الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                        [ ص: 356 ] فصل

                                                                                                                                                                        لا بد للصائم من الإمساك عن المفطرات ، وهي أنواع .

                                                                                                                                                                        منها : الجماع ، وهو مفطر بالإجماع .

                                                                                                                                                                        ومنها : الاستمناء ، وهو مفطر .

                                                                                                                                                                        ومنها : الاستقاءة ، فمن تقيأ عمدا ، أفطر . ومن ذرعه القيء ، لم يفطر . ثم اختلفوا في سبب الفطر إذا تقيأ عمدا ، فالأصح : أن نفس الاستقاءة مفطرة كالإنزال ، والثاني : أن المفطر رجوع شيء مما خرج وإن قل .

                                                                                                                                                                        فلو تقيأ منكوسا ، أو تحفظ ، فاستيقن أنه لم يرجع شيء إلى جوفه ، ففي فطره الوجهان . قال الإمام : فلو استقاء عمدا ، أو تحفظ جهده ، فغلبه القيء ورجع شيء ، فإن قلنا : الاستقاءة مفطرة بنفسها ، فهنا أولى ، وإلا فهو كالمبالغة في المضمضة إذا سبق الماء إلى جوفه .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        من المفطرات دخول شيء في جوفه - وقد ضبطوا الداخل المفطر بالعين الواصلة - الظاهر إلى الباطن في منفذ مفتوح عن قصد مع ذكر الصوم .

                                                                                                                                                                        وفيه قيود : منها الباطن الواصل إليه . وفيما يعتبر به وجهان . أحدهما : أنه ما يقع عليه اسم الجوف ، والثاني : يعتبر معه أن يكون فيه قوة تحيل الواصل إليه من غذاء أو دواء .

                                                                                                                                                                        والأول هو الموافق لكلام الأكثرين ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى . ويدل عليه أنهم جعلوا الحلق كالجوف في بطلان الصوم بوصول الواصل إليه .

                                                                                                                                                                        وقال الإمام : إذا جاوز الشيء الحلقوم ، أفطر . وعلى الوجهين جميعا باطن الدماغ والبطن والأمعاء والمثانة ، مما يفطر الوصول إليه ، حتى لو كان على بطنه جائفة ، أو برأسه [ ص: 357 ] مأمومة ، فوضع عليها دواء فوصل جوفه أو خريطة دماغه ، أفطر وإن لم يصل باطن الأمعاء أو باطن الخريطة ، وسواء كان الدواء رطبا أو يابسا . ولنا وجه : أن الوصول إلى المثانة لا يفطر ، وهو شاذ . والحقنة تفطر على الصحيح .

                                                                                                                                                                        وقال القاضي حسين : لا تفطر ، وهو غريب .

                                                                                                                                                                        والسعوط إن وصل الدماغ ، فطر . وما جاوز الخيشوم في الإسعاط ، فقد حصل في حد الباطن وداخل الفم والأنف إلى منتهى الغلصمة .

                                                                                                                                                                        والخيشوم له حكم الظاهر من بعض الوجوه ، حتى لو خرج إليه القيء وابتلع منه نخامة ، أفطر ، ولو أمسك فيه شيئا ، لم يفطر ، ولو نجس ، وجب غسله ، وله حكم الباطن من حيث أنه لو ابتلع منه الريق لا يفطر ، ولا يجب غسله على الجنب .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لا بأس بالاكتحال للصائم ، سواء وجد في حلقه منه طعما ، أم لا ، لأن العين ليست بجوف ، ولا منفذ منها إلى الحلق .

                                                                                                                                                                        ولو قطر في أذنه شيئا فوصل إلى الباطن ، أفطر على الأصح عن الأكثرين ، كالسعوط ، والثاني : لا يفطر كالاكتحال ، قاله الشيخ أبو علي ، والقاضي حسين ، والفوراني . ولو قطر في إحليله شيئا لم يصل إلى المثانة ، فأوجه .

                                                                                                                                                                        أصحها : يفطر ، والثاني : لا ، والثالث : إن جاوز الحشفة ، أفطر ، وإلا ، فلا . ولا يفطر الفصد والحجامة ، لكن يكرهان للصائم .

                                                                                                                                                                        وقال ابن المنذر وابن خزيمة من أصحابنا : يفطر بالحجامة .

                                                                                                                                                                        [ ص: 358 ] فرع

                                                                                                                                                                        لو أوصل الدواء إلى داخل لحم الساق ، أو غرز فيه السكين فوصلت مخه ، لم يفطر ، لأنه لم يعد عضوا مجوفا . ولو طلى رأسه أو بطنه بالدهن فوصل جوفه بشرب المسام ، لم يفطر ، لأنه لم يصل من منفذ مفتوح ، كما لا يفطر بالاغتسال والانغماس في الماء وإن وجد له أثرا في باطنه .

                                                                                                                                                                        ولو طعن نفسه ، أو طعنه غيره بإذنه ، فوصل السكين جوفه ، أفطر ، سواء كان بعض السكين خارجا ، أو لم يكن .

                                                                                                                                                                        وكذا لو ابتلع طرف خيط وطرفها الآخر بارز ، أفطر بوصول الطرف الواصل ، ولا يعتبر الانفصال من الظاهر .

                                                                                                                                                                        وحكى الحناطي وجها فيمن أدخل طرف خيط في دبره أو جوفه ، وبعضه خارج : أنه لا يفطر .

                                                                                                                                                                        فرع

                                                                                                                                                                        لو ابتلع طرف خيط بالليل ، وطرفه الآخر خارج ، فأصبح كذلك ، فإن تركه لم تصح صلاته ، وإن نزعه أو ابتلعه لم يصح صومه .

                                                                                                                                                                        فينبغي أن يبادر غيره إلى نزعه وهو غافل ، فإن لم يتفق ذلك ، فالأصح : أن يحافظ على الصلاة فينزعه أو يبتلعه ، والثاني : يتركه محافظة على الصوم ، ويصلي على حاله .

                                                                                                                                                                        قلت : ويجب إعادة الصلاة على الصحيح . والله أعلم .

                                                                                                                                                                        [ ص: 359 ] فرع

                                                                                                                                                                        من قيود المفطر وصوله بقصد ، فلو طارت ذبابة إلى حلقه ، أو وصل غبار الطريق ، أو غربلة الدقيق إلى جوفه ، لم يفطر . فلو فتح فاه عمدا حتى دخل الغبار جوفه ، قال في " التهذيب " : لم يفطر على الأصح .

                                                                                                                                                                        ولو ربطت المرأة ووطئت ، أو طعن أو أوجر بغير اختياره ، لم يفطر . ونقل الحناطي وجهين فيما إذا أوجر بغير اختياره ، وهذا غريب .

                                                                                                                                                                        فلو كان مغمى عليه فأوجر معالجة وإصلاحا له ، وقلنا : لا يبطل الصوم بمجرد الإغماء ، ففي بطلانه بهذا الإيجار وجهان .

                                                                                                                                                                        أصحهما : لا يفطر . ونظير الخلاف إذا عولج المحرم المغمى عليه بدواء فيه طيب ، هل تجب الفدية ؟ .

                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية