الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                [ ص: 152 ] الشرط العاشر : الموالاة فيجب إيقاع أجزاء الصلاة وأركانها يلي بعضها بعضا من غير تفريق ، واستثنى من ذلك لأجل الضرورة الرعاف ، وصلاة الخوف في حق الإمام فإنه ينتظر الطائفة الثانية ، والمسبوق ينتظر الإمام فيما لا يعتد به من صلاته حتى يسلم ، ثم يقوم يصلي لنفسه ، والساهي عن بعض صلاته يبني ما لم يطل ، وقال ربيعة : يبني وإن طال ما لم يحدث فجعل الموالاة واجبة مع الذكر ساقطة مع النسيان كالوضوء . لا حق بالشروط وليس منها ، وهي السترة ; فإنها يجب تقديمها قبل الصلاة في بعض الصور ، ولا يلزم من عدمها بطلان الصلاة وهي من محاسن الصلاة ، وفائدتها قبض الخواطر عن الانتشار ، وكف البصر عن الاسترسال حتى يكون العبد مجتمعا لمناجاة ربه ، ولهذا السر شرعت الصلاة إلى جهة واحدة مع الصمت وترك الأفعال العادية ، ومنع من الجري إليها ، وإن فاتت الجماعة وفضيلة الاقتداء ، ومن إقامتها مع الجوع المبرح أو غيره من المشوشات إن أمكن استدراك ذلك قبل خروج الوقت تحصيلا لأدب القلب مع الرب أعاننا الله على ذلك في سائر الأحوال بمنه وكرمه ، ثم المار يأثم إن كانت له مندوحة لما في الموطأ أنه - عليه السلام - قال : لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه لكان له أن يقف أربعين خيرا له من أن يمر بين يديه . قال أبو النضر : لا أدري أقال أربعين يوما أو شهرا أو سنة ؟ وشاركه المصلي في الإثم إن تعرض للمرور ; لقوله - عليه السلام - في الموطأ : إذا كان أحدكم يصلي فلا يدع أحدا يمر بين يديه ، وليدرأه ما استطاع ، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان . قال صاحب الطراز : إلا أن [ ص: 153 ] يضطر إلى ذلك ، فقد كانت عائشة - رضي الله عنها - تبسط رجليها بين يديه - عليه السلام - وهو يصلي . وإن لم يكن للمار مندوحة عن المرور أثم المصلي وحده ، ونحوه إن تعرض للمرور بعذر إذا لم يقصر . والحالات أربع : فاثنان لا يأثمان ، يأثم المار وحده ، يأثم المصلي وحده ، واختلف في قوله عليه السلام : فليقاتله ، فقيل : إذا فرغ من الصلاة يغلظ عليه ، وقيل يدعو عليه ومنه قوله تعالى : ( قاتلهم الله أنى يؤفكون ) أي : لعنهم الله ، وقيل يدفعه دفعا شديدا أشد من الدرأة ولا ينتهي إلى ما يفسد الصلاة وهو المشهور ، وقال أشهب في المجموعة : إن قرب منه يدرأه ولا ينازعه ، فإن مشى له ونازعه لم تبطل صلاته ، وروى ابن القاسم في المجموعة : إذا تجاوزه لا يرده من حيث جاء ; لأنه مروران . قال صاحب الطراز : يدرأه حالة القيام ، وروىابن القاسم لا يدرأه في حالة السجود لمنافاة السجود لذلك ، وإن مر به ما لا تؤثر فيه الإشارة كالهر دفعه برجله ، أو يلصقه إلى السترة ; لما في أبي داود أنه - عليه السلام - لم يزل يدرأ بهيمة أرادت أن تمر بين يديه حتى لصق بطنه بالجدار ، قال أبو الطاهر : لو دفعه فمات كانت ديته على العاقلة عند أهل المذهب قال : وأجرى عبد الحق هذا على الخلاف فيمن عض إنسانا [ ص: 154 ] فأخرج المعضوض يده فكسر سن العاض ، والخلاف جار في كل من أذن له إذن خاص فأدى إلى التلف ، هل يسقط الأذن عنه إثر الجناية أم لا ؟ .

                                                                                                                فائدة : قال سيبويه : الشيطان في اللغة كل متمرد عات من الجن ، والإنس ، والدواب وليس هذا الاسم خاصا بالجن ، ولما كان المار فعل ما لا يليق وخرق حرمة الصلاة وأبهتها ، كان ذلك نوعا من التمرد فسماه - عليه السلام - شيطانا ولا حاجة إلى قول من يتكلف المجاز في الحديث ، قال صاحب القبس : فإن صلى إلى غير سترة فقد خلط بعض الناس ، فقال : لا يمر أحد بين يديه بمقدار رمية السهم ، وقيل رمية الحجر ، وقيل رمية الرمح ، وقيل بمقدار المطاعنة ، وقيل بمقدار المضاربة بالسيف ; مغترين بقوله عليه السلام : فليقاتله فحملوه على أنواع القتال وليس يستحق المصلي سواء وضع سترة أو لم يضعها سوى مقدار ما يحتاجه لقيامه وركوعه وسجوده .

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                الخدمات العلمية