الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                الركن الثاني : المرهون ، وفي الجواهر : شرطه إمكان الاستيفاء منه ، أو من ثمنه ، أو من ثمن منافعه - الدين الذي رهن به ، أو بعضه ; لأنه حكمة الرهن ، ولا يشترط أن يكون عينا ، فيصح رهن الدين ممن هو عليه ، أو من غيره ، ويجوز رهن المشاع ، ولا يشترط صحة بيعه في الحال كالثمرة ; لأن المقصود أخذ الحق عند الأجل . وقال الشافعية : يمتنع ما يفسد بنفسه كالورد ، وما لا يصح بيعه ، وإلا فيجوز . قالوا : ويمتنع كون المبيع رهنا ، سواء قبض ورهن أم لا ; لأنه عند الشرط ليس ملك الراهن . ولهم في الدين قولان على جواز بيعه ، أو هو غرر لتوقع عدم الدفع ، والإعسار ، ومنعوا رهن منفعة الدار ونحوها لتلفها قبل حلول الأجل . وكذلك في الدين الحال لتوقع تأخير القضاء ، وجوزوا الأصول دون الثمار ، وبالعكس بجواز البيع فيهما ، ومنعها ( ح ) لاتصال الثمرة بما ليس برهن ، وهو الأصول ، فأشبه المشاع ، ولأن الأصول مشغولة بملك ، وجوزوا الأمة دون ولدها لبقاء الملك ، ولا تفرقة ، ومنعوا المصحف ، وكتب الحديث والفقه ، والعبد المسلم من الكافر ، وكذلك الكراع ، والسلاح من الحربي ; لأن الكافر لا ينبغي أن يمس مصحفا ، ولا هذه الأمور لتوقع الفساد بسببها . ومنع ( ح ) المستعار قياسا على [ ص: 80 ] البيع ، وجوزه ( ش ) معنا ; لأن المعير أذن . والفرق أن البيع يعتمد ما يستقر فيه الملك ، ولا استقرار في المعار بخلاف الرهن ، وأن مقصوده الترفق . قال الطرطوشي : يجوز رهن ما يفسد من الأطعمة الرطبة ، فإذا خيف عليها بيعت ، وأقيم ثمنها مقامها .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال اللخمي : يرهن الدين ، وحيازته بحيازة ذكر الحق ، والجمع بينه وبين الغريم ، وإن لم يكن ذكر حق ، فالجمع كاف ، ويشهد ، لا يقضيه غريمه حتى يصل المرتهن إلى حقه ، وأنه إن فعل كان متعديا ، ويغرم الدين ; لأنه أتلفه إلا أن يكون حقه أقل . فإن كان الغريم غائبا ، ولا ذكر حق كفى الإشهاد ، وفيه خلاف .

                                                                                                                ويصح رهنك دينا في ذمتك ، وتحوزه من نفسك لنفسك ، ولا يدفع إليك ذكر الحق ; لأنه يخشى أن يجحده ، وإن بعته بثمن مؤجل ، وأرهنت دينا ، وأجلهما سواء ؛ جاز البيع ، وكذلك إن كان حلول الأخير قبل ، فإن وفى الراهن ، وإلا بيع الدين عليه إلا أن يكون طعاما من سلم ، وهو حر ; لأنه بيع الطعام قبل قبضه ، فإن كان يحل أجله قبل ، وشرط بقاءه لحلول الدين الآخر امتنع ; لأنه بيع وسلف ، وإن شرط إيقافه عند عدل جاز ، وإن سكتا عن إخراجه وإيقافه جاز .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجوز المشاع مطلقا انقسم أم لا ، وقاله ( ش ) ، وابن حنبل ، ومنعه ( ح ) من الشريك ، وغيره ، ومدرك المسألة أن دوام اليد هل هي ليست شرطا - قاله ( ش ) - فلا يضر رجوع المشترك للشريك ، أو هو شرط ، فهل يضر كأخذ الشريك العين المشتركة في نوبته ؟ قاله ( ح ) ، أو لا يضر ; لأنه يجوز الجميع إن رهن عند الشريك ، ويحل محله إن رهن عند غيره . قاله مالك .

                                                                                                                لنا : عموم الآية في المشاع وغيره .

                                                                                                                فإن قيل : قوله تعالى : ( فرهان ) نكرة في سياق الثبوت فلا تعم .

                                                                                                                [ ص: 81 ] قلت : سؤال صحيح لكن نعني بالعموم أنه لا فارق بين المشاع وغيره إلا الإشاعة ، وهي لا تصلح فارقا لتصور القبض بما ذكرناه ، وقياسا على البيع ، أما التمسك بالعموم الوضعي فلا يصح ; لأن حق المرتهن لا يزيد في العين على الحق المالك ، فكما لا تنافي الإشاعة الملك لا تنافي الرهن بطريق الأولى ، ولأنهم وافقوا على رهن الجميع من اثنين في عقد ، فيجوز في عقدين كعينين .

                                                                                                                احتجوا بالقياس على النكاح ، فإنه لا يصح زواج امرأة دون جزئها ، ولأن مقصود الرهن التوثق بدوام اليد ، والإشاعة تمنع ، فإن المهايأة مستحقة عندنا بالإجازة من الحاكم عليها عندنا ، وعندكم بأن يبدأ صاحبها ، فتزول اليد ، فلا يصح كما لو شرطه يوما رهنا ، ويوما لا ، أو نقول هو غير متميز ، فلا يصح كما إذا رهنه أحد العبدين ، ولأن عقود الرفق تفسدها الإشاعة كالقرض ، والقراض ، وقياسا على الكفالة بجامع التوثق ، والجواب عن الأول : أن مقصود النكاح الحل ، والإشاعة تنافيه ، ولا تنافي التوثق الذي هو مقصود الرهن ; لأن زواج امرأة لرجلين باطل بخلاف رهن عبد عند اثنين ، وعن الثاني : أن اليد مستمرة عندنا بمنع الراهن رهن من وضع يده على الجميع ، وعن الثالث : أن الفرق تعذر البيع عند حلول الدين في أحد العبدين ، وقبول المشاع له ، وعن الرابع : الفرق بتعذر المطالبة ، ولا يتعذر البيع .

                                                                                                                فإن قالوا : بل نقيس على الكفالة بنصف البدن .

                                                                                                                قلنا : تصح الكفالة . قال الطرطوشي : لو تكفل اثنان بواحد ، وليس أحدهما كفيلا للآخر ، فأحضره أحدهما لم يبرأ الآخر .

                                                                                                                تفريع : قال في الكتاب : يقبض المرتهن الجميع ، ويحل محل الراهن ، ويجوز أن يضعاه على يدي الشريك ، فإن أراد الشريك البيع قاسمه الراهن ، وهو في يد المرتهن ، فإن غاب الراهن قسم الإمام عنه ; لأن له الولاية في أموال الغيب . قال التونسي : إذا ارتفعت يد الراهن ، وصارت يد المرتهن مع الشريك صح الحوز ، وقال أشهب : ما ينتقل كالعبد لا بد أن يكون بيد المرتهن كله ، أو على يد [ ص: 82 ] الشريك ، أو غيرهما . بخلاف ما لا ينتقل لعسر حوزه . ومنع أشهب رهن المشاع إلا بإذن الشريك خوفا من أن يدعوه إلى بيع الجميع . فإن كانت الدار كلها للراهن ، فقيل : يمنع حتى يقبض المرتهن الجميع ، أو يكون على يد عدل تحقيقا للحوز ، وقيل : تكون يد المرتهن مع الراهن كما يقبض في البيع .

                                                                                                                وقال أشهب : إذا رهنت نصيبك من الدار ، وجعلته على يد الشريك ، ورهن الآخر نصيبه ، وجعله على يد الشريك الراهن بطل رهنهما لرجوع أيديهما على الدار . ولو جعل الثاني نصيبه على يد أجنبي بطل نصيب الذي بقيت يده على الدار . وعلى القول الثاني : يتم نصيبه لحوز أجنبي معه . وعلى هذا إذا رهن أحدهما نصيبه ثم أكرى نصيب شريكه ، فإن بقيت يده مع المرتهن بطل الرهن ، ولكن يقاسمه ، ويكون ما أكرى على يد الحائز . وعن ابن القاسم إن ارتهن الدار ، فأكراها من رجل بإذن الراهن ، فأكراها المكتري من الراهن ، فإن كان المكتري من ناحية رب الدار فسد الكراء والرهن ، أو أجنبيا صح كما تقدم حوزه للرهن ، وهو مغلوب على رده ليد صاحبه كالعبد إذا أبق بعد الحوز ، فأخذه الراهن . واختلف في رهن ما أكري هل تصح حيازته أم لا ؟ وفي المدونة : إذا شرط الانتفاع بالرهن لا يبطل الحوز مع أنه مكتر لكنه في عقد واحد فيصح في عقدين . قال صاحب المنتقى : قال أشهب : لا يجوز رهن المشاع في المنتقل إلا بإذن الشريك كالثوب ، والسلف ، وكل ما لا ينقسم ; لأنه يمنع صاحبه بيع نصيبه ، فإن لم يأذن انتقض الرهن ، فإن أذن فلا رجوع ولا بيع إلا بشرط بقاء الجميع بيد المرتهن ، ولا يفسد بذلك البيع ، وإن بعد الأجل ; لأنه يقدر على تسليمه كالثوب الغائب إذا بيع على الصفة . قال : وما قاله من أن الرهن لا يمنع من بيع الشريك نصيبه بأن يفرده بالبيع ، أو يدعوه الراهن إلى البيع معه .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجلاب : يجوز رهن غير المعين ، وهو أحد قولي ( ش ) .

                                                                                                                لنا : القياس على اشتراط الشهود ، وله القياس على الأجل والثمن بجامع [ ص: 83 ] اختلاف الأغراض . والفرق أن الأجل راجع إلى الثمن ، وهو ركن ، والجهل بالركن مفسد ، والراهن أجنبي كالشاهد ، فإلحاقه به أولى .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : يجوز تمر النخل قبل بدو صلاحها إن حيزت ، ويتولى الحائز السقي ، والعمل وأجرة السقي على الراهن كنفقة الدابة ، وكسوة العبد ، وكفنه إن مات . وللمرتهن أخذ النخل معهما وقبض الأرض مع الزرع ليتم الحوز ، ولا يكون رهنا عند قيام الغرماء إلا الثمرة ، والزرع . وتردد ( ش ) فيهما لتعذر البيع في الحال ، أو خفة الغرر لرجوعه للتوثق دون الحق بخلاف البيع يرجع الغرر إلى نفس المقصود الأعظم .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                قال في الكتاب : حمل الأمة ، وما تلده بعد ، ونتاج الحيوان يدخل في الرهن بخلاف ما في النخل من تمر أبر أم لا إلا أن يندرج لاندراج الولد في البيع دون التمرة . وكذلك غلة الدور ، والعبيد للراهن إلا أن يشترطها المرتهن ، وكذا صوف الغنم ، ولبنها إلا لحمل نباته يوم العقد . ومال العبد لا يتبعه كالبيع إلا أن يشترطه فيندرج ، وإن كان مجهولا . وما وهب للعبد كماله موقوف بيده إلا أن ينزعه سيده . ووافقنا ( ح ) ، وخالفنا ( ش ) ، وابن حنبل في النماء المتميز ، ووافق في السمن . احتج بقوله عليه السلام : " له غنمه ، وعليه غرمه " الحديث ، وبقوله عليه السلام : " الرهن محلوب ، ومركوب " ، ومعناه للراهن ; لأن المرتهن لا يحل له الانتفاع بالرهن ، ولأنه الأصل عدم تناول العقد لذلك .

                                                                                                                والجواب عن الأول : أن الشيء إذا أضيف باللام لمن يقبل الملك كان معناه الإخبار عن الملك ، ولذلك قلتم إن الزكاة ملك للأصناف الثمانية فيفيد الحديث أنه ملك للغنم ، ونحن نقول به ، وعن الثاني : بأن اللبن ، والركوب لا يندرجان عندنا إنما يندرج ما تبقى عنه مما تقدم ، فنقول به . [ ص: 84 ] وعن الثالث : أن الدليل دل على مخالفة الأصل ، وهو القياس على البيع ، والكتابة ، والاستيلاد ، والأضحية بأن الولد يتبع .

                                                                                                                تنبيه : هذه العقود المتقدمة انتقل فيها الملك في الأصل ، فقوي الاستتباع ، وثم عقود لا تستتبع لعدم نقل الملك ، فلهم القياس عليها كالإجارة ، والجعالة ، والقراض . والرهن لم يزل الملك فيه فيكون قياسهم أولى .

                                                                                                                تفريع : في الكتاب : لم يجعل الثمر إذا حمل مع الرهن ، وجعل الصوف الكامل ; لأن كامل الثمر للبائع ، وكامل الصوف للمشتري ، والثمرة تكونت بنفقة البائع ، وعمله بخلاف الصوف . وقيل : يلحق الثمر اليابس بالصوف التام ; لأنه إنما فرق بينهما ; لأن الثمر يترك ليزداد طيبا ، والصوف كمل ، فلما سكت عنه تبع . فإذا يبس الثمر ، وسكت عنه تبع كسلعة مع الرهن . قال التونسي : لم يجيزوا رهن الولد دون أمه وهي حامل بخلاف ما لم يؤبر من الثمار ، ولا فرق . وأجاز ابن ميسر رهن الأجنة كرهن ما يأتي من الغلة . قال ابن يونس : قال محمد : لو شرط أن ما تلد ليس برهن امتنع ; لأنه شرط على خلاف مقتضى العقد . ويجوز رهنها دون ولدها الصغير ، وتباع معه ، وهو أولى بحصتها ، وهو في الفاضل أسوة الغرماء .

                                                                                                                وفي المجموعة : يجوز رهن مال العبد دونه فيكون له معلومه ومجهوله يوم الرهن إن قبضه لجواز الغرر في الرهن . وما وهب للعبد لا يتبعه بخلاف ما ربحه في ماله المشترط ; لأن الهبة ملك أجنبي كما يدخل في الوصايا ربح ما علم قبل الموت وبعده دون ما لم يعلم به ، وقيل : الموهوب له كماله ؛ كما إذا بيع بالخيار واشترط ماله ؛ اندرج ما وهب له ، أو تصدق به عليه ، أو أوصى به في أيام الخيار .

                                                                                                                وقال أشهب : إن ارتهن نصيبك من رقبة بئر ، فغلة البئر لك ، أو من الماء ، فالغلة له ، وله أخذها من الحق إن كان قرضا ، وإن كان إلى أجل . وأما من بيع ، فليكن ذلك بيد من كان الرهن بيده إلى الأجل سدا للذريعة أن يبايعك على أن يأخذ حقه من الماء بجهالة آجاله . قال اللخمي : إن زرع الزرع بعد العقد ، فهو غلة ، أو قبله وبرز لم يدخل إلا بشرط لاستقلاله ، أو فيه ولم يبرز دخل في الرهن إن قام بالبيع [ ص: 85 ] قبل بروزه ، ويختلف إذا برز قبل البيع هل يدخل في الرهن . والصوف الحادث بعد الرهن غلة إذا جز قبل بيع الرهن ، ويختلف إذا قام بالبيع قبل جزازه هل هو غلة ، أو حين يغسل ، أو حين يجز ؟ قال صاحب شرح الجلاب : يجوز رهن المجهول ما لم يكن في أصل عقد البيع لترك البائع جزءا من الثمن لأجله . وفي شرح الجلاب : إذا كمل نبات الصوف . قال ابن القاسم : يدخل في الرهن ، وقال أشهب : لا كاللبن في الضرع .

                                                                                                                نظائر : يجوز الغرر في أربع مسائل : الرهن عند ابن القاسم ، وكره الجنين في المدونة ، وأجازه مالك ، والهبة ، والخلع عند ابن القاسم ، وقيل مكروه ، وقيل يفسخ وترجع إلى خلع مثلها ، والصلح .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الجواهر : يجوز رهن غلة الدار ، والغلام ، ورهن الأم دون ولدها ، ويباع الصغير معها ، والمرتهن أولى بحصتها من الثمن ، ورهنه دونها ، وتكون مع الصغير عند المرتهن ليتم رهنه ، وقيل : لا يرهن حتى يبلغ حد التفرقة إلا مع أمه قياسا على البيع ; لأنه حوز مفترق . ويجوز رهن المدبر ، ويستوفى الدين من خراجه ، وإن تأخر الوفاء على موت السيد بيع في الدين كله ، أو بعضه . قال صاحب البيان : قال مالك : لا يرهن الولد دون أمه كالبيع إن فرق بينهما في الحوز بشرط ، ويفسخ الرهن بخلاف الهبة ، والصدقة ; لأنه معروف ، وكره رهنه بشرط جمعهما في حوز ; لأن المرتهن كأنه مالك لما كان أحق من الغرماء ، أو لا ; لأنه لا يباع إلا مع أمه ، فلا يدري المرتهن ما يخصه ، فهو كرهن الغرر ، وهو مختلف فيه ، فإن سكتا عن الاشتراطين جبر على الجمع بينهما . وهذا تفصيل ما تقدم مجملا لصاحب الجواهر .

                                                                                                                فرع

                                                                                                                في الكتاب : إذا ارتهنت ما قيمته مائة على خمسين لم يجز رهن الفضلة لغيرك إلا بإذنك ، فتكون حائزا للمرتهن الثاني ، فإن هلك ما يغاب عليه بعد ارتهان الثاني [ ص: 86 ] ضمنت مبلغ دينك ، وكنت أمينا في الباقي ; لأنك وكيل للثاني ، والوكيل أمين . ويرجع المرتهن الثاني بدينه ; لأن فضلة الرهن على يد عدل . قال ابن يونس : إنما يصح ألا يضمن الأول الفضلة إذا أحضر الثوب وقت ارتهان الثاني أو علم بالبينة وجوده حينئذ ، وإلا ضمن الجميع لاحتمال تلفه قبل ذلك . وقال أشهب : ضمانه كله من الأول كما لو كان بيد الثاني وغيره المبدأ عليه ، فضاع لم يضمنه ; لأنه رهن الأول وإنما لهذا فضلة إن كانت . وأما لو رهنته لرجلين ، فكان على يد أحدهما لم يضمن الذي هو على يديه إلا نصيبه ، وعن مالك : لا يصح رهن الثاني حتى يحوزه له غير الأول ; لأنه حاز لنفسه ، فلا يحوز لغيره . قال أصبغ : لو جعله بيد غير المرتهن جاز رهن الفضل للثاني ، وإن كره الأول إذا علم بذلك الموضوع على يديه لتتم حيازته لهما إذ لا ضرر على الأول إذ هو مبدأ . قال ابن حبيب : إنما اشترط مالك رضاه ليحوز للثاني ، فإذا لم يرض لم يقع حوز . ولو كان دين الأول لسنة ثم رهن فضلته في آخر أشهر على أن الأول مبدأ ، فحل الآخر قبل الأول قال مالك : إن لم يعلم الآخر أجل الأول بيع الرهن ، وعجل للأول حقه كله قبل محله ، ويعطي الثاني ما فضل في دينه . قال محمد : وهذا إن بيع بعين ، أو بما يقضى بمثله ، وحق الأول مثله ، فأما بعرض ، والدين مثله ، أو بدنانير ، والدين دراهم ، أو بطعام مخالف لما عليه فيوضع له رهن إلى حلول حقه . وقال في المجموعة : علم الأول أن حق الثاني يحل قبله أم لا ، فإنه إن بيع بمثل حقه عجل له لتقدم حقه . وعنه أيضا : إلا أن يكون حقه طعاما من بيع فيأبى أن يتعجله ، فذلك له . وعن ابن القاسم : إن حل أجل الثاني وليس فيه فضلة لم يدفع إلا إلى أجل الأول أو فيه فضل بيع الآن ، وعجل للأول حقه ، وأخذ الثاني ما فضل . قال محمد : ومن رهن ، واشترط للراهن فيه مائة مبدأة فيموت الراهن ، أو يفلس يبدأ الغرماء بتلك المائة ، وقال ابن القاسم : يمتنع هذا الرهن لمخالفته قاعدة الرهون بتبدئة الراهن إذ القاعدة تبدئة المرتهن .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية