الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        السجدة الثانية : سجدة التلاوة ، وهي سنة ، وعدد السجدات أربع عشرة على الجديد الصحيح . ليس منها ( ص ) ومنها : سجدتان في ( الحج ) . وثلاث في المفصل . وقال في القديم : إحدى عشرة ، أسقط سجدات المفصل . ولنا وجه : أن السجدات خمس عشرة ، ضم إليها سجدة ( ص ) ، وهذا قول ابن سريج . والصحيح المنصوص المعروف : أنها ليست من عزائم السجود ، وإنما هي سجدة شكر ، فإن سجد فيها خارج الصلاة فحسن .

                                                                                                                                                                        [ ص: 319 ] قلت : قال أصحابنا : يستحب أن يسجد في ( ص ) خارج الصلاة . وهو مراد الإمام الرافعي بقوله : حسن والله أعلم . ولو سجد في ( ص ) في الصلاة جاهلا ، أو ناسيا ، لم تبطل صلاته . وإن كان عامدا ، بطلت على الأصح .

                                                                                                                                                                        قلت : ويسجد للسهو الناسي والجاهل . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو سجد إمامه في ( ص ) لكونه يعتقدها ، لم يتابعه بل يفارقه أو ينتظره قائما . وإذا انتظره قائما ، فهل يسجد للسهو ؟ وجهان .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح لا يسجد ، لأن المأموم لا سجود لسهوه . ووجه السجود أنه يعتقد أن إمامه زاد في صلاته جاهلا . وحكى صاحب ( البحر ) وجها : أنه يتابع الإمام في سجود ( ص ) . والله أعلم . ومواضع السجدات بينة لا خلاف فيها ، إلا التي في ( حم السجدة ) فالأصح : أنها عقب ( لا يسأمون ) . والثاني : عقب ( إن كنتم إياه تعبدون ) .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        يسن السجود للقارئ ، والمستمع له ، سواء كان القارئ في الصلاة ، أم لا . وفي وجه شاذ : لا يسجد المستمع لقراءة من في الصلاة . ويسن للمستمع إلى قراءة المحدث ، والصبي ، والكافر ، على الأصح . وسواء سجد القارئ ، أم لم يسجد ، يسن للمستمع السجود ، لكنه إذا سجد كان آكد . هذا هو الصحيح الذي قطع به الجمهور . وقال الصيدلاني : لا يسن له السجود إذا لم يسجد القارئ ، واختاره إمام [ ص: 320 ] الحرمين . وأما الذي لا يستمع ، بل يسمع عن غير قصد ، ففيه أوجه . الصحيح المنصوص : أنه يستحب له ، ولا يتأكد في حقه تأكده في حق المستمع . والثاني : أنه كالمستمع . والثالث : لا يسن له السجود أصلا . أما المصلي ، فإن كان منفردا سجد لقراءة نفسه . فلو لم يسجد فركع ، ثم بدا له أن يسجد ، لم يجز . فلو كان قبل بلوغه حد الراكعين ، جاز . ولو هوى لسجود التلاوة ، ثم بدا له فرجع ، جاز ، كما لو قرأ بعض التشهد الأول ولم يتممه ، فإنه يجوز . ولو أصغى المنفرد بالصلاة لقراءة قارئ في الصلاة أو غيرها ، لم يسجد ، لأنه ممنوع من الإصغاء ، فإن سجد ، بطلت صلاته . وإن كان المصلي إماما ، فهو كالمنفرد فيما ذكرناه . ولا يكره له قراءة آية لسجدة ، لا في الصلاة الجهرية ، ولا في السرية . وإذا سجد الإمام ، سجد المأموم . فلو لم يفعل ، بطلت صلاته . وإذا لم يسجد الإمام ، لم يسجد المأموم . ولو فعل ، بطلت صلاته . ويحسن القضاء إذا فرغ ولا يتأكد . ولو سجد الإمام ولم يعلم المأموم حتى رفع الإمام رأسه من السجود ، لم يسجد . وإن علم وهو بعد في السجود ، سجد . وإن كان المأموم في الهوي ، ورفع الإمام رأسه ، رجع معه ولم يسجد ، وكذا الضعيف الذي هوى مع الإمام لسجود التلاوة ، فرفع الإمام رأسه ، قبل انتهائه إلى الأرض لبطء حركته ، يرجع معه ، ولا يسجد . أما إذا كان المصلي مأموما ، فلا يسجد لقراءة نفسه . بل يكره له قراءة السجدة . ولا يسجد لقراءة غير الإمام ، بل يكره له الإصغاء إليها . ولو سجد لقراءة نفسه ، أو قراءة غير إمامه ، بطلت صلاته .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا قرأ آيات السجدات في مكان واحد ، سجد لكل واحدة ، فلو كرر الآية الواحدة في المجلس الواحد ، نظر ، إن لم يسجد للمرة الأولى ، كفاه [ ص: 321 ] سجود واحد ، وإن سجد للأولى ، فثلاثة أوجه . الأصح : يسجد مرة أخرى ، لتجدد السبب . والثاني : يكفيه الأولى . والثالث : إن طال الفصل ، سجد أخرى ، وإلا فتكفيه الأولى . ولو كرر الآية الواحدة في الصلاة ، فإن كان في ركعة ، فكالمجلس الواحد ، وإن كان في ركعتين ، فكالمجلسين . ولو قرأ مرة في الصلاة ، ومرة خارجها في المجلس الواحد ، وسجد للأولى ، فلم أر فيه نصا للأصحاب ، وإطلاقهم يقتضي طرد الخلاف فيه .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية