الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 38 ] فروع ثمانية

                                                                                                                الأول : قال في الكتاب فيمن أغمي عليه بعد الفجر حتى طلعت الشمس : لا يقضي الصبح خلافا ( ش ) فتمهد الوقت الذي يقتضي طريان العذر فيه سقوط الصلاة فعندنا وقت الأداء ، وعند أبي حنيفة وقت الاختيار ، وعند معظم الشافعية إذا مضى من الوقت قدر فعل الصلاة ، ثم طرأ العذر بعده سقطت .

                                                                                                                قاعدة

                                                                                                                المعينات لا تثبت في الذمم ، وما في الذمم لا يكون معينا ، كان ما في الذمم يخرج عن عهدته بأي فرد شاء من نوعه ، والمعين لا يقبل البدل فالجمع بينهما محال وهذه القاعدة يظهر أثرها في المعاملات وهاهنا أيضا ; لأن الأداء معين بوقته فلا يكون في الذمة ، والقضاء ليس له وقت معين يتعين حكمه بخروجه فهو في الذمة ، والقاعدة : أن من شروط الانتقال إلى الذمة تعذر العين كالزكاة مثلا ما دامت معينة بوجود نصابها لا تكون في الذمة ، وإذا تلف النصاب بعذر لا يضمن فكذلك إذا تعذر الأداء بعذر لا يجب القضاء ولا يعتبر في القضاء التمكن من الإيقاع أول الوقت كما لا يعتبر في ضمان الزكاة تأخر الجابي في الزرع والثمرة بعد وقت الوجوب ، وكما لو باع صاعا من صبرة وتمكن من كيله ، ثم تلفت الصبرة من غير البائع ; فإنه لا يخاطب بالتوفية ولهذا أجمعنا في حق المسافر يقدم أو المقيم يسافر على اعتبار آخر الوقت .

                                                                                                                [ ص: 39 ] الثاني : قال في الكتاب إذا أغمي عليه في الصبح حتى طلعت الشمس ، لا إعادة عليه فأسقط الإعادة قياسا على الحائط وكذلك الشافعي ، وقال ابن الماجشون في المجموعة : لا يقضي ما خرج وقته إذا كان الإغماء متصلا بمرض قبله أو بعده ، فأما الصحيح يغمى عليه في الصلاة الواحدة فيقضيها ، وقال أبو حنيفة : يقضي الخمس فما دونهن دون ما زاد محتجا بأن عمارا أغمي عليه يوما وليلة قضاها ، وأن ابن عمر أغمي عليه الأيام فلم يقضها ، وأوجب ابن حنبل الإعادة مطلقا قياسا على النائم والسكران . قال صاحب الطراز : اتفقت الأمة على أن من بلغ مطبقا أنه لا يقضي شيئا .

                                                                                                                تمهيد : القضاء على الصحيح إنما يجب بأمر جديد غير أمر الأداء ولم يوجد نص في صورة النزاع ; لأنه إنما ورد في النوم والنسيان ، فقياسنا معضود بالبراءة الأصلية وقياس الحنابلة مدفوع بفارق أن النوم والسكر مكتسبان ، فلو أثر في السقوط لكان ذلك ذريعة للتعطيل وأما تفرقة الحنفية فهي خلاف الأصول ، فإن الأصل أن ما يسقط يسقط مطلقا كالحيض ، وما لا يسقط لا يسقط مطلقا كالنوم . الثالث : قال في الكتاب : وقت الظهر والعصر في الإغماء مغيب الشمس ، والمغرب والعشاء الليل كله . قال صاحب الطراز : لا يختلف أصحابنا أن الأخيرة [ ص: 40 ] تتعين إذا ضاق الوقت عنهما ، وتسقط الأولى ، فإن زاحم العصر غير الظهر كصلاة منسية فالوقت للمنسية عند ابن القاسم ، وتسقط الحاضرة ، وعند أصبغ يصليهما ، ولابن القاسم فيها تردد والذي رجع إليه الأول ; لأن الوقت استحقته المنسية فلم يبق للحاضرة شيء ، ووجه القول الآخر أنها أدركت وقتها لقوله عليه السلام : من أدرك ركعة قبل غروب الشمس فقد أدرك العصر ، وكذلك لو طهرت قبل الفجر بأربع ركعات فلمالك في المجموعة : أنها تصليهما وعليه أكثر الأصحاب ، وعند ابن الماجشون تسقط المغرب ، فكذلك الخلاف في المسافرة تطهر قبل الفجر بثلاث .

                                                                                                                الرابع : قال ابن أبي زيد في النوادر : لم يختلف في الحائض أنه يشترط لها وقت الطهارة غير ما يدرك به الصلاة ، وفي المغمى عليه قولان عند ابن القاسم ، أحدهما : يشترط كالحائض بجامع العذر ، والثاني : لا يشترط ; لأن المانع من خطابه زوال العقل ، وقد عقل وفرق ابن القاسم في العتبية بين الكافر والحائض بأنه مخاطب بالفروع بخلافها ، ولأن المانع من قبله بخلافها ، وسوى بينهما سحنون في كتاب ابنه والقاضي في تلقينه ; لأن الإسلام يناسب عدم التغليظ وفي الجواهر لا يعتبر وقت الطهارة في أرباب الأعذار على الإطلاق عند سحنون وأصبغ ، وعند ابن القاسم يعتبر في الجميع إلا الكافر ، واستثنى ابن حبيب معه المغمى عليه ، وأجرى بعض المتأخرين الخلاف في الجميع قال : ومنشأ الخلاف هل الطهارة شرط في الوجوب أو في الأداء ؟ وفيه نظر ; لأن شرط الوجوب لا يجب تحصيله على المكلف كالإقامة في الصوم لإتمام ، وإنما تجب شروط الأداء ; لأجل تقرر الوجوب المتوقف عليها والطهارة تجب إجماعا فلا تكون شرطا في الوجوب على قول ، وألزم اللخمي التيمم لمن يقول بعدم اشتراط الطهارة [ ص: 41 ] إذا عدم الماء وهو متجه ، وإذا قلنا باشتراط الطهارة على المشهور إلا الكافر فقال صاحب التلقين : يضاف للطهارة ستر العورة وغيره مما تتوقف الصلاة عليه .

                                                                                                                الخامس : لو طرأ عائق بعد وقت الطهارة كالحدث قال ابن القاسم في العتبية : تقضي الحائض ، والمغمى عليه ما لزمهما أما لو علما بعد الطهارة وقبل الصلاة أن الماء الذي تطهرا به نجس فإن المعتبر ما بعد الطهر الثاني ، قال في الموازية : وإن لم يعلما حتى صليا ، وغربت الشمس لا شيء عليهما ، وسوى بينهما سحنون في كتاب ابنه ، وقال ابن القاسم في الموازية : التسوية بين الماء ، والحدث ، ورأى طريان العذر كاستمراره بجامع عدم التمكن ، ورأى سحنون أن بالطهر تعلق الخطاب ، وأما تفرقة ابن القاسم فلأن الحدث لا يمنع وجوب الصلاة ، ونجاسة الماء تخلي حدث الحيض على حاله وهو مانع من الوجوب وهذا الفرق ينقدح في الحائض خاصة مع تعميم الحكم فيهما .

                                                                                                                السادس : إذا قدرت على أكثر من أربع ركعات فأحرمت بالظهر ، ثم تبين خطؤها فإن كانت صلت ركعة شفعتها إن كانت تدرك ركعة قبل الغروب وإلا قطعت ، فإن لم يتبين لها ذلك إلا بعد الغروب قال ابن القاسم في العتبية : إن كان بعد ركعة شفعتها وسلمت ، وإن كان بعد ثلاث كملتها وهي نافلة ، ثم تصلي العصر وقال أصبغ في الموازية : لو قطعت في الموضعين لكان واسعا ولو عكست فقدرت الوقت للعصر فقط وصلتها ، ثم تبين خلافه ، قال مالك في [ ص: 42 ] الموازية : تصلي الظهر والعصر كما وجبا ، وقال ابن القاسم : لا تعيد العصر ، وقال أشهب في العتبية : تصلي الظهر فقط إلا إن بقي بعد قدر ركعة فأكثر وصح تقديرها للصلاتين لكن بدأت بالعصر ناسية ففي الجواهر : تصلي الظهر ; لإدراكها وقتها ، وتؤمر بإعادة العصر ; لوقوعها في الزمان المختص بالظهر كمن أوقع العصر قبل الزوال ، وقيل لا تجب الإعادة ; لأنها إنما تجب لأجل المنسية في الوقت . السابع : في الجواهر حكم الصبي حكم الحائض في جميع ما تقدم ، فلو احتلم بعدما صلى وجبت الإعادة عندنا وعند أبي حنيفة ، خلافا ( ش ) متمسكا بأن الزوال سبب في الشرع لصلاة واحدة إجماعا لما نقل في حق الصبي أو فرض في حق البالغ ، وقد أوقع صلاة فلا تجب أخرى وإلا للزم أن يكون الزوال سببا لصلاتين والمقرر خلافه ، وفي الجواهر قيل : بنفي الإعادة ، وكذلك الخلاف لو بلغ بعد الظهر وقبل الجمعة . لنا أن المتقدم منه نفل وآخر الوقت هو المعتبر كما تقدم ، وهو مقتضى الوجوب والنفل لا يجزئ عن الواجب .

                                                                                                                الثامن : إذا ذهب عقله بدواء قال صاحب الطراز : قال بعض الشفعوية : إن لم يكن الغالب إزالته للعقل أسقط الغرض ، وإن كان لم يسقط قال : ويحتمل أن يقال : لا يسقط مطلقا كما لو شرب مسكرا لا يعلم أنه مسكر ولأن الصلاة واجبة إجماعا وحيث أجمعنا على السقوط فيعذر من غير صنعه ، وهاهنا ليس كذلك .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية