الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                فصل في الرعاف : ففيه ثلاثة عشر فرعا ، الأول في اشتقاقه وهو مأخوذ من الرعاف الذي هو السبق فقول العرب فرس راعف إذا كان يتقدم الخيل ، ورعف فلان الخيل إذا تقدمها ، وقال رعف يرعف بفتح العين في الماضي وضم المستقبل وفتحه والشاذ الضم فيهما ، ولما كان الدم يسبق إلى الأنف سمي رعافا . الثاني قال اللخمي : الدم في الرعاف أربعة أقسام : يسير يذهبه الفتل ففي الجواهر يستوي فيه الظن والشك فإنه يفتله ، وكثير لا يذهبه الفتل ولا يرجى انقطاعه لعادة تقدمت فهذان لا يخرج لهما من الصلاة يفتل الأول على رءوس الأنامل ، ويكف الآخر ما استطاع ، وكثير يذهبه الفتل ; لثخانته ففيه قولان ، فكان ابن الماجشون يمسحه بأصابعه حتى تختضب فيغمسها في حصباء المسجد ويردها ، وقال مالك : لا أحب ذلك فراعى مالك قدر النجاسة [ ص: 82 ] وتفاحشها ، وراعى عبد الملك المواضع دون القدر . وكثير يذهبه الفتل فهذا يخرج لغسله ويبني على صلاته بعد الغسل إن شاء ، والأحسن أن يتكلم ويخرج من الصلاة ; فإنها رخصة على خلاف الأصول غير لازمة ، وإذا خرج فله شروط ستة : أن يمسك أنفه ، وأن يغسل في أقرب المواضع ، وأن لا يمشي على نجاسة ، وأن لا يتكلم عمدا ولا سهوا ، وأن لا يتلطخ كثير من جسده أو ثيابه ، وأن لا يبعد المكان جدا ، ولا يشترط استقبال القبلة قاله اللخمي وصاحب الطراز ، ووافقنا الشافعي وقال أبو حنيفة : تبطل طهارته ويتوضأ ، ويبني بناء على أن الخارج النجس يبطل الوضوء . وقد تقدم الكلام عنه ، لنا ما يروى عن ابن عباس وابن عمر وابن المسيب وجماعة من التابعين ، من غير نكير فكان إجماعا وهو مذكور في الموطأ أيضا مثل هذا في مخالفة الأصول لا يقدم السلف عليه إلا بتوقيف ظاهر ، فإن كان تكلم لما خرج قال في الكتاب : إذا تكلم الإمام حين خروجه بطلت صلاته ، قال صاحب الطراز : تبطل عند ابن الماجشون عمدا أو سهوا ، إماما أو منفردا ، وقال سحنون : إذا تكلم سهوا في غسل الدم ، والمستخلف لم يفرغ من صلاته ، حمله عند خليفته ، وفي كتاب ابن سحنون : إذا تكلم الراعف قبل فراغ الإمام حمله الإمام عنه قال ابن حبيب : إن تكلم في ذهابه ناسيا بطلت ، وإن تكلم في رجوعه لم تبطل ، وجه البطلان مطلقا انسلاخه من هيئة المصلين بالرعاف والكلام وقد جاء في الحديث إن كان مطعونا عليه من إصابة قيء أو رعاف فلينصرف ، وليتوضأ وليبن ، ما لم يتكلم .

                                                                                                                [ ص: 83 ] ورأى ابن حبيب أن حالة الرجوع إقبال على الصلاة فيكون الكلام منافيا لها ، بخلاف الذهاب . ويرد عليه أن الإمام لو سها - والمأموم راجع - فوجد الإمام قد سلم لم يلزمه سهوه قاله صاحب الطراز ، وقال ابن يونس : لو أبطل الإمام صلاته عمدا حالة خروج المأموم بطلت عليه خلافا لسحنون ، ولو مشى على عشب يابس بطلت صلاته عند سحنون ، خلافا لابن عبدوس وقد جاء في الحديث أنه عليه السلام قال : إذا جاء أحدكم المسجد فإن كان ليلا فليدلك نعله ، وإن كان نهارا فلينظر إلى أسفلها . فدل ذلك على المسامحة في الرطب إذا دلك فضلا عن العشب وقد تقدم في الطهارة معنى العشب ولم يفرق ، وأما في الجواهر فقد حكي في الكلام سهوا والمشي على النجاسة ثلاثة أقوال : تبطل مطلقا ، لا تبطل مطلقا ، التفرقة بين الرجوع فتبطل ، وبين الذهاب فلا تبطل ، ولم يعين لا إماما ولا غيره ، وكذلك أبو الطاهر .

                                                                                                                تفريع

                                                                                                                فإن آثر الراعف ابتداء الصلاة من أولها فليأت بما ينافيها لئلا يكون قد زاد في الصلاة ما ليس منها ، وقال ابن القاسم في المجموعة : فإن ابتدأها ، ولم يقطعها فسدت وإن آثر التمادي حيث قلنا له الخروج فإن وقف الدم فتله [ ص: 84 ] على أنامله ، فإن زاد قال مالك في الموازية : يفتله على أربع أصابع إلى الأنملة فإن وصل إلى الوسطى أعاد صلاته احتياطا ، قال صاحب النكت إذا زاد على الأنامل الأول وابتلت الأصابع كلها أو جلها لا يباح له البناء ، قال صاحب الطراز : هذا التحديد عسير بل يقال ما لا يزيد على رءوس الأنامل لا يجب أن ينصرف منه ; لأنها حالة السلف وهو يقدر على أن يفتله بإبهامه ، فإن عسر فتله وجب الانصراف ، فإن لم ينصرف فسدت الصلاة قال : وهذا الفتل إنما شرع في مسجد محصب غير مفروش حتى ينزل المفتول في ذلك الحصباء ، أما المفروش فيخرج من أول ما يسيل أو يقطر أحسن ; لأنه ينجس الموضع وحيث قلنا لا يخرج لكون الدم لا ينقطع بغسل ولا غيره فأضر به الدم ، قال صاحب الطراز : قال مالك يوصي بالصلاة ، وكان ابن المسيب يأمر بذلك في هذه الحالة ، واختلف في تفسير الضرر الذي أشار إليه فقال محمد بن مسلمة : معناه في جسمه كالأرمد إذا سجد يتضرر رأسه ووجهه وكذلك هذا ، ولأن المواد تنصب إلى الوجه والأنف حالة الركوع والسجود فتكثر الدماء فيضربه الاستفراغ ، وقال غيره : بل معناه يتضرر بالتلويث كما قلنا في الطين الخضخاض يصلي فيه إيماء ; ليسلم من التلويث ، والدم أقبح من الطين قال : والأول أقيس ، فإن العجز عن إزالة النجاسة لا يسقط وجوب الركوع والسجود كما قلنا في العجز عن السترة في العراة ، والفرق بين الدم والطين : أن الطين يدخل في العينين والأنف فيشغل عن [ ص: 85 ] الصلاة ، وإذا قلنا بالإيماء فقال ابن حبيب : يومئ للركوع والسجود ويقوم ويقعد ، وقال القاضي في المعونة : يومئ للسجود ويأتي بالقيام والركوع قال : وهو أطهر ، وإذا صلى بإيماء انقطع الدم بعد الصلاة وقبل خروج الوقت ، قال أعاد عند أشهب قال : ويتخرج فيه قول أنه لا يعيد . الثالث قال في الكتاب : إذا رعف خلف الإمام وذهب لغسل الدم يصلي في أقرب المواضع ، قال ابن القاسم : وذلك إذا سلم الإمام إلا في الجمعة فإنه يرجع إلى المسجد ، قال صاحب الطراز : الرعاف على خلاف الأصل فيقتصر منه على الضرورة ، وقول ابن القاسم يقتضي الرجوع ولو أدرك الإمام في التشهد لأجل فضيلة الجماعة التي التزمها في صلاته ، وقال ابن شعبان : إن رجا ركعة رجع وإلا فلا ; لأن أقل من ذلك نافلة زائدة على الصلاة ، ولا ضرورة إليها ، قال : فلو كانت صلاته في المسجد الحرام أو في مسجد المدينة رجع إليه ولو سلم الإمام لفضيلة البقعة عند مالك ، وعلى قول ابن شعبان لا يرجع ، فإن قدر انصراف الإمام فأتم مكانه وتبين خطؤه ، قال ابن القاسم : تجزيه ; لأنه عمل ما يجوز له من الاجتهاد ، ولذلك يلزم إذا قدر بقاءه فأخطأ .

                                                                                                                تنبيه

                                                                                                                تعارض هاهنا محذوران : أحدهما أن مفارقة الإمام بعد التزام الصلاة معه لا تجوز ، والثاني الحركات إلى الإمام فعل زائد في الصلاة لا يجوز ولا بد [ ص: 86 ] للراعف من أحدهما بعد مفارقة الإمام فيحتاج إلى الخروج ، فالمشهور مراعاة الأول ووجوب الرجوع لوجوه ، أحدها : أن وجوب الاقتداء راجح بالاستصحاب ; لثبوته قبل الرعاف ، بخلاف الآخر ، وثانيها أن الزيادة إنما تمنع وتفسد إذا كانت خالية من القربة ، وهذه وسيلة للقربة في الاقتداء فتكون قربة ، وثالثها أن هذه حالة ضرورة فتؤثر في عدم اعتبار الحركات ، ولا تؤثر في ترك الاقتداء كما في صلاة الخوف فإن الرجوع جوزته الزيادة في صلاة الإمام بطول الانتظار ; لأجل الاقتداء الذي لم يجب فكيف إذا وجب ، وأما الجمعة فإنه يرجع إلى الجامع ولو علم انصراف الناس على ما في الكتاب ; لأن الجامع من جملة شروطها فلا تصح دونه قال صاحب الطراز : قال ابن شعبان : إذا انصرف الناس أتم الجمعة في أدنى موضع يصلي فيه بصلاة الإمام ; لأنه لو صلى ، ثم أحدث صحت صلاته ، ولأن المسجد إنما يجب عند استكمال الشروط وقد فاتت الجماعة والإمام فلا يجب الجامع ، ولأنه لو أدرك أحد ثمة ركعة وهو مسبوق لأتمها ثمة منفردا ، وكذلك الراعف ، وابن القاسم يرى أن الأصل استقلال كل شرط بنفسه وأن صلاة المنفرد عن الجامع إنما تصح ، لأجل اتصاله بالصفوف فهي ضرورة منفية هاهنا ، وإذا فرعنا على المشهور فحال بينه وبينه سيل يضيف إليها أخرى ، ثم يصلي أربعا وهو يجري على أصل ابن القاسم فيمن نسي سجدة من أربع ركعات لا يدري من أيتها هي فيضيف إليها أخرى ، مراعاة لقول ابن شعبان ويعيد أربعا ; لعدم شرط الجمعة وهو المسجد فإن أتم في الجامع ، ثم ذكر أن عليه سجدتي سهو ، قال مالك : اللتان قبل السلام لا يسجدهما إلا في الجامع ، قال محمد : وإن [ ص: 87 ] سجدهما في غيره لم يجزياه ; لأنهما من نفس الجمعة .

                                                                                                                الرابع : قال في الكتاب : إذا رعف في الجمعة بعد ركعة بسجدتيها ، ثم رجع فوجد الإمام جالسا جلس معه وسلم ، ثم قضى ; لأنه مأموم يجب عليه الاتباع ، والقضاء لا يكون إلا بعد سلام الإمام ، وإذا لم يتم الأولى بسجدتيها ولم يرجع حتى فرغ الإمام ابتدأ ظهرا أربعا ، قال صاحب الطراز : وهذا متفق عليه بين أصحابنا بخلاف غير الجمعة ; لأنه لو صلى بها جمعة لصلاها فذا وهو لا يجوز وإذا قلنا يبتدئ الظهر فهل يستأنف الإحرام ثلاثة أقوال : يقطع عند مالك في سائر الصلوات ; لأنه لا يعتد بما بعد الإحرام فلا يدخله في صلاته ، ولا يقطع عند سحنون مطلقا ; لأن إحرامه قد انعقد على فضل الجماعة وهو أعظم من مدرك التشهد الأخير مع الإمام ، وسبق في غيره لا سيما قد يكون قد حضر القراءة أو الركوع ، وهذه قربات لا ينبغي أن تهمل ، وقد نقل ابن حزم الإجماع في أن المسبوق إذا لم يطمع في إدراك جماعة أخرى ولم يبق إلا التشهد فإنه مأمور بالدخول مع الجماعة فيه ، وخيره أشهب لتعارض الأدلة ، فإن فارقه بعد ركعة في الجمعة فلما عاد نسي أم القرآن حتى ركع قال ابن الماجشون : يسجد قبل السلام وتجزئه ، وقيل يبتدئ القراءة ويسجد بعد السلام ، وكذلك الخلاف إذا ذكر بعد سجدة فإن لم يذكر حتى فرغ من تلك الركعة أجزأه عند ابن الماجشون سجدتا السهو ، ويلغي تلك الركعة عند ابن عبد الحكم ويأتي بركعة وسجدة ، وعند ابن القاسم يسجد قبل السلام ويعيد ظهرا أربعا ; لوصول السهو نصف الصلاة فيسجد رجاء الإجزاء على قول من يرى ذلك ويعيد [ ص: 88 ] ظهرا ; لأن الجمعة لا تصح من الفذ . الخامس قال في الكتاب : لا يبني على أقل من ركعة ، ويلغي ما هو أقل منها ولو سجدة كانت الأولى أو غيرها منفردا كان أو مأموما ، قال صاحب الطراز : فيها أربعة أقوال : يلغى أقل من الركعة مطلقا ، ولا يلغي شيئا مطلقا إلا في الجمعة ، وقال أشهب : الابتداء أحب إلي وإن بنى أجزأه ، وقال ابن الماجشون : إن رأى أن الأقل من الركعة في الأولى ألغاه ، وإن كان في الثانية بنى عليه ، وجه المذهب قوله عليه السلام : من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة . وقياسا على أرباب الأعذار في أواخر الأوقات ، وعلى المشهور وجه الثاني أن الرعاف لا يبطل الصلاة ويبني في القليل والكثير ، وامتنع في الجمعة ; لفوات الجماعة والإمام ، اللذين هما شرط . وجه التخيير : تعارض الأدلة ، وجه الفرق : القياس على الناعس مع الإمام فإنه يبني ويلحق الإمام في الثانية ، بخلاف الأولى فإنه يلغيها ، والفرق المشهور بينه وبين الناعس أن منافاة الرعاف للصلاة أشد من النعاس فإنه فيه مفارقة المكان والهيئة ، وإذا قلنا يبني على القليل والكثير ، فرعف وهو راكع أو ساجد رفع وخرج لغسل الدم قال ابن حبيب : يجزئه هذا الرفع ولا يعود إلى ركوعه ولا سجوده .

                                                                                                                قاعدة :

                                                                                                                الموالاة شرط في الصلاة بالإجماع فلا يجوز أن يفرق بين ركعاتها ، ولا بين أجزاء ركعاتها فمن لاحظ أن الرعاف مخل بها سوى بين الركعات وأجزائها ; لأنه لا فرق ، ومن لاحظ أن الركعة الواحدة كالعبادة المستقلة [ ص: 89 ] والصلاة المنفردة ; لأن الشرع قد خصصها بأحكام : إدراك الأوقات ، وفضيلة الجماعات والجهات ، وتحصيل الأداء بإدراكها دون القضاء فصارت أولى بالموالاة في نفسها من جملة الصلاة ، فلا يلزم من إهمال الموالاة في جملة الصلاة إهمالها في الركعة وهو المشهور . السادس قال في الكتاب : إذا فارق الإمام بعد التشهد وقبل السلام فإن رجع ووجد الإمام انصرف قعد وتشهد وسلم ، وإن رعف بعد ما سلم الإمام سلم وأجزت عنه ، قال صاحب الطراز : معناه يرجع إلى طمع في إدراك الإمام والخلاف مع ابن شعبان على ما مر إن كان في جمعة أو في الحرمين ، وقال سحنون : إذا رعف بعد سلام الإمام لا يسلم حتى يغسل الدم إن كان كثيرا ; لأن السلام ركن ، حجة المذهب أن وقوع السلام مع الرعاف أخف من العمل الكثير في الصلاة لإزالة الدم ، قال في الكتاب : ولو فارقه بعد سجدة من الأولى فوجده في ركوع الثانية لا يضيف سجدة لتلك السجدة ، ويلغيها . قال اللخمي : يتخرج على قول أشهب فيمن أدرك الثانية من الجمعة وذكر بعد سلام الإمام أنه نسي سجدة أنه يسجد وتجزيه جمعته أنه يأتي بالسجدة وتجزئه الأولى ، قال صاحب الطراز : وليس كذلك ; لأن الراعف عقد الإمام عليه ركعة فليس له البناء والناعس بخلاف الساهي عن سجدة حتى سلم الإمام فإن السلام عند أشهب ليس في حكم عقد ركعة ، ووافقه المازري على الإنكار . السابع قال في الكتاب : إذا فارقه بعد ركعة من الظهر وعاد إليه في الرابعة يتبعه فيها ولا يقضي ما فاته حتى يفرغ الإمام لما في ذلك من المخالفة ، وقد قال عليه السلام : " فلا تختلفوا عليه " . قال صاحب الطراز : [ ص: 90 ] قوله يقضي ما فاته فإنه يدل على أنه قضاء ، وقال ابن حبيب : يقرأ في الأولى بأم القرآن ، ويقوم في الثانية بأم القرآن وحدها ولا يجلس بينهما ; لأن الأولى ثالثة إمامه ، ويكون بانيا في الفعل قاضيا في القول ، فيجتمع القضاء والبناء هاهنا في ثلاث صور إحداها : تفوته الأولى ويصلي الثانية ، وتفوته بقية الصلاة ، فعند ابن القاسم يبدأ بالبناء فيأتي بركعة بأم القرآن ، ويجعلها ثانية ، ثم يأتي بأخرى بأم القرآن ويجلس كما كان يفعل مع إمامه ، ثم ركعة القضاء بأم القرآن وسورة ، وعند سحنون يبدأ بالقضاء يأتي بالأولى بالحمد وسورة ويجلس ، ثم بالرابعة بأم القرآن ويقوم ، ثم بركعة القضاء ونظيره مقيم أدرك ركعة من صلاة المسافر ، وهكذا يفعل عنده ، وقال ابن المواز في المسألتين : تصير صلاته كلها جلوسا والبناء أرجح ; لأن حكم الأولى في المسبوق أن تؤخر إلى بعد الفراغ . وثانيها تفوته الأولى ويصلي الوسطيين ، ومن رعف في الرابعة فصلى ، قول ابن القاسم يبدأ بالرابعة وتكون ثالثة ، ويجلس عند ابن القاسم ويقوم على القول الآخر ، وعلى قول سحنون يقضي الأولى بالحمد وسورة . وثالثها تفوته الأوليان ويصلي الثالثة وتفوته الرابعة ، فعلى قول ابن القاسم يأتي بركعة بالحمد وسورة وهي ثانية له فيجلس ، ويأتي بركعتين متواليتين بالحمد لله وسورة وعند سحنون يأتي بالأوليين قبل الرابعة ويجلس بينهما كمن فاتته ركعة من [ ص: 91 ] المغرب . الثامن إن فاتته الأولى ، وأدرك الثانية ورعف في الثالثة وأدرك الرابعة ، قال سحنون : يأتي بالتي سبقه بها ، ثم بالتي رعف فيها ، وعلى قول ابن القاسم يبتدئ بالتي رعف فيها ، وهل يجلس لهما يأتي على حكم ما تقدم . التاسع قال صاحب الطراز : اختلف في الراعف في صلاة الجنازة والعيد ، قال ابن المواز : يرجع بعد الغسل إلى موضع الصلاة ; لأن ذلك المكان من سننها ولو أتم في بيته أجزأه ، وقال أشهب : إن خاف فواتها لم ينصرف وإن لم يكن كبر على الجنازة شيئا ولا صلى ركعة من العيدين . العاشر قال في الكتاب : إذا قاء عامدا أو غير عامد استأنف الصلاة بخلاف الرعاف ، قال صاحب الطراز : القيء النجس الخارج عن صفة الطعام يبطل الصلاة على المشهور ، وإن لم يتعمده . والطاهر يتعلق بالمتعمد وغيره كما بين في الأكل والشرب ، قال ابن القاسم في العتبية : إن تقيأ بلغما أو قلسا فألقاه تمادى ، وإن ابتلع القلس بعد ظهوره على لسانه فسدت صلاته ، قال في المجموعة : وإن كان سهوا بنى وسجد بعد السلام ، قال صاحب الطراز : ولو طرأ عليه القيء النجس هل يغسله عنه ويبني ؟ فعند أشهب يبني فيه وفي غيره من النجاسات ، وعند ابن شهاب يبني في القيء والرعاف خاصة وإن كانا عنده موجبين للوضوء والبناء ، والفرق بين الرعاف والقيء عندنا أن القيء فيه تفريط بسبب أن أسبابه تتقدم بحس الغثيان وغيره ، بخلاف الرعاف . الحادي عشر إذا ظن أنه رعف فخرج ، ثم تبين عدم الرعاف فعند مالك لا يبني ; لأنه مفرط ، وعند سحنون يبني ; لأنه فعل ما يجوز له ، قاله صاحب الطراز . الثاني عشر قال : لو افتتح الصلاة بالتيمم ، ثم صب المطر وهو في الصلاة ، ثم رعف غسل عنه الدم ولم يبطل صلاته فإن أحب قطع صلاته بالرعاف فتكلم ، ولو وجد من الماء قدر ما يغسل به الدم فقط فهل تبطل صلاته لأن تيممه لم يبطل بصلاته بسبب اشتغاله بالغسل ؟ أو لأنه يجب عليه اختبار [ ص: 92 ] الماء ، هل يكفيه أم لا فتبطل صلاته بالطلب أو لا تبطل ؟ وهو مذهب الشافعي . الثالث عشر قال : اتفق أصحابنا أن المأموم يبني في الرعاف لفضيلة الجماعة ، وكذلك الإمام ; لأنه واحد منهم وهو محتاج لفضيلة الجماعة ، واختلفوا في الفذ فأجاز مالك له البناء ومحمد بن مسلمة ; لأنه معنى لا يمنع البناء فيستوي فيه المصلون كالسلام من اثنتين ولأنه محتاج لتحصيل فضيلة أول الوقت ، ومنعه ابن حبيب بناء على أن سبب الرخصة فضيلة الجماعة فقط ، وأما الثوب ففي الجواهر إذا كان طرف عمامته على نجاسة قال عبد الحق : إن كان يتحرك بحركته فهو مصل بالنجاسة وإلا فلا ، وفي السليمانية يعيد في الوقت وإن كانت العمامة طويلة نظرا للاتصال ويجب صون الثياب ، وما يلابسها عن النجاسات ; صونا للعبادات عن دنيء الهيئات ، وقال صاحب البيان : إذا قطر على الإمام نجاسة في الصلاة ولم يكن عليه غير ذلك الثوب ولا معه غيره تمادى على صلاته ويعيد في الوقت ، وإن وجد غيره خرج واستخلف فإن كان فذا قطع وابتدأ بالثوب الطاهر وإن كان عليه سواه فالقياس الاستخلاف للإمام والقطع للفذ ، وقد روي عن مالك أن القطع أحب إليه ; لأن عقبة بن أبي معيط طرح على النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي سلا الجزور ، وغسلته فاطمة - رضي الله عنها - وتمادى على صلاته ، وروي أنه فرث ودم ولا حجة فيه ; لأنه في أول الإسلام وقبل تحريم ذبائح المشركين ، والسلا وعاء الولد فهو كلحم الناقة المذكاة ، وكذلك الفرث طاهر عندنا ولعل الدم الذي كان فيه يسير ، قال صاحب الطراز : إذا قلنا لا تجوز الصلاة بالعمامة المتصلة [ ص: 93 ] بالنجاسة فمن صلى ومعه حبل طرفه مربوط بميتة ، فإن كان الحبل تحت قدميه فلا شيء عليه كالبساط ، وإن كان مشدودا به لم تجزه وهو قول ( ش ) ولو كان مربوطا في أذن دن خمر والأذن طاهرة لم ينفعه ذلك ; لأن الأذن متصل بالنجاسة فلو كان مربوطا بقارب فيه النجاسة ، أو جرار خمر ، أو القارب في ماء نجس ، فإن كان الرباط في موضع نجس لم يجزه ، وإن كان متصلا بموضع طاهر ففيه نظر ; لأنه لو مشى على جنب النهر لتحرك القارب بما فيه من النجاسة كدن الخمر ، أو الميتة أو يقال : إنما مسك القارب والنجاسة جاورته فهو كما لو ربطه في دابة واقفة على شيء نجس ، وللشافعية هاهنا قولان : فإن قلنا في الدابة لا تجزيه وكان مشدودا في رأس دابة وعليها رحل نجس فيظهر هاهنا أن لا شيء عليه ; لأن الدابة لها فعل وهي التي تعد حاملة للنجاسة ، بخلاف القارب فإنه بمنزلة العود المتنجس ولهذا تؤثر النجاسة التي تقوم فيها بخلاف النجاسة التي تقف عليها الدابة .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية