، ويطوف على قدميه حتى لو طاف راكبا أو محمولا لغير عذر أعاد ما دام بمكة ; وإن خرج من غير إعادة فعليه دم ، وإن كان [ ص: 209 ]

بعذر فلا شيء عليه وما روي " أنه - عليه الصلاة والسلام - طاف راكبا " محمول على العذر حالة الكبر وكذا التيامن واجب ، وهو أن يأخذ في الطواف عن يمينه من باب الكعبة حتى لو طاف منكوسا أو أكثره أعاد ما دام بمكة ، فإن لم يعد فعليه دم ، فإذا طاف للزيارة عاد إلى منى فبات بها لياليها ، والمبيت بها سنة لفعل النبي - صلى الله عليه وسلم - .

( فإذا كان اليوم الثاني من أيام النحر ) وهو حادي عشر الشهر ويسمى يوم القر لأنهم يقرون فيه بمنى .

( رمى الجمار الثلاث بعد الزوال ) يبتدئ بالتي تلي مسجد الخيف .

( يرميها بسبع حصيات ثم يقف عندها مع الناس مستقبل الكعبة ) يرفع يديه حذاء منكبيه بسطا يذكر الله تعالى ويثني عليه ، ويهلل ، ويكبر ، ويصلي على النبي - صلى الله عليه وسلم - ويدعو الله بحاجته .

وعن أبي يوسف أنه يقول : اللهم اجعله حجا مبرورا ، وذنبا مغفورا ، اللهم إليك أفضت ، ومن عذابك أشفقت ، وإليك رغبت ، ومنك رهبت ، فاقبل نسكي وعظم أجري وارحم تضرعي واقبل توبتي واستجب دعوتي وأعطني سؤلي ، ثم يأتي الجمرة الوسطى فيفعل كذلك ، ثم يأتي جمرة العقبة فيرميها ولا يقف عندها ، ولو لم يقف عند الجمرتين لا شيء عليه لأنه للدعاء .

قال : ( وكذلك يرميها في اليوم الثالث من أيام النحر بعد الزوال ) كما وصفنا .

( وكذلك في اليوم الرابع إن أقام ) وجميع ما ذكرنا من صفة الرمي والوقوف والدعاء مروي في حديث جابر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

[ ص: 210 ] قال : ( وإن نفر إلى مكة في اليوم الثالث سقط عنه رمي اليوم الرابع ) ولا شيء عليه لقوله تعالى : ( فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ) والأفضل أن يقف حتى يرمي اليوم الرابع لأنه أتم لنسكه ، فلو رماها في اليوم الرابع قبل الزوال جاز . وقالا : لا يجوز لأن وقته بعد الزوال كما في اليومين الأولين ، وهو مروي عن عمر - رضي الله عنه - .

ولأبي حنيفة أنه لما جاز ترك الرمي أصلا فلأن يجوز تقديمه أولى ، وهو مروي عن ابن عباس - رضي الله عنهما - .

قال : ( فإذا نفر إلى مكة نزل بالأبطح ولو ساعة ) وهو المحصب وهو سنة ؛ لأنه - عليه الصلاة والسلام - نزل به قصدا وهو نسك ، كذا روي عن عمر - رضي الله عنه - .

( ثم يدخل مكة ويقيم بها ) ويكثر فيها من أفعال الخير كالطواف والصلاة والصدقة والتلاوة وذكر الله تعالى ، ويجتنب إنشاد الشعر وحديث الفحش وما لا يعنيه ، ففي الحديث النبوي ، أن الحسنة فيه تضاعف إلى مائة ألف وكذلك السيئة ، ولهذا كره أبو حنيفة المجاورة خوفا من الوقوع فيما لا يجوز فيتضاعف عليه العقاب بتضاعف السيئات حتى لو كان ممن يثق من نفسه ويملكها عما لا ينبغي من الأفعال والأقوال ، فالمجاورة أفضل بالإجماع .

قال : ( فإذا أراد العود إلى أهله طاف طواف الصدر ) ويسمى طواف الوداع لأنه يصدر عن البيت ويودعه .

( وهو سبعة أشواط لا رمل فيها ولا سعي ) لما بينا .

( وهو واجب على الآفاقي ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " من حج هذا البيت فليكن آخر عهده به الطواف " بخلاف المكي فإنه لا يصدر عنه ولا يودعه .

( ثم يأتي زمزم يستقي بنفسه ويشرب إن قدر ) فهو أفضل لما روي أنه - عليه الصلاة والسلام - [ ص: 211 ] أتى زمزم ونزع بنفسه دلوا فشرب ثم أفرغ ماء الدلو عليه ويستحب أن يتنفس في الشرب ثلاث مرات ، وينظر إلى البيت في كل مرة ويقول : بسم الله ، والحمد لله ، والصلاة على رسول الله ; ويقول في المرة الأخيرة : اللهم إني أسألك رزقا واسعا ، وعلما نافعا ، وشفاء من كل داء وسقم ، يا أرحم الراحمين ; ثم يمسح به وجهه ورأسه ، ويصب عليه إن تيسر له .

( ثم يأتي باب الكعبة ويقبل العتبة ) لما فيه من زيادة التضرع .

( ثم يأتي الملتزم ) وهو بين الباب والحجر الأسود .

( فيلصق بطنه بالبيت ويضع خده الأيمن عليه ويتشبث بأستار الكعبة ) كالمتعلق بطرف ثوب مولاه يستغيثه في أمر عظيم .

( ويجتهد في الدعاء ) فإنه موضع إجابة الدعاء جاء به الأثر .

( ويبكي ) أو يتباكى فإنه من علامات القبول .

( ويرجع القهقرى حتى يخرج من المسجد ) ليكون نظره إلى الكعبة ; ويستحب أن يقول عند الوداع : اللهم هذا بيتك الذي جعلته مباركا وهدى للعالمين فيه آيات بينات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمنا ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، اللهم فكما هديتنا لذلك ، فتقبله منا ، ولا تجعله آخر العهد من بيتك الحرام ، وارزقني العود إليه حتى ترضى عني برحمتك يا أرحم الراحمين .

قال : ( وإذا لم يدخل المحرم مكة وتوجه إلى عرفة ووقف بها ) على الوجه الذي بيناه . ( سقط عنه طواف القدوم ) لأنه شرع في أفعال الحج ، فيجب عليه الإتيان بسائر أفعاله على وجه الترتيب ، ولا دم عليه لأنه سنة فلا يجب بتركها شيء .

قال : ( ومن اجتاز بعرفة نائما أو مغمى عليه أو لا يعلم بها أجزأه عن الوقوف ) لوجود الركن [ ص: 212 ] وهو الوقوف ، ولإطلاق قوله - عليه الصلاة والسلام - : " من وقف بعرفة فقد تم حجه " .

قال : ( والمرأة كالرجل ) لأن النص يعمهما .

( إلا أنها تكشف وجهها دون رأسها ) لقوله - عليه الصلاة والسلام - : " إحرام المرأة في وجهها " .

( ولا ترفع صوتها بالتلبية ) خوفا من الفتنة .

( ولا ترمل ولا تسعى ) لأن مبنى أمرها على الستر ، وفي ذلك احتمال الكشف .

( وتقصر ولا تحلق ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - نهى النساء عن الحلق وأمرهن بالتقصير .

( وتلبس المخيط ) لأن في تركه خوف كشف العورة .

( ولا تستلم الحجر إذا كان هناك رجال ) لأنها ممنوعة عن مماستهم .

قال : ( ولو حاضت عند الإحرام اغتسلت وأحرمت ) لما مر في الرجل .

( إلا أنها لا تطوف ) لأن الطواف في المسجد وهي ممنوعة من دخول المسجد .

( وإن حاضت بعد الوقوف وطواف الزيارة عادت ولا شيء عليها لطواف الصدر ) لأنه - عليه الصلاة والسلام - رخص للحيض في طواف الصدر .




الخدمات العلمية