الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        المسألة الثالثة : يجب استيعاب الأصناف الثمانية عند القدرة عليهم ، فإن فرق بنفسه ، أو فرق الإمام ، وليس هناك عامل ، فرق على السبعة . وحكي قول : أنه إذا فرق بنفسه ، سقط أيضا نصيب المؤلفة . والمشهور : ما سبق .

                                                                                                                                                                        ومتى فقد صنف فأكثر ، قسم المال على الباقين . فإن لم يوجد أحد من الأصناف ، حفظت الزكاة حتى يوجدوا ، أو يوجد بعضهم . وإذا قسم الإمام ، لزمه استيعاب آحاد كل صنف ، ولا يجوز الاقتصار على بعضهم ، لأن الاستيعاب لا يتعذر عليه ، وليس المراد أنه يستوعبهم بزكاة كل شخص ، بل يستوعبهم من الزكاة المختلطة في يده ، وله أن يخص بعضهم بنوع من المال ، وآخرين بنوع .

                                                                                                                                                                        وإن قسم المالك ، فإن أمكنه الاستيعاب ، بأن كان المستحقون في البلد محصورين يفي بهم المال ، فقد أطلق في " التتمة " : أنه يجب الاستيعاب ، وفي " التهذيب " : أنه يجب إن جوزنا نقل الصدقة ، وإن لم نجوزه لم يجب ، لكن يستحب ، وإن لم يمكن ، سقط الوجوب والاستحباب ، ولكن لا ينقص الذين ذكرهم الله تعالى بلفظ الجمع من الفقراء وغيرهم عن ثلاثة ، إلا العامل فيجوز أن يكون واحدا وهل يكتفى في ابن السبيل بواحد ؟ فيه وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : المنع ، كالفقراء . قال بعضهم : ولا يبعد طرد الوجهين في الغزاة لقوله تعالى : ( وفي سبيل الله ) [ التوبة : 60 ] بغير لفظ الجمع . فلو صرف ما عليه إلى اثنين مع القدرة على الثالث ، غرم للثالث .

                                                                                                                                                                        وفي قدره قولان . المنصوص في الزكاة : أنه يغرم ثلث نصيب ذلك الصنف . والقياس : أنه يغرم قدرا لو أعطاه في الابتداء ، أجزأه ، لأنه الذي فرط فيه ، [ ص: 330 ] ولو صرفه إلى واحد ، فعلى الأول : يلزمه الثلثان ، وعلى الثاني : أقل ما يجوز صرفه إليهما .

                                                                                                                                                                        قلت : هكذا قال أصحابنا رحمهم الله تعالى : إن الأقيس هو الثاني ، ثم الجمهور أطلقوا القولين هكذا . قال صاحب " العدة " : إذا قلنا : يضمن الثلث ، ففيه وجهان . أحدهما : أن المراد إذا كانوا سووا في الحاجة ، حتى لو كان حاجة هذا الثالث حين استحق التفرقة مثل حاجة الآخرين جميعا . ضمن له نصف السهم ليكون معه مثلهما ، لأنه يستحب التفرقة على قدر حوائجهم . والثاني : أنه لا فرق . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        ولو لم يوجد إلا دون الثلاثة من صنف ، يجب إعطاء ثلاثة منهم ، وهذا هو الصحيح ، ومراده : إذا كان الثلاثة متعينين ، أعطى من وجد . وهل يصرف باقي السهم إليه إذا كان مستحقا ، أم ينقل إلى بلد آخر ؟ قال المتولي : هو كما لو لم يوجد بعض الأصناف في البلد . وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                        قلت : الأصح ، أن يصرف إليه . وممن صححه الشيخ نصر المقدسي ، ونقله هو وصاحب العدة وغيرهما عن نص الشافعي رحمة الله عليه ودليله ظاهر . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        التسوية بين الأصناف واجبة . وإن كانت حاجة بعضهم أشد ، إلا أن العامل لا يزاد على أجرة عمله كما سبق . وأما التسوية بين آحاد الصنف ، سواء استوعبوا أو اقتصر على بعضهم ، فلا يجب ، لكن يستحب عند تساوي الحاجات .

                                                                                                                                                                        هذا إذا قسم المالك . قال في " التتمة " : فأما إن قسم الإمام ، فلا يجوز تفضيل [ ص: 331 ] بعضهم عند تساوي الحاجات ، لأن عليه التعميم ، فتلزمه التسوية ، والمالك لا تعميم عليه ، فلا تسوية .

                                                                                                                                                                        قلت : هذا التفصيل الذي في " التتمة " وإن كان قويا في الدليل ، فهو خلاف مقتضى إطلاق الجمهور استحباب التسوية . وحيث لا يجب الاستيعاب ، قال أصحابنا : يجوز الدفع إلى المستحقين من المقيمين بالبلد والغرباء ، ولكن المستوطنون أفضل ، لأنهم جيرانه . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        إذا عدم في بلد جميع الأصناف ، وجب نقل الزكاة إلى أقرب البلاد إليه . فإن نقل إلى أبعد ، فهو على الخلاف في نقل الزكاة . وإن عدم بعضهم ، فإن كان العامل ، سقط سهمه . وإن عدم غيره ، فإن جوزنا نقل الزكاة ، نقل نصيب الباقي ، وإلا فوجهان : أحدهما : ينقل . وأصحهما : يرد على الباقين .

                                                                                                                                                                        فإن قلنا : ينقل ، نقل إلى أقرب البلاد . فإن نقل إلى غيره ، أو لم ينقل ، ورده على الباقي ، ضمن ، وإن قلنا : لا ينقل فنقل ، ضمن . ولو وجد الأصناف فقسم ، فنقص سهم بعضهم عن الكفاية ، وزاد سهم بعضهم عليها ، فهل يصرف ما زاد إلى من نقص نصيبه ، أم ينقل إلى ذلك الصنف بأقرب البلاد ؟ فيه هذا الخلاف .

                                                                                                                                                                        وإذا قلنا : يرد على من نقص سهمهم ، رد عليهم بالسوية . فإن استغنى بعضهم ببعض المردود ، قسم الباقي بين الآخرين بالسوية .

                                                                                                                                                                        ولو زاد نصيب جميع الأصناف على الكفاية ، أو نصيب بعضهم ، ولم ينقص نصيب الآخرين ، نقل ما زاد إلى ذلك الصنف .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية